الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كيف تعاملت قمة الاتحاد الإفريقي الـ37 مع النزاعات في قارة إفريقيا؟

  • مشاركة :
post-title
قمة الاتحاد الإفريقي الـ37 في أديس أبابا - أرشيفية

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

استضافت العاصمة الإثيوبية "أديس أبابا" القمة الـ37 للاتحاد الإفريقي يومي 17 و18 فبراير 2024 تحت شعار "تعليم إفريقي مناسب للقرن الحادي والعشرين: لبناء أنظمة تعليمية مرنة لزيادة الوصول إلى التعلم الشامل مدى الحياة والجودة والملاءمة في إفريقيا"، وتغيب 6 من الأعضاء الـ55 عن القمة، بعدما تم تعليق عضويتها بسبب الإطاحة برؤسائها، إذ انضمت النيجر والجابون إلى الدول المحظورة "مالي، غينيا، السودان، وبوركينا فاسو" عام 2023.

وتتعرض حياة الملايين في القارة السمراء إلى الخطر والتهديد؛ بسبب النزاعات القائمة في منطقتي القرن الإفريقي والبحيرات العُظمى، وعلى الرغم من افتقار الاتحاد الإفريقي للقوة السياسية والمالية، إلا أنه يلعب دورًا مهمًا من خلال تعزيز وجهات النظر الإفريقية في المناقشات العالمية خلال القمم التي تُعقد. فالنزاعات في قارة إفريقيا تتكاثر يومًا بعد يوم، وجاءت قمة الاتحاد الإفريقي الـ37؛ لتضع تلك النزاعات القائمة ضمن أولوياتها كما أعلنت، ومن ثَمَ إعطاء فرصة للدول الأعضاء لوضع أجندة لتحقيق الأمن والسلام للمدنيين الأفارقة.

بُناءً على ذلك، يتطرق هذا التحليل للإجابة عن سؤال: كيف تعاملت قمة الاتحاد الإفريقي الـ37 مع النزاعات القائمة في قارة إفريقيا؟

خريطة النزاعات في القارة الإفريقية
خريطة النزاعات في القارة الإفريقية

انعقدت قمة الاتحاد الإفريقي الـ37 في وقت تنزلق فيه القارة السمراء في الكثير من النزاعات، وتتمثل أبرز تلك النزاعات المطروحة على طاولة القمة في:

(*) النزاع في السودان: لا تزال الحرب الداخلية في السودان تلوح في الأفق، فالنزاع على السلطة بين"الدعم السريع" بقيادة "حميدتي" ، والجيش بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، تتصاعد وتتسع تأثيراتها السلبية على الداخل السوداني، وهو ما أدى إلى نزوح ستة ملايين سوداني منذ أبريل 2023. فالوضع الحالي في السودان لم يكن يبشر بنهاية لتلك الحرب التي أنهكت المدنيين السودانيين. وعليه؛ فإن أزمة السودان تعد من أهم قضايا الأمن الإفريقي في الفترة الراهنة التي تحتاج إلى تدخل من مؤسسات القارة.

(*) النزاع في الداخل الصومالي: مكن استكمال المرحلة الثانية من خروج بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال "أتميس"، حركة الشباب من ارتكاب الجرائم في حق المدنيين. ورغم أن أولوية إدارة "حسن شيخ" رئيس الصومال، هي شن حرب على حركة الشباب حتى هزيمة الجماعة، فإنها تحاول في الوقت نفسه كبح النفوذ الأيديولوجي لحركة شباب المجاهدين، من خلال مشروع طموح لبناء الدولة يتضمن إصلاحات سياسية ومالية وقضائية. وعلى مر السنين قدم الاتحاد الإفريقي المشورة بشأن هذه المواضيع في شكل ورش عمل ومشاورات وخبرة فنية وما شابه ذلك من قبل مبعوث الاتحاد الإفريقي.

(*) النزاع القائم بين الصومال وإثيوبيا: في يناير 2024، أثارت إثيوبيا غضب الصومال؛ لإعلانها أنها أبرمت اتفاقًا مبدئيًا مع منطقة أرض الصومال (صوماليلاند) لإقامة قاعدة بحرية على أراضيها، مقابل اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال أنها دولة مستقلة ذات سيادة، فالنزاع أدى إلي تفاقم التوترات في منطقة مضطربة بالفعل. وبالتزامن مع قمة الاتحاد الإفريقي الـ37، أرسل الاتحاد الإفريقي الرئيس النيجيري السابق "أولوسيجون أوباسانجو" إلى القرن الإفريقي، وقاد مفاوضات بريتوريا للتوسط.

