الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

هدأت المدافع واشتعلت الميكروفونات.. الهند وباكستان لا تعرفان الهدنة إعلاميا

  • مشاركة :
post-title
أشخاص يشاهدون تقارير تلفزيونية عن الضربات الهندية على باكستان

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

في زمن الصراعات لا تقتصر المعارك على الأرض وحدها، بل تمتد إلى الشاشات وصفحات الإنترنت، حيث تُخاض الحروب بالكلمات واللقطات والعناوين، فبينما كانت المدافع تُدوّي عبر الحدود بين الهند وباكستان، اشتعلت جبهات أخرى لا تقل ضراوة ولا تزال مستمرة على منصات الإعلام، إذ ظهرت حربٌ جديدة تُعيد توزيع أوراق القوة، ليس فقط بين الدولتين النوويتين، بل أيضًا في عيون العالم.

إعلان أمريكي يهدئ العاصفة

أعلنت الهند وباكستان، اليوم السبت، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، بعد أربعة أيام من التوترات العسكرية المتصاعدة التي هددت بتحول التراشق الحدودي إلى حرب شاملة بين القوتين النوويتين، وأتى هذا الإعلان بعد وساطة أمريكية مكثفة.

وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منشور عبر موقع "تروث سوشيال": "بعد ليلة طويلة من المحادثات بوساطة الولايات المتحدة، يسرني أن أعلن أن الهند وباكستان اتفقتا على وقف إطلاق نار كامل وفوري".

وأكد الجانبان لاحقًا توصلهما لهذا الاتفاق، بالتزامن مع إعلان وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أن الاتفاق يشمل "بدء محادثات حول مجموعة واسعة من القضايا في موقع محايد"، مؤكدًا أن الجهود تضمنت تواصلًا مستمرًا على مدار 48 ساعة بين كبار المسؤولين الأمريكيين ونظرائهم في البلدين، بمن فيهم نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس.

أصوات صفارات الإنذار

في ذروة التصعيد، لم تكن ساحة القتال مقتصرة على الخطوط الحدودية بين الدولتين، بل كانت شاشات التلفزة ومواقع الإنترنت منبرًا آخر لصراع المعلومات، ففي الهند، بثت القنوات التلفزيونية تقارير ميدانية وسط أصوات صفارات الإنذار، ما دفع وزارة الداخلية الهندية اليوم، إلى إصدار توجيهات عاجلة بوقف استخدام هذه الأصوات المصاحبة لبرامج الأخبار.

وأكدت الوزارة أن الاستخدام المفرط لصفارات الإنذار قد يفقد المواطنين حساسيتهم تجاهها في الحالات الطارئة الحقيقية، حسب صحيفة "ستريتس تايمز" السنغافورية، ورغم إعلان وقف إطلاق النار، ظلت رسائل الإعلام الهندي موجهة نحو تأكيد "تفوق الهند الحاسم على باكستان".

حرب معلومات

لم يكن الغرض من تغطية الصراع إعلاميًا مجرد نقل الأحداث، بل خوض معركة لكسب الرأي العام المحلي والدولي، وحسب "ستريتس تايمز" فقد استخدمت الحكومتان الهندية والباكستانية أدوات الإعلام لتقديم نفسيهما بوصفهما الطرف الأقوى والأكثر شرعية.

وفي الهند، تصاعدت الإجراءات الرسمية التي تهدف إلى السيطرة على السرد الإعلامي، فقد طلبت الحكومة من منصة "إكس" حظر 8000 حساب داخل البلاد، شمل الحظر صحفيين كبارًا من كشمير، ومواقع إعلامية مستقلة مثل "مكتوب ميديا" و"فري برس كشمير"، ومنصة "كشميريات".

وقالت منصة"إكس" في بيان صدر في أمس الجمعة: "حظر الحسابات بأكملها ليس فقط أمرًا غير ضروري، بل يُعد شكلًا من أشكال الرقابة على المحتوى الحالي والمستقبلي، ويتعارض مع الحق الأساسي في حرية التعبير".

