عندما يُوصف رئيس دولة بـ"أروع ديكتاتور في العالم" لا من قِبل خصومه بل من نفسه، فاعلم أنك أمام حالة سياسية خارجة عن المألوف.
نجيب بوكيلة، الرئيس الشاب للسلفادور، يزور واشنطن هذه الأيام ليس من أجل الاقتصاد أو التجارة أو القضايا البيئية، بل ليقدّم عرضًا غير مسبوق، وهو سجون بلاده كمكان لإيواء المهاجرين والمجرمين المرحّلين من الولايات المتحدة، بمن فيهم مواطنون أمريكيون.
وتكتسب شخصية بوكيلة بعدًا دوليًا جديدًا، إذ تتقاطع حملاته ضد العصابات، وتعديلات دستورية مثيرة للريبة، مع مشروع أمريكي لترحيل المهاجرين والمجرمين إلى سجون السلفادور، وحسب موقع "أكسيوس" الأمريكي، فإن في خلفيات تلك الزيارة مصالح تجمع بين زعيمين يعشقان الأضواء ويحتفيان بخرق المألوف.
السلفادور تتحول لمنصة ترحيل
والتقي الرئيس السلفادوري نجيب بوكيلة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وسط تصعيد لافت في عمليات الترحيل التي تنفذها الولايات المتحدة تجاه السلفادور، الدولة الصغيرة الواقعة في قلب أمريكا الوسطى.
بوكيلة، الذي وصف نفسه مرارًا بأنه "أروع ديكتاتور في العالم"، وافق على استقبال مهاجرين ومجرمين تم ترحيلهم من الولايات المتحدة، حيث يتم احتجازهم في نظام سجون معروف بسوء سمعته، في خطوة تعكس مدى متانة التحالف الأمني بينه وبين إدارة ترامب.
وأشاد ترامب بموقف بوكيلة في منشور على منصته "تروث سوشيال"، قائلًا: "هؤلاء البرابرة الآن في عهدة السلفادور وحدها، وهي دولة فخورة وذات سيادة، ومستقبلهم متروك للرئيس بوكيلة وحكومته".
مكافآت سياسية لبوكيلة
تجلّت تداعيات هذه الشراكة الأمنية في قرارات رسمية، فقد قامت وزارة الخارجية الأمريكية، قبيل زيارة بوكيلة، بتعديل تصنيف تحذيرات السفر إلى السلفادور، وخفضته إلى المستوى الأول، و"اتخذ الاحتياطات الاعتيادية"، وبذلك أصبحت السلفادور من الناحية الرسمية أكثر أمانًا للسفر من دول مثل فرنسا والمملكة المتحدة، اللتين تقعان تحت التصنيف الثاني.
هذا التغيير الدبلوماسي لم يمرّ مرور الكرام، بل اعتُبر بمثابة مكافأة سياسية مباشرة لبوكيلة على تعاونه مع السياسات الأمريكية بشأن الترحيل والهجرة.
من هو نجيب بوكيلة؟
ولد نجيب بوكيلة قبل 43 عامًا، وشقّ طريقه إلى عالم السياسة من بوابة العمل المحلي، إذ شغل منصب عمدة مدينة سان سلفادور. وفي عام 2017، طُرد من حزب "جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني" اليساري بسبب خلافات داخلية وانتقاداته المستمرة للقيادة.
وخاض انتخابات الرئاسة عام 2019 مرشحًا مستقلاً عن حزب "غانا" اليميني الوسطي، وحقق فوزًا تاريخيًا، معتمدًا على حملة إعلامية مكثفة، وظّف فيها وسائل التواصل الاجتماعي بشكل غير مسبوق في تاريخ البلاد.
وفي عام 2024، أعيد انتخابه لولاية ثانية بنسبة بلغت 84.7% من الأصوات، بحسب ما ذكرته وكالة "أسوشيتد برس"، رغم أن النتائج النهائية للانتخابات لم تكن قد أُعلنت عند إعلان فوزه.
ديمقراطية منقوصة
منذ تسلّمه الرئاسة، اتبع بوكيلة نهج "الرجل القوي" في الحكم، ففي واقعة مثيرة للجدل، أمر الشرطة والجيش المسلحين باقتحام مبنى الجمعية التشريعية (البرلمان)، في خطوة اعتُبرت ترهيبية، بغرض الضغط على المشرعين لتمرير قانون يتعلق بتمويل قوات الأمن.