(*) النزاع بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا: تستمر التوترات بين الكونغو الديمقراطية ورواندا؛ بسبب اتهام جيش جمهورية الكونغو الديمقراطية، رواندا باستهداف مطار جوما في شرق البلاد بمسيرات، في سياق معارك دائرة بالمنطقة مع متمردي حركة "إم 23" المدعومة من كيجالي. وفي وقت سابق في يونيو 2023، أطلق الاتحاد الإفريقي عملية رباعية تضم أربع كتل إقليمية شملت الاتحاد الإفريقي و"جماعة شرق إفريقيا، المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا، والمؤتمر الدولي لمنطقة البحيرات الكبرى)، وتم الاجتماع في وقت لاحق من العام بأديس أبابا، لكن لم يصل الاجتماع إلى مخرجات بحلول فعّالة لحل النزاع.

(*) النزاع في منطقة الساحل الأوسط: تدهورت العلاقات بين مالي والجزائر؛ نتيجة اعتراض باماكو على جهود الجزائر للعمل مع شخصيات الطوارق، ما دفع مالي إلى إلغاء اتفاق السلم والمصالحة 2015. ومع احتمالية التصعيد بين مالي والطوارق، وضع الاتحاد الإفريقي هذا النزاع ضمن أولويات النقاش خلال القمة الـ37 في أديس أبابا، ومحاولة القيام بدور الوسيط مع الأطراف الأخرى. أما بالنسبة لدول التحالف الثلاثي "مالي والنيجر وبوركينا فاسو" فإن خروج الدول الثلاث من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس"، ونشوب نزاع بينهم في ظل وجود أرضية مشتركة في عدائهم لفرنسا، تسبب في استغلال الجماعات الجهادية تلك الخطوة؛ من أجل ارتكاب عدد كبير من الجرائم في ظل حُكم العسكرة. أما في بوركينا فاسو، فيسيطر الجهاديون على 50% على الأقل من الأراضي، ونزح أكثر من مليوني شخص، وتحدث عمليات القتل الجماعي بوتيرة مثيرة للغاية في المناطق الريفية من قِبل الجهاديين. لذلك، وعلى الرغم من تعليق عضوية النيجر بسبب الإطاحة برئيسها، إلا أن الاتحاد الإفريقي سعى خلال القمة الـ37 إلى النقاش حول تلك النزاعات الساحلية.

أهم مُخرجات القمة بشأن النزاعات:

كانت النزاعات الإفريقية من أهم مداولات القادة الأفارقة في قمتهم الـ37 بأديس بابا وفق الأجندة المطروحة، فنلاحظ:

(&) بالنسبة إلى النزاع الدائم في السودان: دفع مفوض السلم والأمن بالتنديد وإرسال دعوات لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ودعوات لأطراف الصراع السوداني لضرورة الجلوس والتفاوض؛ لوقف معاناة الشعب السوداني. وأكد بانكول أديوى، مفوض الاتحاد الإفريقي للشؤون السياسية والسلام والأمن، أن الأزمة في السودان تأتي على رأس أولويات الاتحاد الإفريقي، وأن الزعماء الأفارقة يعملون مع "إيجاد" والأمم المتحدة؛ لإيجاد حل للنزاع القائم في السودان، من خلال فريق رفيع المستوى يبدأ عمله فورًا بعد قمة الاتحاد الإفريقي الـ37 بمشاركة جميع أصحاب المصلحة في السودان لإنهاء الحرب.

