الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

"تعزيز السيولة".. الصين تراهن على إجراءات نقدية غير مسبوقة لحماية اقتصادها

  • مشاركة :
post-title
الموانئ التجارية الصينية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

أعلن البنك المركزي الصيني، أمس الاثنين، عن خفض أسعار الفائدة الرئيسية إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، كجزء من استراتيجية شاملة لمواجهة التوترات التجارية المُتصاعدة مع الولايات المتحدة وتداعيات الرسوم الجمركية على الاقتصاد الصيني.

إجراءات نقدية

كشفت شبكة "يورونيوز" أن بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) خفض معدلات الإقراض المرجعية للمرة الأولى منذ سبعة أشهر، في محاولة لتخفيف الضغط على الاقتصاد الصيني.

وتضمنت الإجراءات خفض معدلات الإقراض الرئيسية لأجل عام واحد وخمس سنوات بمقدار 10 نقاط أساس لتصل إلى 3.0% و3.5% على التوالي.

وتعتبر هذه المعدلات مراجع أساسية للسوق الصيني، حيث تستند إلى تقييمات شهرية من 20 بنكًا تجاريًا صينيًا كبيرًا، ويستخدم سعر الفائدة لمدة عام كمرجع للقروض المؤسسية والاستهلاكية، بينما يعد سعر الفائدة لمدة خمس سنوات معيارًا لمعدلات الرهن العقاري في البلاد.

ولم يقتصر الأمر على خفض أسعار الفائدة فقط، بل امتدت التدابير التحفيزية؛ لتشمل خفض سعر إعادة الشراء العكسي لمدة سبعة أيام بمقدار 10 نقاط أساس، إضافة إلى خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي (RRR) بمقدار 50 نقطة أساس، وهو ما يعني تقليص كمية رأس المال التي يجب على البنوك الاحتفاظ بها كاحتياطي، مما يتيح المزيد من السيولة في السوق.

استجابة الأسواق

استجابت الأسواق المالية الصينية بشكل إيجابي للإعلان، إذ ارتفع مؤشر هانج سنج القياسي عند افتتاح السوق في هونج كونج بنسبة 1.3% بحلول الساعة 5:30 بتوقيت وسط أوروبا الصيفي، وفقًا لبيانات السوق التي نقلتها يورونيوز.

بالمقابل، سجل اليوان الصيني في الأسواق الخارجية انخفاضًا طفيفًا مقابل الدولار الأمريكي.

ورغم الاستجابة الإيجابية الأولية، يرى خبراء اقتصاديون أن تأثير خفض أسعار الفائدة قد يكون محدودًا على المدى البعيد، إذ صرح ديفيد سكات، محلل السوق في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بشركة StoneX الأسترالية، قائلًا: "قد يوفر خفض أسعار الفائدة دفعة طفيفة للأسهم، لكنها كانت متوقعة على نطاق واسع، ومن الواضح أن الوصول إلى الائتمان ليس هو العامل الرئيسي الذي يعيق المقترضين حاليًا. المشكلة الأكبر تكمن في ضعف الثقة، وتحتاج الحكومة إلى بذل المزيد لتحسين ذلك عبر القناة المالية الفعالة".

مؤشرات اقتصادية مُتباينة

تعكس البيانات الاقتصادية الصينية الأخيرة صورة مختلطة عن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إذ نما الاقتصاد الصيني بنسبة 5.4% في الربع الأول من العام الجاري، متجاوزًا التوقعات، إلّا أن المؤشرات الأخرى تظهر تباينًا واضحًا في مستويات الأداء بين مختلف القطاعات.

وكشفت بيانات المكتب الوطني للإحصاء الصيني أن الإنتاج الصناعي حقق نموًا قويًا بنسبة 6.1% على أساس سنوي في أبريل، متفوقًا على توقعات المحللين التي كانت تشير إلى 5.5%، كما ارتفعت الصادرات الإجمالية بنسبة 8.1% على أساس سنوي في الشهر نفسه، رغم الانخفاض الحاد في الشحنات المتجهة إلى الولايات المتحدة والتي تراجعت بنسبة 21%.

وأوضحت بيانات الجمارك الصينية أن الزيادة في الصادرات إلى دول جنوب شرق آسيا والاتحاد الأوروبي، ساهمت في تعويض تراجع التجارة مع الولايات المتحدة، مما يعكس مرونة الصادرات الصينية وقدرتها على إيجاد أسواق بديلة.

في المقابل، لا تزال مؤشرات الاستهلاك المحلي تظهر ضعفًا ملحوظًا، حيث ارتفعت مبيعات التجزئة بنسبة 5.1% فقط، وهي نسبة تقل عن التوقعات التي كانت تشير إلى زيادة بنسبة 5.5%. ويعكس هذا استمرار الحذر بين الأسر الصينية وسط حالة عدم اليقين الاقتصادي السائدة.

وسجل الاستثمار في الأصول الثابتة نموًا بنسبة 4% في الأشهر الأربعة الأولى من العام، بينما انخفض الاستثمار العقاري بشكل حاد بنسبة 10.3%، مما يؤكد استمرار هشاشة قطاع الإسكان. وعلى الجانب الإيجابي، تراجع معدل البطالة إلى 5.0% في أبريل، مقارنة بـ5.2% في مارس و5.4% في فبراير.

البنوك الدولية

في ضوء الهدنة التجارية المؤقتة التي اتفقت عليها بكين وواشنطن مؤخرًا، والتي تتضمن تعليق الرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا، رفعت العديد من بنوك الاستثمار العالمية توقعاتها للنمو الاقتصادي في الصين هذا العام، إذ عدّل بنك جولدمان ساكس توقعاته للنمو السنوي للصين إلى 4.6% من 4%، مشيرًا في تصريح نقلته يورونيوز إلى أن "استئناف محادثات التجارة بين الولايات المتحدة والصين سيساهم في احتواء مخاطر سوء التقدير بين البلدين".

أما بنك نومورا، فقد رفع توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني إلى 4.8% من 3.7%، مستندًا إلى استئناف الشحنات إلى الولايات المتحدة.

وأشار البنك إلى أن "استئناف الشحنات المتجهة إلى الولايات المتحدة سيقلل من الحاجة إلى إعادة توجيه الشحنات، لكن هذا الشحن المسبق سيتبعه حتمًا تأثير ارتدادي كبير بعد انتهاء فترة التوقف البالغة 90 يومًا في 12 أغسطس".

رغم التعديلات الإيجابية في التوقعات، يبقى الإجماع بين المحللين على أن الصين من غير المرجح أن تحقق هدف النمو الطموح البالغ 5% الذي حددته في بداية العام، في ظل التحديات المستمرة التي تواجه اقتصادها المحلي والبيئة التجارية العالمية المضطربة.