الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

قراءة في قرار الاتحاد الإفريقي رفع العقوبات عن الجابون

  • مشاركة :
post-title
علم الجابون

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

قبل أيام من تنصيب بريس أوليجي أنجيما رئيسًا للجابون في 3 مايو 2025، أعلن الاتحاد الإفريقي في 30 أبريل 2025 قراره برفع العقوبات المفروضة عن البلاد بشكل فوري، معتبرًا أن الجابون "أكملت بنجاح المرحلة الانتقالية" وعادت إلى النظام الدستوري. بهذا الإعلان، أسدل مجلس السلم والأمن الإفريقي الستار على نحو عشرين شهرًا من التجميد السياسي والدبلوماسي الذي فُرض على البلاد إثر التوتر السياسي الحادث منذ 2023، وأثار القرار اهتمامًا إقليميًا ودوليًا واسعًا، باعتباره إشارة إلى استعادة الجابون لمكانتها داخل المنظومة الإفريقية. وتأكيدًا لحضورها المتجدد على الساحة الإفريقية، ومن المقرر أن تحتضن الجابون القمة الإفريقية النصف سنوية في يوليو المقبل، كأول مشاركة رسمية لها ضمن أنشطة الاتحاد منذ رفع العقوبات عنها.

وتأسيسًا على ما تقدم، يسعى التحليل لتقديم قراءة في أبعاد قرار الاتحاد الإفريقي رفع العقوبات عن الجابون وتداعيات القرار.

دوافع القرار

لفهم الخلفيات التي دفعت الاتحاد الإفريقي إلى اتخاذ قرار رفع العقوبات عن الجابون، لا بد من الوقوف على مجموعة من الدوافع التي أملت هذا التوجه، وتتمثل أبرزها في:

(*) الانتخابات الرئاسية وانتقال السلطة إلى نظام مدني: مثّلت الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في الجابون في 12 أبريل 2025 خطوة محورية في مسار الانتقال السياسي، وأحد العوامل الأساسية التي استند إليها الاتحاد الإفريقي في قراره برفع العقوبات، وأسفرت الانتخابات عن فوز أنجيما بنسبة 94.35% من الأصوات بحسب النتائج النهائية للمحكمة الدستورية. وبرغم الاتهامات باستخدام موارد الدولة خلال الحملة، التي نفتها الحكومة، فقد اعتُبر الاستحقاق الرئاسي علامة على استعادة النظام الدستوري، ومؤشرًا على انتهاء المرحلة الانتقالية التي تبناها الاتحاد كشرط لرفع العقوبات عن الجابون.

مَنْ هو رئيس الجابون "بريس أوليجي أنجيما"؟

(*) التعديلات الدستورية وإجراء استفتاء شعبي داعم: في 16 نوفمبر 2024، بدأ الناخبون في الجابون عملية التصويت على التعديلات الدستورية التي طرحتها السلطات الانتقالية، وتضمنت تلك التعديلات تغييرًا في نظام الحكم ليصبح رئاسيًا، مع إلغاء منصب رئيس الوزراء، وتحديد مدة ولاية رئيس الجمهورية بسبع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وقد اعتُبر إجراء الاستفتاء، الذي شهد إشرافًا دوليًا لضمان الشفافية، مؤشرًا على التزام الحكومة الانتقالية بإعادة النظام الدستوري.

وبالفعل، في 6 مايو 2025، تم الإعلان عن تكليف الرئيس بريس أوليجي أنجيما حكومة جديدة تتكون من 30 وزيرًا بدلًا من 35، غلب عليها الطابع التكنوقراطي، وشاركت فيها النساء بنسبة 30%. شملت التعيينات البارزة سيرافين موندونجا نائبًا للرئيس، وآليكساندر بارو شامبرييه نائبًا لرئيس الحكومة، وهو المنصب البديل لرئاسة الوزراء الملغاة. كما تولى هنري كلود أوييما وزارة الاقتصاد والمالية والدَّين، وسيرافين آكير دافين وزارة العدل، وزينبا جنينجا وزارة المقاولة وريادة الأعمال، وسوستين نجيما وزارة البترول والغاز، فيما أُسندت وزارة التخطيط والاستشراف إلى لويز بيريت مفونو. وقد اعتبر الاتحاد الإفريقي هذه التغييرات المؤسسية وتوسيع قاعدة التمثيل خطوات إيجابية في استعادة النظام الدستوري، دعمت قراره برفع العقوبات عن البلاد.

