الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

عادل إمام.. من حلم التراجيديا إلى زعامة الكوميديا

  • مشاركة :
post-title
عادل إمام

القاهرة الإخبارية - محمد عبد المنعم

لم يكن الزعيم عادل إمام يخطط يومًا لأن يصبح أيقونة الكوميديا في العالم العربي، حيث بدأ رحلته التمثيلية من بوابة التراجيديا، حين كان لا يزال طالبًا بكلية الزراعة، حيث شارك في مسرح الجامعة مدفوعًا بشغفه بالتمثيل. 

وفي أحد الأيام، صادف صديقه الفنان صلاح السعدني، الذي كان يستعد للتقدم لاختبارات مسرح التلفزيون، فقرر أن يرافقه و"يجرب حظه"، وبالفعل، اجتاز الاختبار بنجاح من خلال أداء مشهد تراجيدي، كما اعتاد تقديم مسرحيات مقتبسة من الأدب العالمي.

القدر كان يخبئ له طريقًا مختلفًا، ففي أحد اجتماعات التحضير لمسرحية مع المخرج الكبير حسين كمال، زفور أن دخل عادل إمام القاعة، تعالت ضحكات الحضور من تلقاء أنفسهم، فقط من طريقة جلوسه، ليتدخل حسين كمال قائلًا: "لا، أنت هتمثل كوميدي!"، ومن تلك اللحظة، بدأت رحلته مع الأدوار الكوميدية، بعد أن أسند له دورًا صغيرًا في مسرحية "ثورة قرية"، وكانت بمثابة أولى خطواته الاحترافية.

ولم تكن هذه الرحلة سهلة، فقد واجه عقبة مبكرة كادت تنهي مشواره قبل أن يبدأ، عندما طلبت إدارة مسرح التلفزيون أوراق موقفه من التجنيد، ولم يكن قادرًا على تقديمها بسبب استمراره في الدراسة، فتم استبعاده، إلا أن المصادفة عادت لتفتح له بابًا جديدًا، حين جاءته فرصة الانضمام إلى فريق مسرحية "أنا وهو وهي". وأثناء بروفة أمام النجمين الكبيرين فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي، ضحكا من تلقائيته ومنحاه الدور فورًا. 

وعلى خشبة المسرح، فوجئ عادل إمام بتفاعل الجمهور وضحكاتهم على جملته الأولى، فبدأ بإضافة ارتجالات صغيرة، زادت من تصفيق الحضور وضحكهم. ومنذ تلك الليلة، قرر أن تكون الكوميديا طريقه الأول.

ومع مرور الزمن، لم يقتصر تميز عادل إمام على خشبة المسرح أو أمام الكاميرا، بل رسخ اسمه كواحد من أعمدة السينما المصرية، وأكثر الممثلين الكوميديين تأثيرًا وحضورًا. 

وتصدرت أعماله قائمة "أفضل 100 فيلم كوميدي في السينما المصرية"، التي أعدتها جمعية "كتّاب ونقاد السينما"، متفوقًا على عمالقة مثل فؤاد المهندس، وسمير غانم، وإسماعيل ياسين، بعد أن ضمت القائمة 18 فيلمًا له، ليبقى "الزعيم" الرقم الأصعب في معادلة الكوميديا المصرية والعربية.

عادل إمام
سحر خاص

الناقد كمال رمزي تحدث عن سر استمرار تأثير عادل إمام، قائلًا: "بالطبع مع اختلاف الزمن، لكن مثلما ما زلنا نشاهد أفلام شارلي شابلن، تملك الكوميديا سحرًا خاصًا لأنها تسخر من أشياء واقعية وشخصيات نعرفها جميعًا".

وأضاف: "في أفلام عادل إمام تجد دومًا سخرية من الأقوياء والمشاهير، مثل شخصية الفتوة في فيلم الهلفوت، الذي يبدو مسيطرًا لكنه يُهزم في النهاية، بينما يواجهه الكائن الضعيف الذي يجسده عادل إمام، ممثلًا شريحة واسعة من البسطاء الذين لا يملكون سلطة".

وأشار "رمزي" إلى أن عادل إمام يمتلك سحرًا خاصًا وأسلوبًا أداء فريدًا لا يشاركه فيه أحد، موضحًا: "عنده قدرة على الصمود وانتزاع حقوق المهمّشين بحس كوميدي وإنساني نادر، ولهذا يظل حاضرًا ومؤثرًا في قلوب جمهوره جيلًا بعد جيل".

كوميديا من طراز خاص

أما الناقد عصام زكريا فأكد أن الزعيم ينتمي إلى نوع نادر من الكوميديا التي لا تفقد قيمتها بمرور الوقت، وقال: "بعض أنواع الكوميديا قد تتجاوزها الأجيال الجديدة، لكن ما يقدمه عادل إمام مختلف، فهو لا يعتمد على التهريج أو الاسكتشات، بل يصنع الكوميديا من فكرة وقصة ودراما متماسكة".

وأضاف: "أداؤه الكوميدي يتمتع بحرفية شديدة، من حيث الحركة، وتعابير الوجه، وانتقاء الجمل، كما أنه تعاون مع كبار صنّاع السينما مثل شريف عرفة ووحيد حامد، وقدّم أعمالًا عكست واقع الشباب، مثل فيلم الحريف، الذي لم يحقق نجاحًا وقت عرضه، لكنه صار لاحقًا فيلمًا محببًا لجمهور خاص".

وأشار إلى تنوع رصيد عادل إمام بين الكوميديا والدراما، مثل مسلسل "دموع في عيون وقحة"، الذي لا يقل أهمية عن مسلسل "رأفت الهجان".

ولفت إلى أن مسرحياته لا تزال تجذب المتابعين، خاصة مع انتشار مقاطع منها عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، لتصبح إفيهاته جزءًا من الثقافة الرقمية. واختتم بقوله: "عادل إمام حالة فنية نادرة يعرفه الجميع، حتى من لم يعايشوا زمن مجده".

أبو الكوميديا

"عادل إمام هو أبو الكوميديا" بهذه العبارة بدأت الناقدة ماجدة موريس حديثها، وأكدت أنه يظل الرقم الصعب في عالم الكوميديا العربية، بمسيرة استثنائية لا تقارن، مشيرة إلى أن عادل إمام عاصر خمسة أجيال من الكوميديانات، ولم يتمكن أحد من تجاوزه، لأنه فنان قوي ومشع على الشاشة، وله رصيد كبير من الحب في قلوب جماهيره".

وتساءلت: "ما سر كاريزما عادل إمام التي تجعله يدخل قلوب الناس بهذه السهولة؟.. هو حالة فنية استثنائية، لا تتكرر كثيرًا، ونجاحه لا يرجع فقط إلى موهبته الكوميدية، بل إلى قدرته على قراءة المجتمع، والتقاط هموم الناس وتحويلها إلى ضحكة تحمل رسالة".

وأضافت: "عادل إمام لم يكن يومًا يقدّم الكوميديا للضحك فقط، بل كان دائمًا يعبّر عن قضايا المجتمع، ويساند البسطاء، ولهذا استحق بجدارة لقب فنان الشعب".

واختتمت "موريس": "ميزة عادل إمام أيضًا أنه لا يكرر نفسه، ففي كل عمل يظهر بشخصية جديدة تحمل ملامح مختلفة، مع الحفاظ على خفة ظله التي تميّزه، وهذه القدرة على التجديد والبقاء في القمة معًا، لم تتحقق إلا لقلة قليلة".