في الوقت الذي تخسر فيه الولايات المتحدة أرضيتها في النظام العالمي الجديد، كان التكيف مع التحدي المزدوج، المتمثل في الجيش الصيني واقتصاده محور اهتمام الإدارات الأمريكية لسنوات، باعتبار أن الحرب الحديثة صراعٌ على القوة الصناعية، كما أظهرت الحرب الروسية الأوكرانية، حيث يستنزف كلا الجانبين ترسانات قذائف المدفعية والصواريخ والمركبات العسكرية.
وبينما تُنتج المصانع الآلية الآن طائراتٍ بدون طيار ليلًا ونهارًا، وبدا أنه حتى مدفع "الهاوتزر" القديم يتطلب تصنيعًا دقيقًا، لفت تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن الولايات المتحدة انتصرت في الحرب العالمية الثانية جزئيًا بإنتاجها كميات أكبر من كل شيء -من الرصاص إلى الطعام- مقارنةً بأعدائها، مثلما قام أحد أحواض بناء السفن في كاليفورنيا في عام 1942 بتجميع سفينة إمداد في أقل من خمسة أيام.
لكن الآن، لم تعد أمريكا قادرة على هذا النوع من الإنجازات التصنيعية، بل تُعدّ الصين هي الدولة القادرة على تحقيق أقصى استفادة من كل شيء تقريبًا، وتشمل منتجاتها كل شيء، من المواد الكيميائية الأساسية إلى الآلات المتطورة.
ومع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، تُصبح القدرة الصناعية للبلدين ساحة معركة رئيسية في أي صراع.
نمو بحري
مكّن النمو الاقتصادي الصين من بناء جيش ضخم بتقنيات حديثة، يمكن أن ينافس الولايات المتحدة بسهولة؛ وهو ما بدا في الاشتباكات الأخيرة بين الهند وباكستان، بعدما تفوقت الأخيرة في المعارك بمعدات صينية.
وفي الوقت الحالي، تعمل القوات الجوية والبحرية الصينية على تقليص الفجوة مع الولايات المتحدة، على الرغم من أن العديد من المنصات الأمريكية تعتبر أكثر تقدمًا من نظيراتها الصينية.
ووفقًا لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية -وهو مركز أبحاث في واشنطن- أنتجت شركة بناء سفن صينية واحدة العام الماضي سفنًا تجارية من حيث الحمولة تفوق ما أنتجته صناعة بناء السفن الأمريكية بأكملها منذ الحرب العالمية الثانية.
ومنذ عام 2000، قامت الصين ببناء عدد من السفن البحرية يزيد على ضعف ما بنته الولايات المتحدة، وذلك وفقاً لشركة "جينز" للاستخبارات الدفاعية.
ولفت "وول ستريت جورنال" إلى أن حجم بناء السفن التجارية في الصين يدعم إنتاجها البحري "وفي حالة الحرب، يمكن تحويل هذه القدرات من سفن الشحن إلى السفن حربية".
كما أوضح التقرير أن القوة النارية البحرية تُقدم مثالًا بارزًا على قدرة الصين على إطلاق صواريخ "كروز" وغيرها من الصواريخ في البحر التي تسُدّ فجوة قتالية كبيرة مع الولايات المتحدة، لافتًا إلى أن "العديد من الشركات المصنِّعة الصينية ليست في القطاع العسكري، ولكن يمكن إعادة توظيفها بسهولة لصنع الأسلحة أو الدعم في الحرب".
قدرات تقنية
أيضًا، لا يقتصر الأمر على امتلاك الصين المزيد من المصانع، بل إنها تُحدِّثها بوتيرة أسرع، باستخدام تقنيات مثل شبكات الجيل الخامس الخاصة لـ"الأتمتة" (مصطلح يعني استخدام التكنولوجيا لتنفيذ المهام بشكل آلي مع الحد الأدنى من التدخل البشري)، ما يعني أنها تستطيع ربط معدات التصنيع بالمصممين والمستخدمين بسرعة وكفاءة أكبر، ما يُمكّنها من تحديث المنتجات بسرعات لا تستطيع الصناعة التقليدية تحقيقها.
الأمر نفسه يحدث في أوكرانيا، حيث أتاحت التغذية الراجعة المستمرة من القوات في الخطوط الأمامية إلى مُصنّعي الطائرات بدون طيار للبلاد تحقيق تقدم سريع في مجال الطائرات المُسيّرة، وهذا يعني أن الصين قادرة على تسريع الإنتاج بسهولة أكبر، كما تمتلك البلاد عددًا أكبر بكثير من الروبوتات الصناعية، ما يُعزز ميزتها العمالية الهائلة، وفق التقرير.
الوقود والذخيرة
لا تقتصر الحروب على المعدات العسكرية فحسب، فكل طائرة وسفينة ودبابة تحتاج إلى وقود وقطع غيار وذخيرة، كما تحتاج طواقمها إلى طعام وماء ورعاية طبية.
في الوقت نفسه، تتطلب وظائف الدعم هذه شبكات لوجستية واسعة، يعتمد معظمها على السفن، والصين لديها عدد أكبر من السفن اللازمة لدعم القوات.
وتشير "وول ستريت جورنال" إلى أنه حتى لو استطاعت الولايات المتحدة توسيع أسطولها من سفن الشحن التجارية، إلا أنها تفتقر إلى البحارة اللازمين لتشغيلها.
وتشير بعض التقديرات إلى أن عدد البحارة التجاريين في الولايات المتحدة الآن أقل من 10,000 -هذا العدد غير مؤكد لأن الحكومة توقفت عن تتبعهم منذ سنوات- أما الصين، فلديها ما يقارب 200 ضعف عدد البحارة التجاريين.
أيضًا، تمتلك الصين كميات أكبر من المواد الخام اللازمة للحرب الحديثة، كما أن سيطرة الصين على مناجم المعادن الأرضية النادرة -اللازمة لبناء الصواريخ والطائرات والغواصات- ومصانع معالجتها في العالم ستمكنها من تعويض خسائرها بسهولة أكبر في أي صراع ممتد.
وأكد التقرير أنه "إذا واجهت الولايات المتحدة صراعًا كبيرًا، فستحتاج إلى إعادة توجيه صناعاتها وعمالها، كما فعلت في الحربين العالميتين في القرن العشرين"، موضحًا أن "القوى العاملة الصينية جاهزة بالفعل، بجيش من عمال التصنيع يفوق عدد الدول الأخرى".