(*) تفادي انقسام داخلي في القارة: مع تنامي الدعوات إلى تشكيل تكتلات إقليمية بديلة، مثل تحالف دول الساحل الإفريقي، وجد الاتحاد الإفريقي نفسه أمام تهديد حقيقي لوحدة الصف القاري، وهو ما شكّل دافعًا إضافيًا لرفع العقوبات عن الجابون، فقد سعى الاتحاد من خلال هذا القرار إلى كبح النزعة الانفصالية المتصاعدة. كما أدرك الاتحاد أن اتباع نهج موحد في التعامل مع الأزمات السياسية لم يعد مجديًا، خاصة في ظل فشل العقوبات المفروضة على دول مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو في تحقيق نتائج ملموسة. ومع ارتفاع عدد الدول المفروض عقوبات عليها، اتجه الاتحاد إلى تبني سياسة أكثر مرونة، تتيح له احتواء الأزمات بدلًا من تصعيدها، وتجنّب مزيد من الاستقطاب الذي قد يدفع بعض الدول نحو تحالفات خارج الإطار الإفريقي، وهو ما يُهدد بتفاقم حالة الانقسام داخل القارة.

(*) انفتاح الرئيس الجابوني على القوى الدولية والإقليمية: نلاحظ على عكس الدول الأخرى التي شهدت توترات سياسية كمالي والنيجر وبوركينا فاسو، لم يقطع النظام الجابوني علاقاته مع القوى الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والاتحاد الأوروبي، بل سعى أنجيما إلى إرسال رسالة طمأنة إلى الشركاء الإقليميين والدوليين. وخلافًا لخطاب العداء لباريس في دول الساحل، بعد أشهر من التوتر السياسي بالجابون، قام أنجيما بزيارة رسمية إلى فرنسا، وأكد على التزامه بخارطة الطريق السياسية. كما تحتفظ الجابون بعلاقات وثيقة مع بكين، لكن أنجيما حافظ على توازن دقيق دون الانزلاق إلى المحور الروسي كما فعلت النيجر ومالي. فهذا الانفتاح الدولي ساهم في تحسين صورة النظام الجديد لدى الاتحاد الإفريقي، ومن ثم رفع العقوبات عن الجابون.

تداعيات القرار

بعد قرار الاتحاد الإفريقي برفع العقوبات عن الجابون، هناك عدة تداعيات، تتمثل أبرزها في:

(*) عودة الجابون إلى المشهد الدبلوماسي والاقتصادي الإفريقي: أتاح قرار الاتحاد الإفريقي للجابون استئناف مشاركتها في القمم والاجتماعات القارية، بدءًا من القمة النصف سنوية المقبلة في يوليو 2025، كما شجع مناخ الاستقرار النسبي على استعادة قنوات التعاون مع الشركاء الدوليين، وفتح الباب أمام استثمارات كانت معلقة في انتظار مآلات الوضع السياسي، فهذا الانخراط مجددًا في المنظومة الإفريقية يعزز موقع الجابون كفاعل اقتصادي وسياسي في وسط القارة.

(*) الضغط على الاتحاد الإفريقي لمراجعة موقفه مع الدول الأخرى: من المحتمل أن يثير القرار تساؤلات حول مصير الدول الأخرى المفروض عليها العقوبات، خاصة أن بعضها قطع أشواطًا في إعادة بناء مؤسسات الدولة، وقد يواجه الاتحاد ضغوطًا متزايدة لمراجعة سياسته تجاه تلك الدول، سواء من داخل القارة أو من شركاء دوليين، ما يفتح الباب أمام احتمال توسع سياسة "المرونة المشروطة" بدلًا من الالتزام الصارم بالنصوص.

(*) التأثير على المعارضة السياسية في الجابون: يمكن أن يؤدي القرار إلى تقوية موقف الحكومة، وهو ما قد يجعل مهمة المعارضة أصعب في المرحلة المقبلة، فالقرار يعطي النظام دعمًا سياسيًا واقتصاديًا، وقد يقلل من فرص المعارضة في الحصول على دعم دولي. كما أن بعض الأطراف قد ترى في هذا القرار دعمًا للنظام الانتقالي، في حين ترى أطراف أخرى أنه لا يغيّر شيئًا حقيقيًا، وأن الإصلاحات ما زالت شكلية ولم تحقق مطالب الشعب بعد، لذا قد يؤدي إلى انقسام داخل المعارضة نفسها بشأن كيفية التعامل مع الوضع الجديد.

ختامًا، يمكن القول إن قرار الاتحاد الإفريقي رفع العقوبات عن الجابون يمثل لحظة سياسية كاشفة؛ لكونها تفتح ملفًا أعمق حول حدود الالتزام الجماعي في القارة بمبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد. وفي ظل هذا المشهد، يبقى مستقبل التجربة الجابونية مرهونًا بقدرة النظام الحالي على إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، فالتحدي الأكبر أمام الجابون يكمن في ترسيخ عقد اجتماعي يُحَصّن البلاد من التوترات السياسية التي يمكن أنا تتعرض لها مرة أخرى، فإما أن تتحول تجربة الجابون إلى نموذج انبعاث ديمقراطي من رحم التوتر السياسي الحادث في 2023 أو تُضاف إلى سجل التحولات الهشة في القارة السمراء.