أدرك عدد ليس بالقليل من الفنانين النجاح الجماهيري بعدما خطّهم الشيب، فالشهرة تتمتع بزهوة خاصة لكن قد يستغرق المقصد الكثير من السنوات تستهلكها دروب شاقة، ليُصافح النجوم في نهايتها نجاحًا له مذاق خاص مُخلّفًا وراءه سنوات من الشقاء والعمل في الظل.
وراء كفاح عدد من الفنانين لتحقيق ذاتهم قصص ملهمة، فمهما اختلف العصر أو ظروف الصناعة تتكرر التجارب، فمثلما شاهدنا في عصر الأبيض والأسود نجومًا لم نعهدهم إلا كبارًا في السن منهم "عبد الوارث عسر" الذي عرف طريقه إلى شاشات السينما في الأربعينيات من عمره، ويعد أشهر عجوز في السينما المصرية وصاحب كتاب "فن الإلقاء" المرجع المهم لأي فنان وإعلامي وكل من يهتم بهذا المجال.
كما أنصف الفن في وقت متأخر من العمر الفنان "عبد الحفيظ التطاوي" الممثل المسرحي الشهير الذي ولد في عشرينيات القرن الماضي، وذاق طعم الشهر للمرة الأولى بعدما تخطى الأربعين أيضًا.
الحاضر لا يختلف كثيرًا عن الماضي، فالتاريخ الفني المعاصر يوثّق رحلة نجوم عانوا كثيرًا حتى تشبثوا بفرصة النجاح عندما واتتهم، ليثبتوا أنفسهم، فكما أسعدوا جمهورًا قليلًا على مدار سنوات على خشبة المسرح دون أن يُركز معظم الحاضرين مع أسمائهم، استحقوا أن ترتسم على وجوههم علامات السعادة بالانتصار الفني وإثبات الذات، والتأكيد على أن سنوات الكفاح في الشباب لم تذهب هباء ليحصدوا ثمارها في مرحلة متقدمة من العمر.
الـ"خالدان" صالح والصاوي
تشابهت الأسماء والرحلة.. النجمان" خالد الصاوي وخالد صالح" من أبرز الفنانين الذين تحققت نجوميتهم بشكل متأخر أيضا، إذ بدأ "الصاوي" حياته بالعمل في المحاماة لفترة قصيرة، ثم خضع لنداء موهبته الفنية التي كانت تتطلع للظهور، فعمل كمساعد مخرج ثم مخرجًا في إحدى القنوات التلفزيونية، قبل أن يحترف التمثيل على المسرح الذي أتقنه وقدّم أعمالًا مسرحية مميزة حاز من خلالها على جوائز عدة رفقة الفنان المصري الراحل خالد صالح.
وإذا كان "الصاوي" خلع روب المحاماة ليحقق الشهرة، فإن "صالح" ارتدى عباءة القاضي في الفيلم المصري "محامي خلع" ليلفت مشهد المحاكمة الشهير أنظار صنّاع السينما والدراما التلفزيونية له، بعد مشوار طويل في عالم المسرح.
"الصاوي" و"صالح" لم يصلا إلى قلوب الجمهور إلا من خلال شاشتي التلفزيون والسينما، وقدّما أعمالًا فنية مهمة نالا عن أدائها جوائز في مناسبات فنية مختلفة ليُتوجا بجائز أفضل ممثل دور أول وثان، بعد أن تنوعت أدوارهما.
جوكر الدراما المصرية
ومن عجائب القدر أن الفنان المصري "بيومي فؤاد" الذي كان يريد فقط فرصة إثبات نفسه وقدراته التمثيلية، حققت له الأيام أكثر مما كان يريد، حتى أصبح الجمهور لا يستطيع حصر أعماله التي قدمها، واقتربت في مجملها من الرقم 300، وبات واحدًا من أشهر الذين تحققت نجوميتهم في سن كبيرة، فالنجم الكوميدي الذي بدأ حياته موظفًا في وزارة الثقافة المصرية، وتخرّج في الدفعة الأولى لمركز الإبداع الفني قسم إخراج، قدّم أدوارًا صغيرة في السينما وتميز فيها، ليثبت موهبته خاصة في مجال الكوميديا صاحبة الفضل في شهرته، خصوصًا عندما قدّم شخصية "الدكتور ربيع" في مسلسل "الكبير أوي" خلال ستة أجزاء، وحاليًا يتم تصوير الجزء السابع ليُعرض في الموسم الرمضاني المقبل.
