تولت النيابة الفرنسية لمكافحة الإرهاب، التحقيق في جريمة قتل مرتبطة بأيديولوجية اليمين المتطرف، بعد مقتل تونسي يبلغ من العمر 45 عامًا برصاص فرنسي في الثالثة والخمسين من عمره.
ووقعت الجريمة في بلدة بوجيه-سور-أرجانس بمنطقة فار جنوب شرق فرنسا، وهي منطقة ساحلية تقع على البحر المتوسط وتشتهر بوجود معقل لليمين المتطرف الفرنسي.
تفاصيل الجريمة
اتصلت امرأة بقوات الأمن لتبلغ عن قيام شريكها بإطلاق النار على رجل من الحي، وفقًا لما أوردته صحيفة "لوموند" الفرنسية، وعند وصول قوات الشرطة الفرنسية إلى مكان الحادث، وجدوا الضحية التونسي قتيلًا، بينما أُصيب رجل تركي في يده.
تم اعتقال المشتبه به، الذي يدعى "كريستوف"، ويبلغ من العمر 53 عامًا، بعد ساعات قليلة من الحادث على يد وحدة التدخل الخاصة الفرنسية المعروفة باسم "جي آي جي إن"، حيث عُثر في سيارته على ترسانة من الأسلحة تضمنت مسدسات آلية وبنادق صيد وأسلحة يدوية، حسبما أكد مدعي عام دراجينيان، وهي مدينة إدارية في منطقة فار، قبل أن يتنازل عن القضية لصالح النيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب في باريس.
الاتهامات الإرهابية
فتحت النيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب تحقيقًا أوليًا بتهم "القتل ومحاولة القتل في إطار مشروع إرهابي، مرتكب بسبب العرق أو الدين"، بالإضافة إلى "تشكيل جمعية إجرامية إرهابية".
وتشير الصحيفة الفرنسية إلى أن هذه تُعد المرة الأولى في تاريخ هذه النيابة المختصة التي تأسست عام 2019 للتعامل مع الجرائم الإرهابية في فرنسا، التي تتولى فيها التحقيق في جريمة قتل مرتبطة بأفكار اليمين المتطرف.
في النظام القانوني الفرنسي، يُعتبر العمل إرهابيًا، عندما يهدف إلى "زعزعة النظام العام بشدة من خلال التخويف أو الإرهاب"، وليس مجرد كونه عنصريًا أو مدفوعًا بالكراهية.
ومنذ بروز التهديد الإرهابي لليمين المتطرف الذي لاحظته أجهزة الاستخبارات الفرنسية عام 2017، فتحت العدالة عشرين تحقيقًا إرهابيًا مرتبطًا بهذه الأيديولوجية، معظمها مشاريع هجمات تم إحباطها قبل التنفيذ.
تاريخ من التطرف
كشف تتبُّع الملف الشخصي العام لـ"كريستوف" على موقع فيسبوك عن تاريخ طويل من التطرف والتحريض العنصري ضد المسلمين والمهاجرين، ففي مارس 2020، وفقًا لما رصدته "لوموند".
وأظهرت منشوراته دعمه الواضح لحزب التجمع الوطني الفرنسي، وهو أكبر أحزاب اليمين المتطرف في فرنسا بزعامة مارين لوبان، إذ أعاد نشر منشورات لشخصيات بارزة في الحزب.
كما شارك في يناير 2020 مقالًا حول خروج 450 سجينًا متهمًا بالتطرف من السجون الفرنسية، معلقًا عليه بتهديد مبطن: "حسنًا من الأفضل تشحيم البنادق جيدًا".
الأهم من ذلك، اكتشف المحققون عدة مقاطع فيديو "ذات محتوى عنصري وتحريضي" نشرها المشتبه به على حسابه في فيسبوك قبل وقت قصير من ارتكاب الجريمة. وبحسب مصدر مطلع على التحقيق نقلته "لوموند"، دعا "كريستوف" في هذه المقاطع الفرنسيين للثورة ومهاجمة الأجانب، وخاصة المغاربة والعرب.
لماذا اعتُبرت إرهابية؟
وبالنظر إلى جريمة مماثلة وقعت قبل خمسة أسابيع في منطقة أخرى، حيث قُتل أبو بكر سيسيه، الشاب المالي المسلم، طعنًا حتى الموت داخل مسجد في لا جراند-كومب بمنطقة جار جنوب فرنسا، لكن القضية لم تُحال للنيابة الإرهابية.
الفرق بين القضيتين، وفقًا لمصادر قضائية نقلتها "لوموند"، يكمن في أن "النطاق الذي أعطاه المتهم لفعلته من خلال مقاطع الفيديو التحريضية يتجاوز العمل الفردي، فهناك رغبة واضحة في زعزعة النظام العام بشدة من خلال الإرهاب ودعوة الآخرين للعنف"، بينما في جريمة لا جراند-كومب، لم يُظهر المتهم، الذي يدعى "أوليفييه" نفس البُعد التحريضي، كما أن التحقيقات الأولية أشارت إلى احتمال وجود اضطرابات نفسية لديه.
ردود الفعل الرسمي
انتقد وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو، الذي واجه انتقادات لبطء رد فعله بعد جريمة لا جراند-كومب، هذه الجريمة "العنصرية" و"المدبرة مسبقًا" خلال زيارته لرئيس الوزراء فرانسوا بايرو يوم الاثنين.
وأكد أن العنصرية "سم قاتل" وأن "كل عمل عنصري هو عمل مناهض لفرنسا"، في محاولة لتهدئة الجدل حول تعامل الحكومة مع الجرائم العنصرية.
تُظهر هذه الجريمة تطورًا خطيرًا في ظاهرة التطرف اليميني في فرنسا، حيث تحوّل بعض الأفراد من مجرد نشر خطاب الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى تنفيذ أعمال عنف فعلية ضد الأقليات المسلمة والمهاجرين، مما يطرح تساؤلات حول فعالية أجهزة الرقابة والمتابعة لهذا النوع من التهديدات الأمنية في البلاد.