تشهد مقاطعة ألبرتا الكندية الغنية بالنفط تصاعدًا خطيرًا في الدعوات الانفصالية، ما يضع رئيس الوزراء مارك كارني أمام تحدٍ كبير لحفظ الوحدة الوطنية ومواجهة التهديدات الاقتصادية من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
مشاعر متنامية للانفصال
في أجواء تتسم بالإحباط من السياسات الفيدرالية، يعبر سكان ألبرتا عن رغبتهم المتزايدة في الانفصال أو حتى الانضمام للولايات المتحدة.
وفي بلدة هاي ريفر الصغيرة، قال روجر بابليتز، العامل البالغ 54 عامًا، لصحيفة "فايننشيال تايمز": "أن نصبح الولاية الأمريكية رقم 51 لن يؤذي مشاعري، أعتقد أنه سيكون من الأفضل لو انضممنا للولايات المتحدة أو انفصلنا عن كندا".
وتُعد ألبرتا أكبر مورد أجنبي للنفط إلى الولايات المتحدة، واعتبرت نفسها دائمًا مختلفة قليلًا عن باقي أنحاء كندا.
قائدة التمرد
تلعب دانييل سميث، رئيسة وزراء ألبرتا البالغة 54 عامًا وزعيمة حزب المحافظين المتحدين، دورًا محوريًا في تأجيج هذه التوترات من خلال مهاجمتها المستمرة لأوتاوا وفتح الباب أمام استفتاء الاستقلال.
وفي مقابلة مع "فايننشيال تايمز"، قالت سميث: "سئم سكان ألبرتا، يمكن دفعهم والضغط عليهم إلى نقطة معينة، ثم ينفجر الوضع".
وبعد يوم واحد من فوز كارني في الانتخابات الوطنية في أبريل، قدمت قانونًا يقلل بشكل جذري من النسبة المطلوبة لإجراء استفتاء إقليمي، إذ تم تخفيض عدد التوقيعات المطلوبة من 600 ألف إلى 177 ألف توقيع فقط، بدءًا من الشهر المقبل.
رغم إعلانها معارضتها للانفصال عن كندا أو فكرة ترامب للانضمام للولايات المتحدة، إلا أن سميث صعّدت من حدة هذه التوترات المتأججة.
وأطلقت هذا الأسبوع "فريق ألبرتا المقبل"، وهو مجموعة من المسؤولين المنتخبين وقادة الأعمال والمجتمع ستسافر عبر المقاطعة لعقد اجتماعات عامة حول كيفية "الوقوف في وجه تجاوزات أوتاوا" وتحسين اقتصادها.
أرقام متضاربة
من جهته، أشار الدكتور دينيس مودري، جراح القلب المتقاعد والمؤسس المشارك لمشروع "ازدهار ألبرتا"، وهي "حركة مؤيدة للسيادة والاستفتاء"، إلى أن استفتاءً قد يُعقد مطلع العام المقبل، قائلاً لـ"فايننشيال تايمز": "لدينا بالفعل أكثر من 250 ألف شخص سيوقعون على هذه العريضة".
لكن استطلاعات الرأي تروي قصة مختلفة، إذ أظهر استطلاع للرأي في مايو أن 29% فقط من سكان ألبرتا يدعمون فكرة استقلال المقاطعة كدولة منفصلة، بينما أفاد معهد أنجوس ريد أن 36% على الأقل يريدون التصويت لمغادرة كندا، مع تسليط الضوء على وجود توترات مماثلة في ساسكاتشوان المجاورة.
وفي يوم الاثنين، حلَّ الحزب الجمهوري الانفصالي لألبرتا في المركز الثالث في انتخابات فرعية هيمن عليها حزب سميث المحافظ المتحد.
ومع ذلك، قفز الدعم للاستقلال بـ5 نقاط منذ 2021، عائدًا إلى المستويات المسجلة أثناء الجائحة عندما انزعج العديد من الناخبين من قيود كوفيد-19 الصارمة التي فرضتها أوتاوا، وفقًا لبيانات من جانيت براون لبحوث الرأي.
جذور تاريخية للصراع
ليست كندا غريبة عن أزمة الهوية، إذ أجرت مقاطعة كيبيك الناطقة بالفرنسية في شرق البلاد تصويتين فاشلين للاستقلال في عامي 1980 و1995.
الآن، يعبر الغرب عن إحباطه، خاصة حول كيفية دفع احتياطياته النفطية الوفيرة لصالح المقاطعات الأقل ازدهارًا.
منذ بناء أول خط سكة حديد غربًا قبل أكثر من قرن، شعر سكان الغرب المنتجون للزراعة والنفط بالاستياء تجاه المدن الشرقية "مونتريال وأوتاوا وتورونتو"، التي تميل لتجاهل مساهمات المقاطعات الغربية.
وقال مودري: "نحن نواصل كوننا مستعمرة تخدم مصالح الشرق، نُنهب ونُسلب ثرواتنا، ونُجبر على تقبل قيم لا تتماشى مع قيم الناس هنا".
يصوت سكان ألبرتا بشكل غالب محافظ ويختلفون بانتظام مع أوتاوا، التي يتهمونها بالتجاوز أو السياسات غير العادلة التي تكلفهم مليارات الدولارات سنويًا.
وقالت "سميث" إن الغضب اليوم نتج عن عقد من الحكم الليبرالي تحت قيادة رئيس الوزراء السابق جاستن ترودو، الذي ركَّز على أجندة مناخية مثل ضريبة الكربون كانت "مدمرة للعائلات" وأعاقت الصناعة.
تحديات كارني
يواجه كارني، الذي نشأ في إدمونتون عاصمة ألبرتا، تحديًا سياسيًا معقداً في إدارة العلاقات مع سميث ومقاطعتها في وقت التوترات المتزايدة بين كندا والولايات المتحدة، وأظهر اهتمامًا خاصًا بالغرب في وقت الإنتاج النفطي القياسي ومشروع الغاز الطبيعي المسال الجديد الذي سيبدأ قريبًا.