الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

رواندا للمهاجرين والسلفادور للمجرمين.. خطط ترامب لتطهير أمريكا

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

تتخذ الولايات المتحدة خطوات جذرية لإعادة تشكيل خريطة ترحيل المهاجرين والمجرمين المدانين، لا بإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية فحسب، بل بإرسالهم إلى دول أخرى لا تمتّ لهم بصلة، ليس ذلك فقط، بل مقابل "رسوم"، وباتفاقيات مشروطة مع دول ترى في هذه العمليات فرصة اقتصادية، حتى وإن كانت على حساب حقوق الإنسان.

في قلب هذا المشهد المثير للجدل، تبرز دولتا السلفادور، صاحبة السجن الأشد تحصينًا في أمريكا اللاتينية، ورواندا، الدولة الإفريقية الصغيرة التي تتقدّم كمضيفة محتملة للمبعدين من الولايات المتحدة، ضمن استراتيجية أمريكية متنامية للتخلص من عبء الهجرة والإجرام، خارج حدودها.

رواندا على خط الترحيل

أكد وزير الخارجية الرواندي، أوليفييه ندوهونجيري، أن بلاده دخلت مرحلة أولية من المفاوضات مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بشأن استقبال مهاجرين تم ترحيلهم من الأراضي الأمريكية، وفي تصريحات أدلى بها خلال مؤتمر صحفي رسمي، أوضح ندوهونجيري أن هذه الخطوة ليست غريبة عن رواندا، التي سبق أن وقّعت اتفاقًا مشابهًا مع المملكة المتحدة لاستقبال مهاجرين مرحلين، قبل أن يُلغى المشروع بعد تولّي حكومة حزب العمال بقيادة كير ستارمر الحكم في يوليو من العام الماضي.

وأشار الوزير الرواندي إلى أن بلاده تتفهم أهمية هذه الملفات، لا سيما في ضوء التحديات العالمية المتعلقة بالهجرة، وأن الحوار مع واشنطن لا يزال مستمرًا، لكنه شدّد في الوقت ذاته على أنه من المبكر التكهّن بنتائج تلك المحادثات.

الخطوة الأمريكية تأتي عقب تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الشهر الماضي، قال فيها إن الولايات المتحدة "تبحث بنشاط عن دول يمكنها استقبال بعض من أكثر البشر حقارة"، في إشارة واضحة إلى المهاجرين غير النظاميين والمدانين جنائيًا الذين تسعى الإدارة الأمريكية إلى التخلص منهم خارج حدودها.

السلفادور.. سجن مقابل المال

في موازاة هذه المحادثات، برزت السلفادور كأحد أكثر العروض الأمريكية إثارةً للجدل، بعد أن أعلن رئيسها، نجيب بوكيلي، فبراير الماضي، عن استعداد بلاده لاستقبال المجرمين المرحّلين من الولايات المتحدة، بما في ذلك المواطنين الأمريكيين، وإيوائهم في منشآتها السجنية الحديثة، المعروفة بالسجن المركزي الجديد (CECOT)، وذلك مقابل رسوم تدفعها الحكومة الأمريكية.

وأوضح بوكيلي، في بيان رسمي صدر مطلع فبراير الماضي، أن هذا الاتفاق يشكّل "فرصة للولايات المتحدة لتفويض جزء من نظام سجونها إلى السلفادور"، مشيرًا إلى أن هذه الرسوم ستكون منخفضة نسبيًا لواشنطن، لكنها ستوفر دعمًا ماليًا كبيرًا للبنية التحتية السجنية في بلاده.

من جانبه، عبّر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو عن ترحيبه بالعرض السلفادوري، واصفًا إياه بأنه "عرض صداقة غير مسبوق"، معربًا عن امتنان الإدارة الأمريكية للرئيس بوكيلي على "الاستعداد لتحمّل جزء من العبء الأمني العالمي".

السجن المركزي في السلفادور، المعروف اختصارًا باسم CECOT، يُعد من أكثر السجون تحصينًا في العالم، ويمثّل حجر الأساس في حملة بوكيلي ضد العصابات الإجرامية، تصل طاقته الاستيعابية إلى نحو 40 ألف نزيل، وقد افتُتح وسط أجواء دعائية ضخمة صوّرت السجن كقلعة حربية مخصصة لعزل أخطر العناصر الإجرامية.

وفي تقرير نشرته شبكة "بي بي سي" البريطانية، تم تسليط الضوء على الطبيعة القمعية لسياسات بوكيلي، التي وُصفت بأنها "استبدال تدريجي لعنف العصابات بعنف الدولة"، مع تحذيرات من أن استمرار هذه السياسات قد يؤدي إلى تآكل الحقوق الأساسية للمواطنين والسجناء على حدّ سواء.

تصدير للأزمات

منذ توليه منصبه في يناير الماضي، جعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من ملف الهجرة غير النظامية أحد أبرز أولوياته السياسية، فقد تعهّد علنًا بتنفيذ عمليات "ترحيل جماعي" للمهاجرين غير المسجّلين، وتكثيف الرقابة على الحدود، وتبني سياسات هجومية تجاه المهاجرين، خاصة أولئك الذين تورّطوا في جرائم جنائية.

وفي هذا السياق، يُنظر إلى اتفاقيات مثل تلك التي تروّج لها واشنطن مع السلفادور ورواندا، بوصفها أدوات بديلة للتعامل مع الاكتظاظ في السجون الأمريكية، ومحاولة لتجنّب التكاليف الباهظة لإيواء السجناء داخل البلاد، فضلًا عن التخفيف من الضغوط السياسية المتزايدة من قبل التيارات اليمينية المطالبة بتشديد العقوبات على المهاجرين.

لكن هذه السياسات لا تخلو من الجدل، لا سيما فيما يتعلق بالجوانب الأخلاقية والقانونية لترحيل مواطنين أمريكيين أو مقيمين دائمين إلى دول أجنبية، بعضها يُتهم بانتهاك الحقوق الأساسية للمحتجزين.

انتقادات حقوقية

الخطط الأمريكية الجديدة لم تمر مرور الكرام داخل الولايات المتحدة، فقد أعربت منظمات مثل "الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية" (ACLU) عن قلقها من احتمال ترحيل أفراد إلى دول لا تملك سجلات مشرّفة في مجال حقوق الإنسان.

كما أشار حقوقيون إلى أن هذه الاتفاقات قد تفتح الباب لترحيل أفراد لم تُوجّه لهم تهم رسمية داخل الولايات المتحدة، بل وُضعوا قيد الاحتجاز الإداري فقط، ما يعني أنهم قد يصبحون ضحايا لقرارات سياسية أو حسابات أمنية دون محاكمات عادلة.

من جهته، قال المحلل السياسي الأمريكي إيثان شيفر، في حديث إلى شبكة "سي إن إن"، إن "تصدير السجون ليس حلًا جذريًا لمشكلات العدالة الجنائية، بل هو تجميل مؤقت لسياسات داخلية فاشلة، هدفها إرضاء الرأي العام المتذمر من الهجرة والإجرام، دون معالجة الجذور الاجتماعية لهذه الأزمات".

يبدو أن الولايات المتحدة تحاول، من خلال هذه الاتفاقات، توسيع نفوذها الجيوسياسي عبر آليات غير تقليدية، فبدلًا من إرسال مساعدات مشروطة أو تمويل برامج تنموية، تُفضّل واشنطن الآن توقيع صفقات أمنية تعود بالفائدة السياسية المباشرة على الإدارات الحاكمة.