العمل تجسيد لصرخة نسائية ضد الظلم.. والكيمياء مع بديع أبو شقرا سر النجاح
المسرح اللبناني حي.. والهروب من مرارة الواقع وراء الإقبال عليه
تواصل الفنانة اللبنانية ريتا حايك تأكيد حضورها القوي في المشهد الفني اللبناني والعربي، من خلال أدائها المتقن وتوغلها العميق في الشخصيات التي تقدمها، سواء على شاشة السينما والتلفزيون أو على خشبة المسرح، حيث تجد دومًا مساحة أرحب للتعبير والحرية.
وبعد عشر سنوات من تقديمها الأول لمسرحية "فينوس"، تعود إلى الدور ذاته برؤية أكثر عمقًا، محمّلة بخبرة إنسانية ومهنية شكلت تطورًا نوعيًا في تجربتها المسرحية.
وفي حديثها مع موقع "القاهرة الإخبارية"، تكشف ريتا حايك كواليس عودتها إلى مسرحية "فينوس"، وتتحدث عن التحديات التي واجهتها خلال التحضير للعمل، ومشاركتها الفنية مع الفنان بديع أبو شقرا، كما تتطرق إلى وضع المسرح في لبنان، والدور العلاجي الذي يلعبه في واقع مأزوم.
رحلة من النضج والتجلي
تصف "ريتا" عودتها إلى شخصية "فاندا" بعد عقد من الزمن بأنها تجربة استثنائية من النضج والتجلي، مشيرة إلى أن السنوات العشر الماضية كانت بمثابة تحضير صامت للدور، إذ قالت: "تغيّر الكثير داخلي، خاصة في نظرتي لشخصية فاندا. حين قدمت الدور للمرة الأولى كنت في السابعة والعشرين من عمري، واليوم، بعد عقد من الزمن، أشعر أن هذه السنوات من الحياة والتجربة كانت تدريبًا طويلًا منحني فهمًا أعمق للشخصية، وسمح لي بتجسيدها بصدق نابع من نضج وتناقض وتجارب عشتها شخصيًا".
وأضافت: "هذه العودة لم تكن سهلة، بل كانت تحديًا نفسيًا وجسديًا قاسيًا، المسرحية تمتد لساعة ونصف الساعة نكون خلالها على الخشبة دون انقطاع، ننتقل من شخصية إلى أخرى ومن حالة إلى أخرى، باستخدام الصوت والحركة والجسد بدقة عالية. تتراوح أحداث المسرحية بين عام 1870 والزمن الحالي، ما يتطلب وعيًا مسرحيًا كبيرًا وتركيزًا مضنيًا، إنها تجربة تستنزف الكثير، لكنها تمنح شعورًا عظيمًا بالإنجاز".
"فاندا".. أكثر من شخصية
وترى الفنانة اللبنانية ريتا حايك أن شخصية "فاندا" التي تقدمها في "فينوس" تتجاوز التصنيفات المسرحية التقليدية، وتمثل جوهرًا نسائيًا مركبًا، قائلة: "فاندا ليست امرأة واحدة، بل أكثر من امرأة في امرأة واحدة. لا يمكن حصرها في سطر أو وصف، هي تتحول وتتبدل وتنتقل بين الحالات، وتُجسد طيفًا واسعًا من النساء، هي صرخة ضد القهر، تعبير عن الصراع، جوهر أنثوي متمرد وعميق".
وتابعت: "هي ليست فقط شخصية درامية، بل تمثل ثورة نسائية كاملة، صرخة في وجه السلطة الذكورية، وتعبير جريء عن القهر والصراع والصوت المغيب، إنها جرأة في أعلى مستوياتها وقوة لا تنكسر ورسالة توقظ كل امرأة داخلها وعيها الحقيقي فهي تحكي باسم العالم وهي تقاوم وتعارض وتحب وتثور وتتمرد، وفي وفي كل لحظة من لحظات حضورها توقظ شيئًا في داخلنا وتجعلنا نعيد التفكير ".
تعاون مشترك
وعن شراكتها مع الفنان بديع أبو شقرا، قالت "ريتا" إن العلاقة بينهما كانت عنصرًا حاسمًا في نجاح المسرحية، موضحة: "الكيمياء بيني وبين بديع لا توصف بالكلمات، إنها حقيقية وصادقة، وتستند إلى تفاهم عميق وذكاء مشترك في اللحظة المسرحية. هذه العلاقة منحتنا القدرة على العودة إليه بعد عشر سنوات من تقديم العرض، ويجمعنا تفاهم وانسجام وذكاء مشترك، وهو ما ساعد على التنقل بسلاسة بين الحالات والانفعالات، وهو ما يشعر به الجمهور بعد كل عرض".
وأكدت أن الاستقبال الجماهيري تجاوز كل التوقعات، قائلة: "بعد تقديم أكثر من عشرين عرضًا، كانت ردود الفعل مذهلة. الناس تفاعلوا وضحكوا وتأثروا وصمتوا معنا. عاشوا التجربة بكل تفاصيلها، وهذا بالنسبة لي أجمل مكافأة قد يحصل عليها ممثل".
تجربة لا تُنسى
وترى "ريتا" أن "فينوس" ليست مجرد مسرحية تقدم رسالة وتنتهي، بل تثير تساؤلات متواصلة وتدفع إلى مراجعة الذات، موضحة: "فينوس تتركك مشتعلًا بالأسئلة، توقظ في داخلك تساؤلات لا تنتهي، تعريك من يقينك، تجعلك تعيد التفكير في قناعاتك، مواقفك، ونظرتك إلى نفسك وللآخر، إنها ليست تجربة تشاهدها فحسب، بل تدخلها وتخرج منها شخصًا مختلفًا".
المسرح اللبناني
أما عن المشهد المسرحي في لبنان، فأكدت ريتا حايك أنه يشهد حركة نشطة رغم الظروف الصعبة، إذ قالت: "المسرح في لبنان حي، والمسارح محجوزة والعروض في تزايد. الناس يقبلون على المسرح لأنهم بحاجة للهروب من واقع صعب عشناه ولا نزال نعيشه بدرجات مختلفة".
وتختم حديثها برسالة مؤثرة عن قيمة الفن المسرحي، قائلة: "الهروب إلى المسرح هو فعل حياة، هو مقاومة بالجمال والفكر، وليس كالهروب إلى شاشة أو هاتف. هو هروب يوقظك".