الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

رئيس حذّر منه الآباء المؤسسون.. من يستطيع إيقاف ترامب؟

  • مشاركة :
post-title
دونالد ترامب

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

تتوهج نيران ولاية دونالد ترامب الثانية؛ لتستهدف كل ما يعارض الرئيس أو لا يخضع لنفوذه، فليس من المبالغة القول إن ترامب يخوض حربًا شعواء على كل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني في محاولة غير مسبوقة لإعادة تشكيل معادلة السلطة في البلاد.

وبينما تتسع رقعة المواجهات، وفق "سي إن إن" الأمريكية، يُطرح سؤال جوهري بات يلوح في الأذهان أكثر من أي وقت مضى: هل لا يزال بالإمكان كبح جماح رئاسة تندفع بكل ثقلها لتقويض فصل السُلطات وإعادة تعريف السلطة التنفيذية؟

حملة بلا هوادة

في كل يوم تقريبًا، يفتتح الرئيس الأمريكي جبهة جديدة، فقد صعّد دونالد ترامب من هجومه على جامعة هارفارد بمحاولة منعها من تسجيل الطلاب الأجانب، ووجه سهام سخريته عبر وسائل التواصل الاجتماعي نحو أسماء لامعة في عالم الفن مثل بروس سبرينجستين وتايلور سويفت، ملوّحًا بتهديدات غير مبطّنة ضد شركات عملاقة مثل "وول مارت" و"أبل" ردًا على مواقفها من سياساته الجمركية.

بالنسبة للكثير من المحللين، وفق "سي إن إن"، تبدو هذه الاعتداءات الموزعة عشوائيًا وكأنها تفتقر إلى هدف موحّد، لكنها في الواقع تصب جميعها في خانة مشروع واحد كبير، وهو تفكيك مبدأ فصل السلطات، العمود الفقري للدستور الأمريكي.

ويرى خبراء كثر أن ما يميز نهج ترامب ليس فقط مستوى عدوانيته، بل نوع المحاولة نفسها، فالرؤساء الأمريكيون على مر العقود سعوا لتعظيم نفوذهم بدرجات متفاوتة، إلا أن ترامب، كما يقول بول بيرسون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، "ينخرط في مجموعة واسعة من السلوكيات التي تخرق بوضوح المفاهيم التقليدية لما ينص عليه القانون والدستور".

ويضيف يوفال ليفين، مدير الدراسات الدستورية في معهد "أميركان إنتربرايز" المحافظ، أن ترامب يسعى لتحقيق رؤية أوسع للسلطة الرئاسية، قد تكون الأكثر طموحًا منذ عهد وودرو ويلسون، ومع ذلك، يعتقد ليفين أن هذه المغامرة ستنتهي بضعف مؤسسة الرئاسة وليس بتعزيزها، متوقعًا أن تدفع المحكمة العليا نحو تقييد سلطات الرئيس.

شراسة متعددة الجبهات

من أبرز ما يميز الولاية الثانية لترامب هو تحركه المتزامن ضد كل أدوات التوازن الدستوري، فقد عمد إلى تهميش الكونجرس عبر تفكيك وكالات قانونية، وحجز أموال أقرّها المشرعون، ورفض تنفيذ قوانين لا تروق له، مثل تلك التي تحظر الرشوة للمسؤولين الأجانب.

كما لجأ إلى إصدار أوامر طوارئ لفرض تغييرات سياسية جذرية، لا سيما في ملفي الهجرة والتجارة، متجاوزًا عملية التشريع بالكامل. في المقابل، سعى إلى فرض سيطرته المطلقة على السلطة التنفيذية من خلال عمليات تسريح جماعية وتآكل حماية الموظفين الفيدراليين، فضلًا عن طرد المفتشين العموميين والمفوضين في الوكالات المستقلة.

وفي انتهاك مباشر للفصل بين السلطات، تحدى ترامب أحكام المحاكم الفيدرالية الدنيا، ورفض تنفيذ أوامر بإعادة منح حكومية، أو حتى إطلاق سراح مهاجر رحّلته إدارته ظلمًا، كما في قضية كيلمار أبريجو غارسيا.

الضغط على المجتمع المدني

لم يكتفِ ترامب بتقويض السلطات الفيدرالية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك في محاولته فرض أولويات "الولايات الجمهورية" على "الولايات الزرقاء"، مستهدفًا مسؤولين محليين وقضاة بسبب خلافات سياسية.

وكانت محاولاته للضغط على المجتمع المدني أكثر شراسة، فقد سعى لمعاقبة مكاتب محاماة خدمت الديمقراطيين، وقطع تمويلًا بحثيًا عن الجامعات التي يعارضها، وأمر وزارة العدل بالتحقيق مع "أكت بلو"، المنصة الشعبية لجمع التبرعات للديمقراطيين. بل امتدت تدخلاته لتشمل أفرادًا من ولايته الأولى، ما دفع المحاكم إلى رفض بعض تلك الإجراءات لخرقها الواضح لحقوق أساسية كحرية التعبير والإجراءات القانونية.

وفي هذا السياق، يقول إريك شيكلر، المؤلف المشارك لكتاب "الأمة الحزبية" الصادر عام 2024، إن "قدرة ترامب على ردع المؤسسات الأخرى عن ممارسة حقوقها ومسؤولياتها الأساسية أمر غير مسبوق في التاريخ الأمريكي الحديث".

المفارقة والدستور

المفارقة أن أنصار ترامب لا يرون في هذه السياسات عدوانًا، بل تصحيحًا تاريخيًا. فرأس الحربة في هذه الحملة، راسل فوت، مدير مكتب الإدارة والميزانية، يرى أن تراكم القيود على الرئاسة في العقود الماضية منح البيروقراطية الفيدرالية سلطات لا يقرها الدستور.

وبحسب رواية فوت، فإن "اليمين بحاجة إلى تحرير الرئاسة من قيودها" عن طريق "التخلص من السوابق والنماذج القانونية الخاطئة" التي ترسخت منذ تأسيس الدولة، وهو ما لخّصه ترامب بعبارته الشهيرة خلال ولايته الأولى: "لدي المادة الثانية من الدستور، والتي تمنحني الحق في أن أفعل ما أريد كرئيس".

تحذير من الآباء المؤسسين

في بداية هذا العام، أصدر ترامب إعلانًا بمناسبة مرور 250 عامًا على خطاب "أعطوني الحرية أو الموت" لباتريك هنري، أحد رموز الثورة الأمريكية، لكن الإعلان تجاهل خطابًا لاحقًا ألقاه هنري عام 1788، حين حذّر من أن الدستور الأمريكي لا يملك ضمانات كافية لدرء استبداد رئيس طموح.

قال هنري آنذاك: "إذا كان زعيمكم طموحًا وموهوبًا، فما أسهل أن يُطلق العنان لسلطته! وماذا لديكم لمواجهته؟ ألن ينجم عن ذلك استبدادٌ مطلق؟"

هذه المخاوف أعاد تسليط الضوء عليها الأكاديمي كوري بريتشنايدر في كتابه "الرؤساء والشعب"، مؤكدًا أن المؤسسين رأوا في الرئاسة "بندقية محمّلة"، وأن السلطات الممنوحة للرئيس قد تُستخدم لأغراض خطيرة إذا لم تُكبح.

حتى أولئك الذين دعموا التصديق على الدستور عبّروا عن قلق مماثل، وقد كانت أوراق الفيدراليين التي كتبها جيمس ماديسون وألكسندر هاميلتون مليئة بالحجج التي تؤكد أهمية الفصل بين السلطات لمنع الانزلاق نحو الحكم المطلق.