تأتي زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى ألمانيا في 28 مايو 2025، التي تعد الأولى له منذ تولي المستشار الألماني فريدريش ميرز مقاليد السلطة في ألمانيا في 6 مايو 2025، لتعكس الرغبة الأوكرانية في الحفاظ على زخم الدعم الأوروبي لأوكرانيا باعتبارها تدافع عن الأمن الأوروبي الذي تعرّض للانكشاف منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، فضلًا عن الرغبة في تعزيز الموقف التفاوضي لكييف في المفاوضات مع روسيا، في ظل سعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنجاز صفقة أمريكية روسية تسهم في تسوية الصراع الروسي الأوكراني، ووقف إطلاق النار، وهو الأمر الذي يرجّح رغبة زيلينسكي في أن تظل ألمانيا طرفًا فاعلًا في توفير الضمانات الأوروبية لتلك التسوية المحتملة.
دلالات متنوعة
عكست زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى ألمانيا العديد من الدلالات التي يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:
(*) تعزيز الموقف التفاوضي لأوكرانيا: إذا كانت المفاوضات التي تخص الموقف من الحرب الروسية الأوكرانية قد بدأت بمفاوضات مباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، ثم مفاوضات أمريكية أوكرانية بغياب أوروبي، فإن بعض الدول الأوروبية اعتبرته نوعًا من الضغط على أوكرانيا للقبول بخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتحقيق السلام في أوكرانيا، وهي الخطة التي اعتبرها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي غير موجودة، بل ذهب إلى أن الرئيس الامريكي ترامب لا يمتلك خطة لتحقيق السلام في أوكرانيا.
وتماشيًا مع ذلك التوجه تأتي جولات زيلينسكي إلى العواصم الأوروبية المؤثرة، ومنها برلين لمساندة الموقف الأوكراني، وهو ما جاء خلال المؤتمر الصحفي المشترك بين المستشار الألماني والرئيس الأوكراني، حيث وعد "ميرز" أوكرانيا بمواصلة الدعم إذا كان ذلك ضروريًا، محذرًا موسكو من أن رفضها المشاركة في المزيد من محادثات السلام سيكون له عواقب حقيقية. كما دعا "ميرز" إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى وقف إطلاق النار في الحرب بأوكرانيا قائلًا: "لا أحد يريد السلام أكثر من أوكرانيا نفسها، وأوكرانيا مستعدة للمحادثات الفنية بغض النظر عن الموقع، والأوروبيون سيدعّمون ذلك". من جانبه دعا زيلينسكي إلى إجراء محادثات تهدف إلى التوصل لتسوية بشأن الحرب بمشاركة الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين.
(*) الحصول على الدعم الاقتصادي والعسكري: تعد ألمانيا ثاني أكبر داعم لأوكرانيا بعد الولايات المتحدة الأمريكية منذ اندلاع الحرب من حيث تقديم الدعم المالي والعسكري، لذلك جاء لقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعدد من ممثلي الشركات الألمانية خلال الزيارة، حيث يسعى إلى جذب المزيد من الاستثمارات الألمانية في قطاعي الدفاع وإعادة الإعمار، وذلك من خلال تدشين شراكة استراتيجية تتجاوز الدعم العسكري، لتعزز من الدور الألماني في إعادة بناء أوكرانيا ما بعد الحرب، وهي الخبرة التي تمتلكها ألمانيا في إعادة بناء المناطق بعد انتهاء الصراعات.
من ناحية أخرى يسعى الرئيس الأوكراني للحصول على دعم عسكري ألماني يتمثل في أسلحة بعيدة المدى، تمكنه من استهداف العمق الروسي، لذلك جاءت تحذيرات الكرملين من أن أي قرار بإنها القيود المفروضة على مدى الصواريخ التي يمكن لأوكرانيا استخدامها سيكون بمثابة تغيير خطير للغاية من شأنه أن يضر بالجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق سياسي، وبرغم ذلك أكد "ميرز" أن قرار رفع القيود المفروضة على النطاق اتُخذ من قبل الحلفاء الغربيين قبل أشهر. وأشار إلى "أننا سنواصل دعمنا العسكري وسنعمل على توسيعه"، موضحًا أن البلدين سيوقعان خطاب نوايا لشراء أنظمة أسلحة بعيدة المدى.
(*) تسويق الرؤية الأوكرانية للتسوية: يسعى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من خلال جولاته الأوروبية ومنها ألمانيا لتسويق الرؤية الأوكرانية للموافقة على تسوية الحرب الروسية الأوكرانية، التي تقوم على ضرورة جلاء القوات الروسية عن المناطق التي سيطرت عليها موسكو منذ اندلاع الحرب والحفاظ على وحدة وسيادة أوكرانيا، فضلًا عن المطالبة بانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
في مقابل تلك الرؤية يطرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شروط روسيا لوقف الحرب، ومنها الاعتراف بالسيادة الروسية على الأقاليم الأربعة، ورفض انضمام أوكرانيا لحلف الناتو.
(*) توحيد الموقف الأوروبي لدعم أوكرانيا: تنوعت أهداف زيلينسكي لزيارة ألمانيا ومنها سعيه إلى توحيد الموقف الأوروبي الداعم لأوكرانيا في ظل الانقسام الأوروبي حول إرسال قوات حفظ سلام لأوكرانيا لمراقبة تنفيذ أي مقترح لتسوية الحرب الروسية الأوكرانية، وهو الانقسام الذي يثير حفيظة الأوكرانيين أنفسهم، في ظل إدراك أوكراني بأن كييف تدافع عن أمن أوروبا كاملة، الأمر الذي أشارت إليه رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين خلال مشاركتها في مؤتمر باريس في 27 مارس 2025، بأن الوفود تعمل على تعزيز أمن أوكرانيا وأمن أوروبا بأسرها، وأن تعزيز قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها هو نقطة البداية على طريق دعم الأمن الأوروبي، مؤكدةً أن القارة في حاجة لخطة مشتركة طويلة المدى.
تحديات ماثلة
برغم تنوع أهداف زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى ألمانيا، ومع تبني المستشار الألماني فريدريش ميرز نهجًا أكثر صرامة إزاء الحرب الروسية الأوكرانية من خلال تأكيده بأن التزام ألمانيا بدعم أوكرانيا في مواجهة روسيا لن يتغير، إلا أن الموقف الألماني من الحرب الروسية الأوكرانية يواجه العديد من التحديات..
أولها ما يرتبط بالداخل الألماني وفي مقدمتها التيارات اليمينية الرافضة لاستعداء روسيا، لا سيما أن تلك التيارات تتبنى التقارب مع روسيا في ظل رؤيتها بعدم جدوى الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يتطلب البُعد عن أي مواجهات مباشرة مع موسكو.
ثانيها التحديات الاقتصادية التي تواجه ألمانيا وتجعل من دعمها الاقتصادي والعسكري لأوكرانيا خاضعًا لحسابات التكلفة والعائد.
أما التحدى الثالث وربما الأهم، فإنه يرتبط بانقسام الموقف الأوروبي من الحرب، وسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحسم تسوية الحرب من دون مشاركة أوروبية فعالة.
إجمالًا؛ تنوعت أهداف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من زيارة ألمانيا، التي تعد الأولى له منذ تولي المستشار الألماني مقاليد السلطة، ما بين الرغبة في تعزيز الدعم الاقتصادى والعسكري الألماني لأوكرانيا، ومساندة الموقف التفاوضي لأوكرانيا، وتوحيد الموقف الأوروبي باعتبار أن أوكرانيا تدافع عن الأمن الأوروبي الذي عكست هشاشته الحرب الروسية الأوكرانية.