(&) الهجمات الإرهابية في الصومال وخلافاته مع إثيوبيا: عقّدها اتهام الرئيس الصومالي للسلطات الإثيوبية بمحاولة عرقلة وصوله إلى مقر انعقاد قمة الاتحاد الإفريقي الـ37 في أديس أبابا، وأدت تلك الادعاءات إلى تصعيد التوترات التي كانت متصاعدة بالفعل، بسبب الاتفاق الموقع في رأس السنة بين إثيوبيا ومنطقة أرض الصومال، لكن الحكومة الإثيوبية رفضت الاتهامات التي وجهتها حكومة الصومال بشأن العرقلة المزعومة لرئيسها خلال القمة الـ37 للاتحاد الإفريقي، معتبرة إياها محاولة لجذب انتباه منصات إعلامية محددة، ودعا الاتحاد الإفريقي إلى الحوار لحل هذه القضية، لكن عبدالله جوده بري، الوزير السابق في الحكومة الصومالية، قال إن هذه ليست الخطوة الصحيحة الآن، مؤكدًا أن الحوار جيد دائمًا، لكن يتعين على إثيوبيا التراجع عن الاتفاق حتى يكون الحوار دون شروط، وأضاف أنه لن يقبل أحد بمفاوضات على أساس الضم، فالقضية مُعقدة بسبب اعتماد الصومال على القوات الإثيوبية لتوفير الأمن في الأجزاء الجنوبية الغربية من البلاد.

(&) وفيما يتعلق بالنزاع بين رواندا وجمهورية الكونغو: جلس رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية "فيليكس تشيسكيدي" والرئيس الرواندي "بول كاغامي" على نفس الطاولة على هامش قمة الاتحاد الإفريقي التي اختتمت مؤخرًا، لكن بدلًا من مناقشة الحلول، يقول المطلعون إنه تم تبادل الإهانات. ورفض الرئيس الرواندي"بول كاغامي" أن يغض الطرف عن المأزق الدبلوماسي مع جمهورية الكونغو الديمقراطية، وأخبر الاتحاد الإفريقي أن بلاده لن تتردد ولن تعتذر عن التزامها بحماية أمن مواطنيها، مشيرًا إلى أنه لا فائدة من الجدال مع أولئك الذين كرروا أكاذيبهم لفترة كافية، ويقصد هنا جمهورية الكونغو الديمقراطية، وأن رواندا لا تزال ملتزمة بالسلام من خلال العمليات والآليات الإقليمية القائمة، كما قدم "كاغامي" تقريره كقائد للإصلاح المؤسسي للاتحاد الإفريقي، مشيرًا إلى أنه تم تنشيط صندوق السلام بمساهمات الدول الأعضاء المعبأة بقيمة 400 مليون دولار وهي أعلى مستوى على الإطلاق.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن الزعماء الأفارقة خلال قمة الاتحاد الإفريقي الـ37 في أديس أبابا لم يصلوا إلى مساحات مشتركة متفق عليها، فيما يتعلق بالقضايا الأمنية التي تزعج القارة السمراء، التي تتطور يومًا بعد يوم؛ نتيجة استمرار الصراعات الداخلية في بعض الدول الإفريقية، بالإضافة إلى عنف الجهاديين المسلحين أمثال حركة شباب المجاهدين الصومالية والنزاعات القائمة بين دول الجوار الإفريقي. ولم تتوصل قمة الاتحاد الإفريقي الـ37 إلى حل منطقي للعمل المشترك لحل تلك النزاعات، إلا أن القمة في أديس أبابا يمكن أن تُشكل فرصة للتلميح على الأقل لضرورة التفات العالم إلى تلك النزاعات ومدى خطورتها. فلم تكن تلك المرة الأولى التي واجه فيها الزعماء الأفارقة في الاتحاد الإفريقي قضايا متعلقة بموجة الإطاحات أو هجمات غير دستورية على الديمقراطيات.

يبدو أن الفجوة كبيرة بين الملفات التي أعلن عنها الاتحاد الإفريقي، وبين ما تم النقاش حوله خلال القمة؛ فالحرب في غزة تصدرت المشهد وأخذت حيزًا كبيرًا من النقاش. وركز جدول أعمال الاجتماع بشكل أساسي على قضايا إدارية أقل أهمية كالإصلاحات الهيكلية للاتحاد الإفريقي، وشؤون الميزانية، والمراجعة الداخلية التي كشفت عن حالات شاذة، والتعاون المتعدد الأطراف، والاقتصاد والتجارة، والبرامج والمؤتمرات، والتعليم، والعلوم والتكنولوجيا، وقضايا المساواة بين الجنسين، ونتائج المعرض التجاري الإفريقي الذي عقد في القاهرة، نوفمبر 2023. كما انتقد المراقبون أعمال قمة الاتحاد الإفريقي الـ37؛ بسبب القصور في معالجة الأزمات بالقارة السمراء.