يتسبب البحث عن الذهب في أضرار جسيمة وطويلة الأمد في غابات الأمازون التي يصفها نشطاء البيئة بأنها رئة الأرض، حيث يخلق التعدين ظروف قاسية يستحيل معها إعادة إحياء الأرض مرة أخرى.
كشف ذلك دراسة حديثة، أجراها فريق من علماء من مراكز مناخية وباحثين بجامعات كولومبيا وأريزونا وسان أنطونيو، ونشرت في مجلة Environment، حيث أمضوا سنوات في دراسة آثار التعدين على النظم البيئية.
ظروف قاسية
ويقوم المنقبون عن الذهب باستخدام طريقة التعدين بالشفط، حيث يقوم عمال المناجم الصغار أو العائلات بتفجير مدافع المياه في التربة، والتي تبين أنها تتسبب في إعادة تشكيل المناظر الطبيعية بشكل كبير لدرجة أنها تقوم بتجريد الرطوبة من الأرض وحبس الحرارة، مما يخلق ظروفا قاسية لا تستطيع الأشجار الصغيرة البقاء فيها.
وخلال الدراسة، قام الباحثون بدراسة موقعين مهجورين للتعدين في منطقة الأمازون في مادري دي ديوس، بالقرب من الحدود بين البرازيل وبوليفيا، حيث قاموا بتتبع التعدين باستخدام طائرات بدون طيار وتصوير باطن الأرض وأجهزة استشعار التربة.
الغابة البكر
واكتشف العلماء أنه بخلاف التعدين الحفري، الذي يبقي أجزاء من التربة السطحية سليمة، يجرد التعدين بالشفط الأرض من محتواها بالكامل، وهو الأمر الذي لا يزيل العناصر الغذائية الحيوية فحسب، بل يغير سلوك الماء في التربة.
ومن أجل التحقق من ذلك استخدم فريق الباحثين ما يسمى التصوير بالمقاومة الكهربائية، وهي تقنية تقيس كيفية انتقال الرطوبة تحت الأرض، وتبين لهم أن الماء يتسرب عبر أكوام الرمل أسرع بمئة مرة من تربة الغابة البكر.
بيئات مختلفة
وقام العلماء بوضع أجهزة استشعار في بيئات مختلفة كمناطق الرمل والطين وحواف البرك والغابات الطبيعية، وذلك من أجل فهم الظروف الطبيعية بشكل أفضل في المناطق التي أزيلت منها الغابات.
وحصل العلماء على نتائج تبين منها أن مناطق الأمازون المتضررة من التعدين بالشفط أكثر حرارة وجفافًا، حيث وصلت درجات حرارة الأرض على أكوام الرمال المكشوفة إلى 60 درجة مئوية، وهي أعلى بكثير من درجات الحرارة في مناطق الغابات الكثيفة.
عملية التجدد
وفسر العلماء ذلك، بأن الأمر بمثابة محاولة زراعة شجرة في فرن، حيث أظهر التصوير الحراري من الطائرات الدرون كيف تمتص المناطق القاحلة الحرارة وتشعها، بينما تبقى الغابات المجاورة والبرك أكثر برودة، بمعنى أنه بدون رطوبة أو ظل تصبح فرص بقاء الأشجار الصغيرة ضئيلة جدًا.
وأكد العلماء، بحسب موقع earth، أنه عندما لا تجد الجذور الماء وتكون درجات حرارة السطح مرتفعة للغاية، الشتلات التي تُعاد زراعتها تموت ببساطة، مشيرين إلى أن ذلك أحد أسباب بطء عملية التجدد بشكل كبير.
أمر صعب
وعلى الرغم من بعض النمو الجديد بالقرب من البرك وفي المناطق المنخفضة، وجد الفريق أن مساحات كبيرة من الأرض لا تزال قاحلة، وتقع هذه البقع بعيدة عن منسوب المياه الجوفية وتفقد رطوبتها بسرعة، مما يجعل إعادة تشجيرها أمرًا صعبا للغاية.
في الفترة من 1980 إلى 2017، أدت عمليات تعدين الذهب على نطاق صغير إلى تدمير أكثر من 95 ألف هكتار من الغابات المطيرة في "مادري دي ديوس"، وهي منطقة أكبر من مساحة سان فرانسيسكو بأكثر من سبعة أضعاف.
مخاطر جسيمة
وحذر العلماء أنه حتى اليوم، تتوسع عمليات التعدين حول محمية تامبوباتا الوطنية، مما يُشكل مخاطر جسيمة على التنوع البيولوجي والمجتمعات الأصلية المجاورة، وفي حوض الأمازون الأوسع، يُسهم تعدين الذهب الآن بنحو عشرة بالمائة من إزالة الغابات.
ومن أجل تحسين جهود التعافي اقترح العلماء تجاوز فكرة زراعة الأشجار، والعمل على إعادة تشكيل الأرض نفسها، وذلك من خلال تسطيح أكوام الرمال وردم البرك لتقريب الجذور الجديدة من مصادر المياه الجوفية، وهو ما يمكن أن يساعد في الحفاظ على الرطوبة وتحسين معدلات بقاء النباتات الجديدة.
وشدد العلماء على أنه على كوكب الأرض يوجد غابة أمازون مطيرة واحدة فقط، والتي وصفوها بأنها نظام حيّ لا يشبه أي شيء آخر على وجه الأرض، محذرين من أنه إذا فقدناها فسنفقد شيئًا لا يُعوّض، وسنجد ملايين الأفدنة الضائعة بسبب الذهب والجفاف.