كما عمد إلى استخدام أدوات قانونية للهيمنة على السلطة القضائية، حيث قام باستبدال عدد من القضاة وتعيين آخرين موالين لحزبه "أفكار جديدة"، ما أثار انتقادات حادة بشأن تآكل استقلالية القضاء.
ورغم أن دستور السلفادور يحظر الترشح لولاية ثانية متتالية، حصل بوكيلة على "الضوء الأخضر" من المحكمة العليا، التي عُيّن معظم أعضائها من طرف حزبه.
ووفقًا لمجموعة الدفاع عن حقوق الإنسان في مكتب واشنطن لأمريكا اللاتينية، فإن "الشعبية الجارفة" التي يحظى بها بوكيلة ساهمت في الحد من أي ردّ فعل شعبي تجاه هذا التراجع في المعايير الديمقراطية.
قبضة حديدية
يرتبط نجاح بوكيلة الجماهيري بحملته الصارمة ضد العصابات الإجرامية في البلاد، لا سيما عصابتي "إم إس 13" و"ترن دي أراجوا"، ففي عام 2022، أعلن حالة الطوارئ، ومنح الشرطة صلاحيات استثنائية لاعتقال أي مشتبه به دون مذكرة قانونية.
ورغم أن هذه الإجراءات ساهمت في تراجع كبير في معدل الجريمة، إلا أنها أثارت جدلًا واسعًا بشأن انتهاك الحقوق المدنية، وتشير دراسة نشرتها مجلة "تايم" الأمريكية في أغسطس من العام الماضي، إلى أن واحدًا من كل 57 مواطنًا سلفادوريًا كان مسجونًا في ذلك الوقت، في سابقة مثيرة للقلق على المستوى العالمي.
وامتدت العلاقة الخاصة بين بوكيلة وترامب إلى ملف الهجرة، فقد أرسلت إدارة ترامب أكثر من 200 مهاجر إلى مركز سيكوت السلفادوري، وهو أحد أكثر سجون البلاد قسوة، ووفقًا لتقرير بثه برنامج "60 دقيقة" على قناة "سي بي إس"، فإن 75% من هؤلاء لم يكن لديهم أي سجل إجرامي.
وفي وقتٍ سابقٍ من العام الجاري، أعلن السيناتور الجمهوري ماركو روبيو أن بوكيلة عرض استقبال مرحّلين من أي جنسية، واصفًا ذلك بأنه "عمل من أعمال الصداقة غير العادية"، كما عرض احتجاز "مجرمين أمريكيين خطرين"، بمن فيهم حاملو الجنسية الأمريكية والمقيمون القانونيون.
ترحيلات رغم أوامر قضائية
في مارس الماضي، تم ترحيل مهاجرين فنزويليين من تكساس إلى السلفادور؛ رغم صدور أمر قضائي فيدرالي بمنع ذلك، استنادًا إلى "قانون الأعداء الأجانب" الصادر عام 1789، ورغم أن المحكمة العليا الأمريكية قضت بضرورة وقف هذه الرحلات وإعادة المرحلين، فإنها استمرت.
وفي موقف ساخر، علّق بوكيلة على أمر المحكمة بصورة على منصة "X" كتب فيها: "فات الأوان"، وقد أعادت المحكمة العليا مؤخرًا السماح باستخدام القانون ذاته لترحيل المهاجرين، ما يُنذر بعودة حملة الترحيلات على نطاق أوسع.
وأبرزت قضية المواطن السلفادوري كيلمار أرماندو أبريجو جارسيا، الذي كان يقيم في ولاية ماريلاند وتم ترحيله بالخطأ إلى السلفادور، مدى الارتباك القانوني المحيط بهذه السياسات، إذ قضت المحكمة العليا بضرورة تسهيل عودته، لكن إدارة ترامب لم تمتثل للأمر حتى الآن.
وعلّق بوكيلة مجددًا على القضية عبر صورة متحركة لأرنب كرتوني يبدو عليه الارتباك، ما اعتبره الكثيرون تهكّمًا غير مسؤول على قضية تمسّ حياة شخص حُرم من حقه القانوني.
سجون السلفادور في قلب حملة ترامب
أعلن دونالد ترامب أن إدارته ستدرس بشكل جاد إرسال مواطنين أمريكيين مدانين إلى السجون في السلفادور، رغم اعترافه بعدم درايته الكافية بما يقوله القانون الأمريكي في هذا السياق.
ومن جانبها، أوضحت المتحدثة باسم ترامب، كارولين ليفيت، أن هذا التوجه سيكون مقتصرًا على "المجرمين العنيفين الشنيعين الذين انتهكوا قوانين البلاد مرارًا وتكرارًا".