على الرغم من شهرة بيومي الكبيرة في مجال الكوميديا ما جعله سلاح المخرجين والمؤلفين لإضفاء روح البهجة على أي عمل فني، إلا إنه أثبت موهبته الفنية وقدرته على تجسيد جميع الأدوار الجادة وليست الكوميدية فقط، ليحصل على لقب "جوكر الدراما المصرية" ويصبح من أكثر الممثلين طلبًا في السينما المصرية، كما يعتبر "الحصان الأسود" في الأدوار الرئيسية بالأعمال أو البطولة الجماعية.
وعرف بيومي فؤاد الطريق أخيرًا إلى البطولة المطلقة من خلال فيلم "اتنين للإيجار" الذي يعرض اليوم بدور السينما المصرية ويشاركه البطولة الكوميديان المصري محمد ثروت.
الكبيرة فحت
بدأت الفنانة المصرية سما إبراهيم حياتها مصممة ديكور في دار الأوبرا المصرية، ثم درست التمثيل والإخراج، ثم النقد الفني بأكاديمية الفنون وهي ممثلة مسرحية في الأساس، لكنها استطاعت أن تحقق النجومية في السنوات الأخيرة، ونستطيع القول إن كل شبكة تلقيها تأتي بصيد مختلف، إذ لفتت الأنظار من خلال شخصية "أم بسنت" المرأة سيئة السمعة في مسلسل "ملوك الجدعنة"، وأيضًا دورها الكوميدي "الكبيرة فحت" في مسلسل "الكبير أوي 6" وتشارك في الجزء السابع من السلسلة الكوميدية المستمرة، كما تألقت في دور "زينب" في مسلسل "موضوع عائلي".
وترى سما إبراهيم أن القبول من عند الله، وأن كل شيء يأتي في وقته، إذ قدمت العديد من الأدوار المهمة التي تعتز بها دون أن تلتفت إلى مساحة الدور سواء كبيرًا أو صغيرًا، موضحة في تصريحات لموقع "القاهرة الإخبارية" أن تجربة المسرح مهمة جدًا بالنسبة لها وأثرت في تكوينها الفني، مشيرة إلى أنها تحلم دائمًا بالعطاء، وتجتهد منذ عرفت الطريق للمرة الأولى في عالم الفن، كما تبحث عن تفاصيل الشخصيات الجديدة وتبذل فيها مجهودًا كبيرًا حتى تلقى إعجاب الجمهور، لافتة أن نجاحها في الأدوار الكوميدية على الشاشة الصغيرة ليس جديدًا، إذ سبق أن قدمتها كثيرًا على خشبة المسرح، وأن سعادتها تكمن في رسم البسمة على شفاه الجمهور.
تضيف سما إبراهيم، أن الأدوار الكوميدية التي تحبها "الكبيرة فحت" في مسلسل "الكبير أوي" إذ رسمت تفاصيل الشخصية في ذهنها مع المخرج أحمد الجندي لتصبح متناسقة مع شخصيات السلسلة الكوميدية، كما أعربت عن سعادتها بردود فعل الجمهور تجاه شخصية "زينب" في مسلسل "موضوع عائلي"، وإشادة الكثيرين بالكيمياء الفنية بينها وبين "رمضان" زوجها الذي جسّد دوره الفنان محمد رضوان، وهكذا النجم ماجد الكدواني الذي يجسد دور شقيقها، وكذلك ابنها الذي يجسد دوره الفنان الشاب طه دسوقي، مؤكدة أن الجميع اجتهدوا في العمل لإضفاء البهجة على الجمهور.
رمضان.. وش السعد
الفنان المصري محمد رضوان من أحدث الوجوه الفنية التي عرفت الشهرة أخيرًا في مرحلة متقدمة من العمر، لكنه نجح أن يصبح حديث مواقع التواصل الاجتماعي بعدما نجح في تجسيد شخصية "رمضان" بمسلسل "موضوع عائلي"، ليحصد ثمار سنوات من الاجتهاد بدأها منذ الثمانينيات.
يقول "رضوان" لموقع "القاهرة الإخبارية" إن دور "رمضان" وش السعد عليه، وحقق له نجومية ضخمة في سن كبيرة، ومحطة فنية جديدة لها تأثير مهم في مشواره الفني، وأنه قبل المسلسل كان مجرد ممثل يعرفه الجمهور، مشيرًا إلى أنه سبق أن قدّم أعمالًا كثيرة بين المسرح والتلفزيون لمجرد التواجد وإثبات موهبته الفنية، ومنها أعمال ناجحة مثل شخصية "حلقوم" في مسلسل "يوميات ونيس".
يؤكد رضوان أنه مؤمن بأن كل شيء يأتي في وقته، ولم يكن يتعجل أي خطوة وترك عين الجمهور حتى رآه بعين مختلفة، متمسكًا بالنجاح الذي حققه وساعيًا للحفاظ عليه بالتأني في اختيار أعماله المقبلة.
