الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

معضلة الأمن.. ما هي رسائل قمة المجموعة السياسية الأوروبية السادسة؟

  • مشاركة :
post-title
قمة المجموعة السياسية الأوروبية السادسة

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

جاء انعقاد قمة المجموعة السياسية الأوروبية السادسة في 16 مايو 2025 تحت شعار من "أجل أوروبا جديدة في عالم جديد: الوحدة والتعاون والعمل المشترك"، وذلك بالعاصمة الألبانية تيرانا، وبمشاركة ممثلي أعضاء المجموعة الـ 47 باستثناء روسيا وبيلاروسيا، في ظل وجود العديد من التحديات التي ذكرها رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا في رسالة الدعوة التي وجهها إلى القادة الأوروبيين للمشاركة في فعاليات القمة كان أبرزها الحرب الروسية على أوكرانيا، والمشكلات الاقتصادية التي تقوض النماذج الاقتصادية الراسخة، والهجرة غير النظامية التي تشكل أداة ضغط على المجتمعات الأوروبية.

ومع تزايد التحديات الاستثنائية التي تواجه الدول الأوروبية، أطلق الاتحاد الأوروبي المجموعة السياسية كمنصة للحوار، والتي عقدت خمس قمم سابقة بواقع قمتين كل عام منذ عام 2022 بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث تسعى المجموعة إلى تحقيق العديد من الأهداف منها تعزيز الحوار السياسي والتنسيق والتعاون بين الدول الأوروبية كافة، وتعزيز الأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي. لذلك جاء برنامج قمة تيرانا مايو 2025، ليتضمن الرؤية الأوروبية المشتركة، لإرساء الأمن داخل القارة الأوروبية، وكذلك مقومات وركائز الأمن الأوروبي، وآليات تعزيز الديمقراطية، والأمن الاقتصادي، والقدرة التنافسية لأوروبا، مع التركيز على ملف الطاقة، فضلًا عن كيفية التصدي لتحديات الهجرة غير النظامية باتجاه أوروبا.

سياق دولي متغير

جاء انعقاد القمة في ظل سياق دولي شديد التغير، أولها ما يرتبط بالتباعد الأوروبي الأمريكي في ظل سعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتوظيف العلاقات الأمريكية الأوروبية، لخدمة مشروعه الذى رفع شعاره بأمريكا أولًا، وهو الأمر الذى دفعه لمطالبة الدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو بزيادة مخصصات الإنفاق إلى 5% من إجمالي ناتجها المحلي، حتى تتحمل الدول الأوروبية جزءًا من فاتورة الدفاع عن أمنها الذي يستنزف الاقتصاد الأمريكي، وكذلك مطالبته أوكرانيا بتحمل تكلفة الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما أدى في نهاية المطاف لتوقيع اتفاق المعادن الثمينة بين الجانبين الأمريكي والأوكراني.

ثاني تلك المتغيرات يرتبط بانطلاق المحادثات التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية من دون مشاركة أوروبية، وذلك على خلفية فرض الرسوم الجمركية المتبادلة بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين. بما جعل العديد من المحللين الاقتصاديين يتوقعون تباطؤ للنمو الاقتصادي العالمي في ظل استحواذ الاقتصادين الأمريكي والصيني على 40% من الاقتصاد العالمي.

أما ثالث تلك المتغيرات وربما أهمها هو استمرار صعود اليمين المتطرف في أوروبا في العديد من الدول التي أجريت بها الانتخابات مؤخرًا ومنها: فرنسا، وألمانيا، ورومانيا، وبولندا. وهو التوجه الذي يتبني رؤية مناهضة للاتحاد الأوروبي، فالعديد من الأحزاب اليمينية تعارض فكرة التكامل الأوروبي، وترغب في الانسحاب من الاتحاد أو تقليص صلاحياته، فضلًا عن رفض الهجرة غير الشرعية، ومساندة التوجهات القومية المتطرفة المعادية للمهاجرين.

