في ظل التصعيد الدبلوماسي الأخير بين الهند وباكستان الذي أسفر عن مقتل 26 شخصًا، تعود إلى الواجهة ذكريات تاريخية مريرة تعود إلى ستين عامًا مضت، عندما كانت الصين لاعبًا أساسيًا في دعم باكستان خلال حرب 1965.
اليوم، ومع تصاعد التوترات مرة أخرى، يرى الخبراء الذين تحدثوا إلى "إنديان إكسبريس" أن التحالف العسكري الوثيق بين بكين وإسلام آباد، والمواقف الصينية المعادية تجاه الهند، تبقى عنصرًا رئيسيًا في تقييم أي مواجهة عسكرية مرتقبة.
إنذار صيني محفوف بالتهديد
تكشف وثائق أرشيف وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، التي رفعت عنها السرية، كيف تدخلت الصين بشكل مباشر خلال حرب 1965. ففي 16 سبتمبر من ذلك العام، أصدرت بكين إنذارًا رسميًا للهند، طالبت فيه بتفكيك كل المنشآت العسكرية على الحدود الصينية ومملكة سيكيم - وهي مملكة انضمت إلى الهند في 1975 كجزء من النظام الفيدرالي للدولة، وأصبحت ولاية تتمتع بحكم محلي- خلال ثلاثة أيام، مهددة بـ "عواقب وخيمة" في حال عدم الاستجابة.
في تلك الفترة، كانت الهند منشغلة بحرب مفتوحة ضد باكستان في جامو وكشمير والبنجاب، بينما كانت الصين تتهمها منذ 1964 ببناء منشآت عسكرية على حدود سيكيم. ووفقًا للوثائق، ارتفع عدد تلك المنشآت، بحسب الصين، من 18 موقعًا في أكتوبر 1964 إلى أكثر من 50 موقعًا بحلول يناير 1965.
الهند من جهتها نفت الاتهامات، واعتبرتها "ذرائع" صينية لتبرير تحركات عسكرية، لكنها شعرت بقلق بالغ من التهديدات القادمة من الشمال، خصوصًا مع تقارير استخباراتية أمريكية حذرت من أن وادي تشومبي يمكن أن يكون ممرًا استراتيجيًا لأي غزو صيني للهند، قد يعزل قواتها في الشرق ويفرض عليها سحب قواتها من الجبهة الباكستانية.
وبحسب تقرير الاستخبارات الأمريكية كان رد الفعل الهندي الفوري يتمثل في طلب عاجل لضمانات من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفيتي. فالهند كانت تدرك أن أي تدخل صيني محدود سيضعها أمام معضلة استراتيجية؛ إما تشتيت قواتها، أو المخاطرة بفتح جبهة جديدة مع خصم شرس.
الجنرال سام مانيكشو، القائد العسكري الهندي في تلك الفترة، أكد أن الشمال كان هادئًا نسبيًا رغم الحشود الصينية. كما أشار إلى أن أكبر التحركات كانت في وادي تشومبي، حيث تمركزت ثلاث فرق صينية، لكنها لم تدخل في اشتباك مباشر مع القوات الهندية.
هل يتكرر سيناريو الأمس؟
في ظل التحالف العسكري الوثيق الحالي بين الصين وباكستان، والدعم الأمريكي المتزايد للهند، يعيد التاريخ نفسه بصيغة أكثر تعقيدًا. الهند اليوم مسلحة بمقاتلات أمريكية متقدمة وطائرات أباتشي، فيما تعتمد باكستان بشكل رئيسي على المقاتلات الصينية J-10C والدبابات المطورة صينيًا. وفي ظل وجود ثلاث قوى نوويا (الهند، باكستان، الصين) متجاورة ومتوترة، فإن أي تصعيد يحمل خطر الانزلاق إلى صدام إقليمي واسع، وربما إلى مواجهة غير مباشرة بين واشنطن وبكين.
ولعل الصدام الجوي الأخير في عام 2019، حين أسقطت باكستان طائرة هندية من طراز ميج-21 باستخدام مقاتلة F-16 أمريكية الصنع، كشفت مدى هشاشة الموقف. فالخطأ في التقدير أو تجاوز الأوامر في مثل هذه البيئة المشحونة قد يؤدي إلى تصعيد كارثي، لا سيما في ظل وجود أسلحة نووية لدى الطرفين، بحسب "نيويورك تايمز".
وتؤكد ليندسي فورد، المسؤولة السابقة في وزارة الدفاع الأمريكية، لـ"نيويورك تايمز" أن مجرد حصول اشتباك محدود يشبه ما حدث في 2019 يحمل مخاطر تصعيد هائلة. ومع تنامي النزعة القومية في البلدين، يصبح احتمال الانزلاق إلى مواجهة شاملة أمرًا واقعيًا ومقلقًا للغاية.
في خضم هذه المعادلة المعقدة، استغلت الولايات المتحدة الهند كشريك في مواجهة الصين، بينما عززت بكين استثماراتها في دعم باكستان ورعايتها مع تزايد تقارب الهند مع الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، تدهورت العلاقات بين الهند والصين في السنوات الأخيرة بسبب المطالبات الإقليمية المتنافسة، مع اندلاع اشتباكات بين الجيشين في بعض الأحيان. ووصلت العلاقات بين أكبر قوتين في العالم، الولايات المتحدة والصين، إلى أدنى مستوياتها مع شن الرئيس ترامب حربًا تجارية ضد بكين.
وبالتالي، ترى "نيويورك تايمز"، أن هذا المزيج القابل للاشتعال يُظهر مدى تعقيد وفوضى التحالفات مع تفكك النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية. يتفاقم هذا التقلب بسبب تاريخ جنوب آسيا الحافل بالمواجهات العسكرية المتكررة، حيث تكون القوات المسلحة على كلا الجانبين عرضة لارتكاب الأخطاء، مما يزيد من خطر خروج التصعيد عن السيطرة.
تشهد العلاقات الصينية الهندية تطورات خطيرة، على مر التاريخ، بسبب الحدود المتنازع عليها بين الجانبين، خاصة وأنه حتى الآن لم يتم ترسيمها بشكل فعلي، وذلك بسبب اختلاف موقف الدولتين بشأن مكانها الحقيقي، وكذلك طولها الفعلي.
وأسفر عدم ترسيم الحدود وغياب الإجماع بشأن مكان خط السيطرة الفعلية إلى تبادل الاتهامات بين البلدين، فضلًا عن اندلاع مواجهات بين الجيشين الصيني والهندي، وصلت إلى حد اندلاع حرب بين الدولتين في عام 1962.