وأعربت المنصة عن الصعوبات التي تواجهها قائلة: "هذا ليس قرارًا سهلًا، لكن بقاء المنصة متاحة في الهند أمر حيوي لقدرة المواطنين على الوصول إلى المعلومات".

كما صرّح مسؤولو بعض الحسابات المحظورة بأنهم لم يتلقوا أي إشعار مسبق، في حين قالت مؤسسة "مكتوب ميديا" إنها لم تُبلّغ بسبب الحظر رغم مواصلتها تغطية جوانب مختلفة من الصراع.

رقابة وأخبار زائفة

لم تقتصر المواجهة على تقييد الحسابات، بل شملت أيضًا محاولات واضحة لتوجيه الرأي العام عبر نشر معلومات غير دقيقة، فمثلًا، زعمت بعض القنوات المؤيدة للحكومة الهندية أن بحريتها شنّت هجومًا على مدينة كراتشي، وأن القوات الهندية تقدمت حتى إسلام آباد، وهو ما تبين لاحقًا أنه ادعاء كاذب.

وردًا على ذلك، تداول مستخدمو الإنترنت في باكستان مقاطع مصورة من هذه المدن تُظهر حياة طبيعية دون أي مؤشرات على هجوم أو احتلال، ومع تزايد تداول هذه المزاعم، أصدرت وزارة الدفاع الهندية بيانًا أمس الجمعة، دون الإشارة إلى أسماء القنوات، دعت فيه وسائل الإعلام إلى الامتناع عن التغطية المباشرة للعمليات الدفاعية.

وقال البيان: "إلى جانب الامتثال القانوني، فإن ضمان عدم التأثير على العمليات الجارية أو أمن قواتنا هو مسؤولية أخلاقية مشتركة".

دعم في أوقات الأزمات

وأظهر الرأي العام الهندي دعمًا قويًا لرئيس الوزراء ناريندرا مودي، الذي يُقدَّم في الخطاب الإعلامي على أنه زعيم وطني حازم.

ويرى المحلل السياسي سومانث رامان، من مدينة تشيناي، أن المعلومات الزائفة تُلحق الضرر بصورة البلاد على المستوى الدولي، مشيرًا إلى أن "المشكلة ليست في وسائل التواصل الاجتماعي، بل في قنوات إخبارية رئيسية قد تسيء إلى مصداقية البلاد بأكملها".

لم تكن هذه المرة الأولى التي تستخدم فيها وسائل الإعلام الهندية حرب المعلومات، ففي عام 2019، وبعد هجوم انتحاري أودى بحياة 40 جنديًا هنديًا في كشمير، شنت الهند غارات جوية على بالاكوت، وأطلقت بعدها وسائل الإعلام حملة شرسة تدعو للثأر.

واليوم، وقبيل اتفاق وقف إطلاق النار اتهمت الهند باكستان باستخدام صواريخ عالية السرعة ضد قواعدها، بينما زعمت باكستان أن الهند استهدفت قواعدها الجوية العسكرية.

يرى المحلل السياسي السنغافوري والكاتب شانتانو جوبتا أن الإعلام لا يجب أن يكون ناقدًا في أوقات الأزمات، بل عليه أن يدعم موقف الحكومة، وقال: "الرواية جزء أساسي من الصراع، الإعلام بالغ الأهمية، لأن الرأي العام لا يتشكل إلا عبر التلفزيون الهندي، مهما بلغ حجم يوتيوب أو وسائل التواصل الاجتماعي".

من الجانب الآخر، لم تكن باكستان أقل حدة في استخدام أدوات الإعلام، فقد أكّد امتياز جول، المدير التنفيذي لمركز البحوث والدراسات الأمنية في إسلام آباد، أن الرواية الحكومية تُهيمن بالكامل على التغطية الإعلامية في باكستان، وقال: "رغم المشكلات السياسية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد، إلا أن الرأي العام حاليًا يميل لصالح الحكومة".

وبينما تهدأ أصوات المدافع، لا يزال صوت الإعلام الأعلى، يواصل صياغة روايات المنتصرين والخاسرين، في صراع لم يعد يُقاس فقط بعدد الضحايا والضربات، بل أيضًا بعدد العقول التي تمكّن من التأثير فيها.