الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

عادل إمام.. الكوميديا باب للتنوير وكشف التناقضات

  • مشاركة :
post-title
عادل إمام

القاهرة الإخبارية - محمود ترك

"سوف أصبح أهم نجم في مصر".. هكذا سجل الشاب عادل إمام حلمه على شريط كاسيت وهو لا يزال طالبًا بكلية الزراعة، حسبما روى صديقه الراحل سعيد صالح في برنامج تلفزيوني، وكأنما كان يقرأ مستقبله بصوت واثق، دون أن يمتلك أي فرصة واقعية وقتها، لكن الإيمان بالنفس، والعناد في الحلم، والتفاني في العمل، جعلوا من هذا الطالب زعيمًا للفن العربي لعقود.

النجم العربي الاستثنائي الذي ولد في مثل هذا اليوم 17 مايو بمدينة المنصورة عام 1940، وشكَّلت أعماله علامة فارقة في تاريخ الدراما العربية، لم يكن مجرد ممثل يصنع الضحك، بل كان فنانًا اختار أن يجعل من الكوميديا أداة للمقاومة، ومن الدراما الجادة وسيلة للتنوير، مزج بين السخرية والرسالة، وبين البساطة والعمق؛ ليصبح أحد أكثر الفنانين تأثيرًا في الوعي الجمعي العربي.

من المنصورة جاءت عائلة عادل إمام لتعيش في القاهرة، وتحديدًا حي السيدة زينب، أحد أشهر الأحياء الشعبية بمصر، والتي عاش بها أيضًا مبدعين كبار بمجالات مختلفة منهم يحيى حقي، ونور الشريف، وسيد مكاوي، والمفارقة أن معظمهم انحاز في أعماله إلى البسطاء والتعبير عن أحلامهم وهمومهم، عبر الأدب والتمثيل والموسيقي.

كوميديا لفهم المجتمع

عادل إمام الذي عاش بمقتبل حياته في بيئة شعبية متوسطة، اختار أن تصبح الكوميديا في أعماله ليست للترفيه السطحي فقط، بل وسيلة لفهم المجتمع، وتحريضه على طرح الأسئلة، ونقد الواقع في كثير من الأحيان حتى لو بشكل ساخر ومبالغ فيه، فما بين جملة ببدايته الفنية لم يملك فيها اختيارات "بلد بتاعة شهادات صحيح" بمسرحية "أنا وهو وهي"، واتجاهات فنية عن تصميم ورغبة مثل فيلم "الإرهاب والكباب"، انتقد عادل إمام أوضاع المهمشين والبيروقراطية، وفي "اللعب مع الكبار"، تحدث عن السلطة والفساد، وفي "طيور الظلام"، قدم كوميديا سياسية لاذعة أصبحت مرجعًا في تحليل فترة الثمانينيات والتسعينيات من تاريخ مصر.

عادل إمام ليس مجرد اسم في تاريخ الفن، بل ظاهرة فريدة استخدمت الضحك كدرع، والدراما كسيف، ليقاوم الجهل، ويواجه الظلم، ويبث النور في العيون والقلوب، خصوصًا في شراكته الفنية وتعاونه المتعدد مع الكاتب وحيد حامد والمخرج شريف عرفة، التي أثمرت عن أعمال استثنائية جمعت بين جماهيرية عالية ورسائل سياسية واجتماعية عميقة، منها "اللعب مع الكبار" و"طيور الظلام"، وجسدت معاناة المواطن البسيط، وأحلامه المكسورة، وكشفت تناقضات السلطة والمجتمع.

عادل إمام ورياض الخولي في "طيور الظلام"
دراما تنير العقول

بعيدًا عن الكوميديا، أبدع عادل إمام في أدوار درامية جادة تركت بصمة قوية، مثل فيلم "المشبوه" مع سعاد حسني، "و"الحريف" إخراج محمد خان، ومسلسل "دموع في عيون وقحة" أولى بطولاته الدرامية التلفزيونية المطلقة، والذي يعد أيضًا من أوائل المسلسلات التي تحدثت عن بطولات جهاز المخابرات المصري واستعرضت قصة أحد رجالها.

لكن الزعيم لم يغرق في الجدية، بل حافظ على توازنه الفني، وعرف متى يعود إلى قالب الكوميديا المحبب، دون أن يتخلى عن رسالته، وعرف أيضًا كيف يمزج بين الاثنين، في لمحة تؤكد ذكاءه الفني، الذي كان زملاؤه بالوسط الفني قبل النقاد يعترفون به، ومنهم النجم نور الشريف، الذي قال إن عادل إمام كان يقدم عملًا مضمون النجاح جماهيريًا كل عام، ثم يعود بعمل أكثر عمقًا وقيمة في العام التالي، ليحقق المعادلة الصعبة: فنان شعبي وفنان مثقف في آنٍ واحد.

نجم الجماهير وضمير الشارع

لم يكن عادل إمام نخبويًا يومًا، بل ظل وفيًا للجمهور، اختار أدوارًا تمسُّ الشارع وتعكس همومه، من الموظف المقهور إلى الحالم العنيد، أفلامه كانت تتصدر الشباك، وعباراته الجادة وأيضًا الساخرة لا تزال تعيش في الذاكرة، ومنها "البلد دي اللي يشوفها من فوق غير اللي يشوفها من تحت"، والإفيه الشهير "مش أنا عيد ميلادي النهاردة".

اللافت للنظر أن مسيرة عادل إمام شديدة التميز عبر كل أشكال الدراما، سواء في المسرح الذي بدأ به، والسينما التي تألق خلالها على مدار عقود، والدراما التلفزيونية التي عاد إليها في ختام مشواره الفني عبر مسلسلات رمضانية ناجحة، منها "فرقة ناجي عطا الله" و"العراف" و"صاحب السعادة"، ليبقى حاضرًا في بيوت الناس وقلوبهم كما كان دائمًا.

عادل إمام في مسلسل "العراف"
الالتزام والذكاء والاستمرار

وراء كل هذا النجاح التزام صارم تجاه الفن، فهي مهنته التي لا يعرف غيرها، متبعًا نصيحة أستاذه في الجامعة الذي قال له قبل أن يخطو نحو النجومية: "الزراعة ليست لك.. اذهب إلى التمثيل أنت فنان"، لذا التزم عادل إمام بواجبه تمامًا وأعطاه حقه، حتى إن الممثل فتحي عبد الوهاب وصفه في حوار تلفزيوني بأنه أكثر فنان ملتزم قابله في حياته، فكان يحضر إلى مواقع التصوير مبكرًا، يضع جدولًا دقيقًا، ولا يترك تفاصيله للمصادفة.

هذا الالتزام على مدى 60 عامًا، منذ أول أدواره في "ثورة قرية" إلى آخر ظهور له في "فلانتينو"، أثمر عن أن يظل عادل إمام حاضرًا في وجدان الملايين، بفنه ووعيه وقدرته النادرة على التعبير عن لحظة الإنسان العربي.

عادل إمام وأحفاده
ختام المسيرة.. العائلة أولًا

ورغم ابتعاده عن الساحة الفنية منذ 2020، لا تزال بصمته واضحة، وأعماله حاضرة، وجمهوره وفيًا، اختار اليوم أن يبتعد قليلًا، ليقضي وقته مع أسرته، المكونة من زوجته وأبنائه وأحفاده، الذين وصفهم بأنهم مصدر سعادته الحقيقية، بعد أن أسعد الملايين.