في ظل الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران التي دخلت يومها الرابع، تدفع إسرائيل ثمنًا باهظًا لحرب مفتوحة، بأرقام فلكية تنخر في جسد اقتصادٍ مُنهك، تقف إسرائيل على حافة هاوية مالية، تُراقب ميزانيتها تتآكل يومًا بعد يوم، في معركة تستنزف مليارات الشواكل، وتهدد بإغراق البلاد في عجزٍ مالي غير مسبوق.
وبحسب ما كشفته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، فإن التكلفة اليومية للنزاع المتصاعد مع طهران وصلت إلى نحو مليار دولار أمريكي، وهو مبلغ هائل يعكس الحجم الحقيقي للنزيف الاقتصادي الذي تُواجهه إسرائيل في ظل تصعيد مزدوج من الجنوب في غزة ومن الشرق في طهران.
أرقام تفضح عمق النزيف
وفقًا للعميد احتياط ريم أميناخ، المستشارة المالية السابقة لرئيس هيئة الأركان الإسرائيلي، فإن النفقات المباشرة اليومية للحرب مع إيران تقترب من 2.75 مليار شيكل (725 مليون دولار)، وفي اليومين الأولين من القتال وحدهما، تكبّدت إسرائيل خسائر مباشرة بلغت 5.5 مليار شيكل (1.45 مليار دولار)، وُزّعت بالتساوي بين العمليات الهجومية والدفاعية.
وأشارت "أميناخ" إلى أن الضربة الجوية الأولى على إيران وحدها كلّفت نحو 2.25 مليار شيكل (593 مليون دولار)، وهو رقم يشمل ساعات الطيران والذخائر المستخدمة، فيما خُصص المبلغ المتبقي لنشاطات دفاعية، مثل تشغيل أنظمة الاعتراض وتجنيد الاحتياط.
لكن هذه التقديرات، بحسب أميناخ، لا تشمل الأضرار غير المباشرة على الاقتصاد، مثل انخفاض الناتج المحلي الإجمالي أو تراجع النشاط الاقتصادي في قطاعات مدنية مختلفة، وهو ما يجعل الصورة الكاملة أكثر قتامة مما تظهره الأرقام المجردة.
وقود حربي مكلف
في سياق متصل، كشف جريج كارلستروم، محلل الشؤون العسكرية الإسرائيلي، أن التكلفة اليومية لـوقود الطائرات والذخيرة المستخدمة في الحرب ضد إيران تصل إلى 300 مليون دولار يوميًا، وهو رقم يتوافق مع تقديرات مجلة Aviationist لعام 2021 بشأن خزانات وقود F-35 المعدلة، التي ساهمت في توسيع مدى الطيران ولكن على حساب كشف الطائرة للرادارات.
وتُشير هذه المعطيات إلى دعم تكنولوجي أمريكي كبير لإسرائيل في عملياتها الجوية، وسط تساؤلات متزايدة حول حجم الدعم اللوجستي والاستخباراتي الذي توفره واشنطن في الحرب الدائرة، وفق موقع "اطلاعات آنلاین" الإيراني.
احتياطي الطوارئ لم يعد كافيًا
كانت وزارة المالية الإسرائيلية حددت سقفًا للعجز المالي عند 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعادل نحو 105 مليارات شيكل (27.6 مليار دولار)، لكن يبدو أن هذا السقف على وشك الانهيار، بحسب "يديعوت أحرونوت".
فرغم أن الميزانية تضمنت احتياطيًا لحالات الطوارئ، إلا أن معظمه استُنزف بالكامل في حرب غزة، قبل اندلاع جولة التصعيد الحالية مع إيران، وتشير الصحيفة إلى أن الحرب الجديدة لم تُؤخذ بالحسبان حين وُضعت ميزانية الطوارئ، ما يضع وزارة المالية في مأزق متصاعد.
وفي محاولة لامتصاص الصدمة، رفعت الوزارة توقعاتها بشأن الإيرادات الضريبية من 517.1 مليار شيكل إلى 538.6 مليار شيكل (5.6 مليار دولار زيادة)، ومع ذلك، فإن هذه الزيادة لن تُعوض الخسائر المتسارعة الناتجة عن تصاعد الأعمال العسكرية.
نمو اقتصادي متباطئ
مع تصاعد الأزمة، عدّلت وزارة المالية الإسرائيلية توقعاتها للنمو الاقتصادي لعام 2025، فخفضتها من 4.3% إلى 3.6%، وهي نسبة تستند إلى فرضية تُرجّح انخفاض أعداد جنود الاحتياط ابتداءً من الربع الثالث من العام.
إلا أن هذا السيناريو أصبح مستبعدًا جدًا، خصوصًا في ظل استمرار العمليات العسكرية المكثفة في غزة، وتصاعد التوتر مع إيران، ويدق خبراء اقتصاد إسرائيليون ناقوس الخطر من تأثيرات عميقة على القطاع التكنولوجي والاستثماري، خاصة مع تراجع ثقة المستثمرين وتزايد تكلفة التأمين على الاستثمارات في الداخل.
نزيف خارج الحسابات الرسمية
في مشهدٍ موازٍ، يقوم صندوق تعويضات هيئة الضرائب الإسرائيلية بدوره في دفع تعويضات للمواطنين المتضررين من الحرب، فقد صرف الصندوق 2.4 مليار شيكل بين شهري يناير ومايو 2025، بينما بلغ صافي السحب من الصندوق 3 مليارات شيكل.
ورغم أن هذه النفقات لا تُحتسب ضمن العجز الرسمي بسبب ما وصفته الصحيفة بأنه "ممارسة محاسبية مثيرة للجدل"، فإنها تُعتبر دينًا عامًا، ما يجعلها جزءًا من التقييم الشامل لتكلفة الحرب، ويُشير مسؤولون إلى أن الصندوق قد يحتاج إلى تمويل إضافي لمواجهة الأضرار التي لحقت بمواقع متعددة في الداخل الإسرائيلي.
تكلفة مستمرة
بحسب مجلة "الإيكونوميست"، فإن التكلفة الإجمالية لحروب إسرائيل منذ 7 أكتوبر بلغت نحو 85 مليار دولار، وهو رقم لا يشمل بعدُ الحرب الأخيرة مع إيران، ويُرجح الخبراء أن هذا الرقم سيشهد ارتفاعًا حادًا خلال الأشهر القادمة، خاصة إذا استمرت العمليات العسكرية على ذات الوتيرة، دون أفق واضح للتهدئة.
وذكرت المجلة، أن ما تشهده إسرائيل اليوم هو حرب استنزاف متعددة الجبهات، عسكرية واقتصادية في آنٍ واحد، وقد يُحدّد مسارها ليس فقط بنتائج المواجهة على الأرض، بل أيضًا بقدرة الاقتصاد الإسرائيلي على تحمّل كلفة الصمود.