منذ سنوات، بدأ الرئيس الصيني شي جين بينج التحضير للحظة المواجهة الكبرى مع الولايات المتحدة، مدركًا أن بلاده لا يمكن أن تظل الحلقة الأضعف في سلسلة التجارة العالمية. واليوم، ومع تصاعد حدة الحرب التجارية مجددًا، تبدو الصين أكثر استعدادًا من أي وقت مضى لتحدي الهيمنة الاقتصادية الأمريكية، ليس بالدبلوماسية فقط، بل باستخدام أدوات القوة الاقتصادية بشكل صريح ومدروس.
هيمنة صينية
في أبريل 2020، وأثناء اجتماع مغلق للجنة الشؤون المالية والاقتصادية بالحزب الشيوعي الصيني، أعلن شي جين بينج رؤيته: "علينا إحكام قبضة الصين على سلاسل الإنتاج العالمية، حتى نردع أي طرف أجنبي يفكر في تعطيل الإمدادات للصين"، في إشارة مباشرة للولايات المتحدة التي كانت قد بدأت آنذاك في فرض رسوم جمركية قاسية على المنتجات الصينية، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
لكن بدلًا من الاستجابة لمطالب واشنطن بفتح الاقتصاد ووقف الدعم الحكومي للصناعات الثقيلة، سلكت الصين على حد تعبير الصحيفة الأمريكية، طريقًا مختلفًا بتعزيز السيطرة على سلاسل التوريد العالمية، وتوجيه البنوك الحكومية لضخ تريليوني دولار في الصناعات الاستراتيجية، وفرض قيود تصدير على المعادن النادرة والمواد الأساسية التي يحتاجها العالم بأسره.
وترى "نيويورك تايمز" أن بكين تسعى إلى إعادة صياغة العلاقة مع الغرب من خلال جعل العالم يعتمد على الصين، فيما تستقل الصين بنفسها عن الآخرين. هذه الاستراتيجية تجلت بوضوح مع فرض الصين قيودًا على صادرات المعادن الأساسية المستخدمة في صناعة السيارات، والطائرات المسيّرة، والروبوتات، وحتى الأسلحة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار بعضها ثلاثة أضعاف.
في المقابل، تعاني إدارة ترامب الحالية من ضغط داخلي متزايد نتيجة ارتفاع الأسعار واحتمالات نقص السلع، ما جعلها تتراجع جزئيًا عن بعض الرسوم، خاصة على المنتجات الإلكترونية والسيارات. من جانبها، ألمحت بكين إلى أنها قد تستثني بعض المنتجات الطبية الحيوية من رسومها الانتقامية، في خطوة توحي بالمرونة دون تقديم تنازلات استراتيجية.
الاقتصاد كسلاح
ويرى مراقبون تحدثوا إلى "نيويورك تايمز" أن شي جين بينج، الذي يصفه كثيرون بأنه أقوى زعيم صيني منذ ماو تسي تونج، ينظر إلى الحرب التجارية كاختبار حاسم لسلطته. فمنذ توليه السلطة عام 2012، تعهد شي بـ"نهضة الأمة الصينية"، وهو الهدف الذي دفعه إلى تعديل الدستور للبقاء في الحكم لأجل غير مسمى، وتوجيه الاستثمارات إلى قطاعات استراتيجية مثل الرقائق الإلكترونية، والطاقة النظيفة، والذكاء الاصطناعي.
وقد أصبحت هذه القطاعات اليوم أدوات "حرب اقتصادية" تديرها بكين بدقة، وسط حملة دعائية وطنية تعبئ الرأي العام لمواجهة طويلة الأمد تحت شعار: "لن نركع أبدًا"، بحسب ما نشرته وزارة الخارجية الصينية أخيرًا في فيديو واسع الانتشار.
وتحدث خبراء للصحيفة الأمريكية أن المنافسة الأمريكية الصينية ستقسّم العالم إلى معسكرين اقتصاديين، خاصة مع ضغط واشنطن على حلفائها لتقليص تعاملاتهم مع بكين، وتحذيرات الصين من أنها سترد على أي دولة تتبع هذا المسار. وعلّق الباحث الأمريكي إيفان ميديروس بالقول: "الصين ستستخدم كل الأدوات الممكنة لإلحاق الضرر بالولايات المتحدة وحلفائها"، مضيفًا "العالم كله سيُختبر الآن ما مدى اعتماده على التجارة مع الصين، وهل يستحق هذا الاعتماد الثمن؟".