تحديات ماثلة

تتنوع التحديات التي تواجه أوروبا، والتي يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:

(*) الحرب الروسية الأوكرانية: تشكل الحرب الروسية الأوكرانية التحدي الأبرز الذي يواجه الأمن الأوروبي، فقد عكست تلك الحرب هشاشة الأمن الأوروبي وعدم قدرة الدول الأوروبية على حماية أمنها بعيدًا عن المظلة الأمريكية. لذلك استحوذت الحرب على جزء معتبر من النقاشات، حيث جاءت تصريحات القادة الأوروبيين خلال فعاليات قمة المجموعة السياسية الأوروبية السادسة، حيث أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه أبلغ نظيره الأمريكي دونالد ترامب في اتصال هاتفي بأن روسيا غير راغبة في إحلال السلام بأوكرانيا، وأنها تحاول فقط كسب الوقت لمواصلة الحرب. من جانبه أكد المستشار الألماني فريدريش ميرتس على فشل الجهود الدبلوماسية التي بذلت حتى الآن بسبب عدم استعداد روسيا لاتخاذ خطوات الأولى في الاتجاه الصحيح، وسنواصل الجهود وننسق بشكل جيد مع الجانب الأوروبي، جنبًا إلى جنب مع الأمريكيين. كما شددت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني على ضرورة الاستمرار في الجهود الدبلوماسية. في المقابل دعا الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي إلى تصعيد العقوبات إذا استمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المماطلة بالمفاوضات الهادفة إلى وقف إطلاق النار.

(*) الهجرة غير النظامية: تشكل الهجرة غير النظامية أحد التحديات التي تواجه الأمن الأوروبي. وربما مثلت أحد الأسباب التي ساهمت في بلورة اليمين المتطرف لرؤيته وأدت لصعوده لا سيما وأن الأحزاب اليمينية ترجع تعقد المشكلات الاقتصادية التي تواجه الأوروبيين في أحد جوانيها إلى وجود المهاجرين غير النظاميين وتأثيرهم على الاقتصاد والهوية الأوروبية.

(*) الأمن الاقتصادي وتعزيز القدرة التنافسية لأوروبا: شكل الأمن الاقتصادي وتعزيز القدرة التنافسية لأوروبا أحد المحاور الرئيسية للمناقشات خلال قمة المجموعة السياسية الأوروبية السادسة، لا سيما وأن الحرب الروسية الأوكرانية كشفت بجلاء عن التحديات التي تواجه أمن الطاقة في الدول الأوروبية واعتماد الدول الأوروبية على 40% من استهلاكها للغاز- قبل اندلاع الحرب- على روسيا. وهو الأمر الذي دفع العديد من الدول الأوروبية لتنويع مصادر اعتمادها على الطاقة، حيث عقدت العديد من الدول الأوروبية اتفاقات لتزويدها بالغاز والنفط مع الدول العربية المصدرة له. ومع تزايد التحديات الاقتصادية التي تواجه الدول الأوروبية منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وانتهاجه لسياسات حمائية، وسعية لزيادة الرسوم الجمركية لتعزيز صدارة الاقتصاد الأمريكي، طالب العديد من القادة الأوروبيين بفرض رسوم جمركية تتناسب مع تلك التي يفرضها الجانب الأمريكي على الواردات الأوروبية. وبرغم ذلك التوجه هناك توجهات أوروبية تطالب بالحفاظ على الشراكة الاقتصادية الأوروبية الأمريكية، لا سيما وأنها القادرة على الحفاظ على الهيمنة الغربية، ودعم القدرة التنافسية لأوروبا على المستوى الدولي.

إجمالًا، تنوعت رسائل قمة المجموعة السياسية الأوروبية في نسختها السادسة كان من أبزها سعى قادة الدول الأوروبية لإقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمساندة الموقف الأوروبي لوقف الحرب الروسية الأوكرانية من دون شروط، وكذلك تعزيز أمن الدول الأوروبية، وذلك من خلال معالجة ملف الهجرة غير النظامية، فضلًا عن تفعيل التعاون الاقتصادي الأوروبي لتعزيز القدرة التنافسية لأوروبا.