في زمن تتغير أحداثه بوتيرة سريعة، يبقى اسم عادل إمام ثابتًا كأيقونة تجاوزت حدود الفن لتصبح جزءًا من الذاكرة الجمعية للعرب، ليس لأنه أطال البقاء على القمة، بل لأنه رسم ملامحها بنفسه، عبر أكثر من 60 عامًا قضاها في عالم الفن، حتى غاب جسدًا عن الأضواء، لكنه لم يغب يومًا عن الشاشة أو القلب، بل ظل علامة مسجلة لفنان لا يكرره الزمن.
الفراغ الذي تركه عادل إمام لن يملأه أحد، حسبما يؤكد العديد من صناع الفن والنقاد في تصريحات لموقع "القاهرة الإخبارية"، فهو نجم تصدر المشهد الفني العربي، وفنان ذو قيمة فنية وثقافية وإنسانية، اختار أدواره بعناية، ومزج بين السخرية الهادفة والدراما الجادة، مناقشا قضايا مجتمعية مهمة.
مدرسة قائمة بذاتها
المخرج مجدي الهواري يرى أن عادل إمام لم يكن مجرد فنان، بل مؤسِس مدرسة حقيقية في الكوميديا، لا تزال ممتدة الأثر، قائلًا: "أسس الزعيم ما يمكن وصفه بمدرسة كوميديا الموقف، ومن تلاميذها الممثل هشام ماجد، والتي لا تعتمد على الإفيه، بل تستمد روحها من معاناة الشارع المصري والعربي، على نهج نجيب الريحاني.. هذه الكوميديا ليست عابرة، بل خالدة لأنها تعبر عن وجع الناس".
وأشار إلى أن هذه الكوميديا ليست "موضة" عابرة، بل مستمرة لأنها تعكس هموم الناس، مضيفًا: "الزعيم كان يطوِّر نفسه باستمرار، منذ دور السكرتير الفني حتى آخر أفلامه، وساهم في اكتشاف مواهب كبيرة، مثل محمد هنيدي وأحمد مكي وعلاء ولي الدين، ووقف بجوارهم ودعمهم، وهذا دليل على وعيه الفني ومسؤوليته تجاه الأجيال الجديدة".
وأشاد "الهواري" بتوجه بعض الفنانين لإعادة تقديم أفلام الزعيم بنسخ جديدة، مثل "البحث عن فضيحة" لهشام ماجد و"شمس الزناتي" الذي سيعيد تقديمه محمد عادل إمام، معتبرًا أن هذا التوجه يعكس استمرار تأثير الزعيم وخلود مدرسته الكوميدية، مع ضرورة تطويرها بما يتناسب مع روح العصر.
الأسطورة
السيناريست أيمن سلامة وصف عادل إمام بـ"الكبير والأسطورة"، مشيرًا إلى أنه احتل القمة لأكثر من نصف قرن، بأفلام لم تكن مجرد ترفيه، بل تحمل رسائل اجتماعية وفكرية عميقة. وقال: "غيابه عن الكوميديا حقه الطبيعي، فهو تقدم في العمر، ويستحق أن ينعم بحياة أسرية هادئة بعد سنوات طويلة من التعب والنجاح".
واعتبر أن مسيرة عادل إمام الفنية مرت بعدة مراحل، منها الترفيهية، ثم الفكرية مع وحيد حامد وشريف عرفة، والتي قدم خلالها أفلامًا ذات قيمة، وأخيرًا مرحلة الأعمال مع شركات الإنتاج الجديدة والمخرجين الشباب مثل رامي إمام ووائل إحسان، والتي حملت روحًا شبابية وأسلوبًا متجددًا.
أدى مهمته على أكمل وجه
الناقدة الفنية ماجدة موريس أكدت أن عادل إمام اعتزل بعدما أدى دوره ومهمته الفنية كما يجب، مشيرة إلى أنه الممثل الوحيد الذي قدم هذا الكم الهائل والمتنوع من الأدوار في السينما والمسرح والتلفزيون، ونجح في كل منها.
وقالت: "لم يكن هناك موضوع مهم إلا وتناوله عادل إمام، سواء اجتماعيًا أو سياسيًا، وكانت مسرحياته حالة نادرة، يأتي الجمهور من مختلف أنحاء العالم العربي لحضورها بالطائرات، تمامًا كما كان يحدث مع حفلات أم كلثوم".
وشددت على أن غيابه ترك فراغًا واضحًا، لكنه قرار يجب احترامه، مضيفة: "من الصعب أن نجد خليفة له، لكن نتمنى أن ينجح من هم على الساحة في تقديم حتى جزء بسيط مما قدمه الزعيم، ويكفيه أنه ترك تراثًا سيبقى معنا لسنوات طويلة، ويستحق منا كل التقدير والشكر".
أما الناقد الفني طارق الشناوي، فوصف عادل إمام بأنه "قيمة فنية كبرى أسعدت الملايين"، لافتًا إلى أن علاقته بالجمهور ما زالت تتجدد عبر الشاشات، حيث تبقى ضحكته الصادقة محفورة في وجدان العرب.
وأكد أن الزعيم لن يعود إلى الاستوديوهات مجددًا، قائلًا: "هذا لا يعني أنه يعاني من مشكلات صحية كما يشاع، لكنه اكتفى بما قدمه من إبداع، وهو قرار يستحق الاحترام".
وفي ما يتعلق بغيابه عن الكوميديا، قال الشناوي: "أنا مؤمن بأن مصر ولادة ولا تتوقف عن إنجاب المواهب، عادل إمام كان حالة خاصة ولم يكن صدى لأساتذته، وكذلك ستأتي مواهب جديدة بأداء مختلف، مثل عصام عمر وطه الدسوقي اللذين قدما فيلم (سيكو سيكو) بمذاق كوميدي مختلف.. فالضحك كان ملعب الزعيم، لكنه ليس الملعب الوحيد".
الزعيم في القلوب
ربما ابتعد الزعيم عن الأضواء، لكن حضوره لا يزال طاغيًا، وصورته محفورة في الذاكرة الجمعية، وضحكته باقية على الشاشات، فهو ليس مجرد فنان، بل رمز لحقبة كاملة من الفن والوعي والضحك النبيل، ولذا فإن عيد ميلاده ليس مناسبة شخصية، بل احتفالًا عربيًا برمز خالد لا يتكرر.