ويضيف "رضوان" أن شخصية "رمضان حريقة" لم تعتمد على الكوميديا فقط بل أثبتت موهبته وقدرته على تقديم الأدوار الجادة، وهو ما ظهر بوضوح خلال مشهد معرفته بمرض شقيق زوجته ماجد الكدواني وتأثره وتعلقه الشديد به، مؤكدًا أنه ممثل شامل وهذا ما يسعده ولا يدّخر جهدًا ويترك الحكم للجمهور في النهاية.
مورجان فريمان العرب
تأخرت نجومية الفنان المصري سيد رجب، إذ عمل لمدة 20 عامًا في مجال الهندسة، كما عمل لسنوات طويلة في المسرح التجريبي، قبل أن يذهب إلى العديد من المحطات الفنية المهمة التي أثبتت نجوميته في سن كبيرة، وأطلق عليه البعض اسم "مورجان فريمان العرب"، وكان من أكثر المحطات المؤثرة في مشواره الفني دوره في الفيلم المصري "إبراهيم الأبيض" عام 2009 ثم تألق بشكل أوسع ليقدم أعمالًا مهمة وأدوار متنوعة في مشواره الفني.
أثبت سيد رجب قوته الفنية وامتلاكه الصنعة، حتى حقق البطولة المطلقة في 3 أجزاء من مسلسل "أبو العروسة" والذي ارتبط به المشاهد وجدانيًا، إذ جسّد فيه شخصية الأب "عبد الحميد" ليقدمه بتميز شديد ومختلف عن أدواره السابقة.
حكايات بنت البقال
تخصصت الفنانة المصرية عارفة عبد الرسول بشكل كبير في مجال الحكي على خشبة المسرح ثم عملت في إذاعة الإسكندرية في الثمانينيات قبل أن تلتحق بفرقة الورشة المسرحية وقدمت أشهر عروضها الحكاءة وهي "حكايات بنت البقال" وحققت لها شهرة في الأوساط الفنية حتى شاركت في العديد من الأعمال التلفزيونية بعدما ذهبت للعيش في القاهرة في الخمسينيات من عمرها، حتى عرفها الجمهور تدريجيا وحققت شهرة واسعة في الأدوار الكوميدية بتلقائيتها المعهودة ودور الأم وكثير من الشخصيات الأخرى التي جعلت الجمهور يراها كممثلة محترفة.
شهرة عريضة للفنان
وتعليقًا على تلك السنوات الطويلة التي يقضيها الفنان على خشبة المسرح حتى تختمر تجربته الفنية ويصبح نجمًا بالسينما والتلفزيون، قال الناقد المصري طارق الشناوي: "من المتعارف عليه أن التلفزيون يُحقق شهرة أكثر قطعًا من السينما والمسرح، وأتذكر أحد المواقف في إحدى الدورات الماضية لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، حيث كنت أسير مع الفنانين محمود حميدة وأحمد عبد العزيز منذ عشر سنوات واستقل وسيلة مواصلات لمشاهدة أحد العروض السينمائية، ولاحظت أن الناس تعرف أحمد عبد العزيز أكثر، لأنه في ذلك الوقت لم يكن حميدة قد اتجه للدراما التلفزيونية، رغم أنه كان نجمًا سينمائيًا وبالتالي التلفزيون يُحقق جماهيرية ضخمة للفنانين الذين يعملون فيه".
وأضاف، والرغم من ذلك إلا أن السينما تعيش أكثر، فالفيلم السينمائي حياته أكبر وتداوله أسرع، فعلى سبيل المثال الفيلم المصري "شباب امرأة" الذي عرض عام ١٩٥٤ ونشاهده حتى الآن ونذكره، أما مسلسلات الستينيات فلم يتذكرها أحد، وبالتالي السينما تعطي حياة أكبر ولكن الانتشار قطعًا للتلفزيون.
وتابع الشناوي قائلًا: "العديد من النجوم تم اكتشافهم من خلال المسرح الذي يزخر بالعديد من الموهوبين، الذين يتم اختيارهم من خلاله، ثم ينطلقوا لعالم الشهرة والانتشار من خلال التلفزيون لأنه موجود في كل بيت، ولا يذهب له أحد خصيصًا"، موضحًا أنه لم يشاهد مسلسل "موضوع عائلي" لكنه تابع مشاهد للفنان محمد رضوان ووجد أنه خفيف الظل وممثل موهوب ولديه حضور، خاصة أنه شاهده في فيلم "نبيل الجميل أخصائي التجميل" بطولة محمد هنيدي، ووجد أن لديه طريقه خاصة في الأداء، ومازال أمامه طريق أكبر في الشهرة.