الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

بلاتين السويسرية.. قرية محاها الجليد وخلف ذكريات مفزعة في نفوس سكانها

  • مشاركة :
post-title
بلاتين قرية محاها الجليد من الوجود

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

بفعل ما صنعه البشر في كوكبهم من مساوئ بيئية، أدى الاحتباس الحراري إلى تفكك الجبال؛ ليطوي جبل واحد قرونًا من الحياة في ثوانٍ معدودة. وفي لحظة واحدة، لم تعد قرية "بلاتين" السويسرية مرئية على الخريطة، ولا في عيون سكانها الذين كانت عملية إجلائهم تجري في سباق مع الزمن.

بلاتين تحت الأنقاض

في واحدة من أكثر الكوارث الطبيعية درامية في جبال الألب خلال السنوات الأخيرة، مُسحت قرية بلاتين السويسرية من الوجود بعد أن انهارت أجزاء من جبل "نيستورن"، لتسقط فوق نهر "بيرش" الجليدي، ما شكّل ضغطًا هائلًا أدى إلى انهيار صخري وجليدي مدمّر.

السلطات السويسرية كانت قد أخلت البلدة الواقعة في وادي "لونزا"، التي كانت تأوي نحو 300 شخص، بمن فيهم سكانها ومواشيهم، كإجراء احترازي بعد رصد نشاط جيولوجي غير معتاد، كان أمل السكان حينها أن تتلاشى الصخور غير المستقرة تدريجيًا دون تأثيرات أكبر، لكن انهار هذا الأمل كما انهار الجبل.

من قرية "كيبل" المجاورة، وعلى بُعد أكثر من 4 كيلومترات من بلاتين، وحسب "بي بي سي"، شاهدت باربرا وأوتو جاري، وهما شخصان يعيشان في قرية مجاورة لـ"بلاتين"، بداية النهاية، إذ سمعا أصواتًا غريبة أعقبها انقطاع في التيار الكهربائي.

تلك الأصوات كانت إشارة البداية لانهيار جبل عملاق غطى الوادي بأكمله بطبقات كثيفة من الغبار، وأحال قرية بلاتين إلى أنقاض، فكنيسة القرية، وفندق "إيديلويس" الشهير، والمنازل التاريخية كلها دُمّرت بالكامل.

ذوبان الجليد

الخبير السويسري ماتياس هوس، المتخصص في الأنهار الجليدية من المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا في زيورخ، وصف المشهد قائلًا: "لقد صُعقت من هول الصدمة، كان ذلك أسوأ سيناريو يمكن أن يحدث".

وبحسب "هوس"، فإن ما حدث في بلاتين ليس حالة منفردة، بل جزء من سلسلة كوارث متكررة في السنوات الأخيرة مرتبطة مباشرة بتغير المناخ، موضحًا: "ذوبان التربة الصقيعية، التي تعمل كغراء يربط الجبال ببعضها، يتسبب في انهيارات جبال كاملة، ومع تقلّص الأنهار الجليدية، تنكشف جوانب غير مستقرة كانت مغطاة بالجليد لقرون".

واختتم ماتياس هوس حديثه بعبارة تلخّص حجم الحدث: "ما حدث سيكون حاسمًا في وعي سويسرا، وفي كيفية رؤيتنا للجبال من الآن فصاعدًا".

تغيير جذري

واعتاد السويسريون على التعامل مع مخاطر طبيعية موسمية، وتملك البلاد خرائط دقيقة لمناطق الخطر، لكن تغير المناخ غيّر قواعد اللعبة، فخلال العقدين الماضيين، أصبحت وتيرة ذوبان الأنهار الجليدية والتربة الصقيعية أسرع من أي وقت مضى.

وانخفضت الكتلة الجليدية في جبال الألب إلى أقل من نصف حجمها قبل 100 عام، وبعض الأنهار الجليدية اختفت تمامًا، ما دفع المجتمعات الجبلية إلى إقامة "جنازات رمزية" لها.

وحسب "بي بي سي"، حذّر علماء الجليد من أنه إذا لم يُحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض في حدود 1.5 درجة مئوية كما نصّ عليه "اتفاق باريس"، فإن غالبية الأنهار الجليدية في سويسرا قد تختفي كليًا بحلول نهاية هذا القرن.

لطالما اعتُبر ذوبان الأنهار الجليدية تهديدًا لموارد المياه العذبة في أوروبا، حيث تعمل هذه الأنهار كخزانات طبيعية تُخزّن الثلوج وتطلقها تدريجيًا خلال الصيف، لكن ما كشفته كارثة بلاتين، هو أن الخطر تجاوز حدود المياه، ليصل إلى تهديد مباشر لحياة البشر ومجتمعاتهم.

ورغم أن السلطات السويسرية كانت قد بدأت عمليات إجلاء السكان مبكرًا، إلا أنها اعتبرتها إجراءات احترازية فقط، إذ لم يكن أحد يتوقّع أن تنهار الجبال بهذا العنف، ومع أن شخصًا واحدًا فقط، وهو رجل يبلغ من العمر 64 عامًا، اعتُبر في عداد المفقودين، إلا أن الإجلاء المبكر أنقذ أرواح مئات الأشخاص.

وفقد السكان كل شيء، المنازل، والذكريات، والممتلكات، وبالكاد نجا منزل واحد من الانهيار، وكل شيء آخر غرق تحت أطنان من الصخور والطين.

ويقول الخبير السويسري ماتياس هوس بقلق بالغ: "أخشى أن تكون بلاتين نذير شؤم لما هو قادم، هذا يطرح أسئلة عميقة حول إمكانية العيش في المناطق الجبلية مستقبلًا".

حزن جماعي

في اليوم التالي للمأساة، تجمع السكان في قرية "ويلر" المجاورة، فقالت إحدى النساء: "جميعنا نعرف بعضنا البعض هنا، ودياننا صغيرة، وهذا يقربنا من بعضنا البعض، هناك تعاطف حقيقي".

مشاعر الخوف والصدمة لم تغب، إذ قالت امرأة أخرى، وفق "بي بي سي": "إنه لأمرٌ مروّع، لقد فقدوا كل شيء، لا شيء يمكننا فعله"، بينما عبّر رجل مسنّ عن الأمل رغم الألم قائلًا: "يمكننا البكاء، لكن لا يمكننا البكاء إلى الأبد، يجب أن نؤمن بالله، وأنه سيساعدنا، حتى تستمر الحياة".