الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

فرص نجاح اتفاق السلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية

  • مشاركة :
post-title
من اليسار إلى اليمين: وزيرة خارجية جمهورية الكونغو الديمقراطية تيريز كاييكوامبا فاجنر، ونظيريها الأمريكي ماركو روبيو، والرواندي أوليفييه ندوهونجيريهي على هامش توقيع إعلان المبادئ في واشنطن، 25 أبريل

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

في تطور دبلوماسي بارز، بدأت رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية في الثاني من مايو 2025، أولى خطوات ترجمة اتفاق واشنطن التاريخي إلى واقع عملي، بصياغة مسودة رسمية لاتفاق سلام يُرتقب أن ينهي عقودًا من العداء والصراع الدموي في قلب إفريقيا.

وجاء هذا التطور بعد توقيع وزيري خارجية البلدين على اتفاق مبدئي في 25 أبريل بواشنطن، بحضور نظيرهما الأمريكي ماركو روبيو، الذي وصف الاتفاق بأنه "خطوة حاسمة نحو الاستقرار الدائم". ويأتي الاتفاق في وقت حرج، إذ يتصاعد العنف في شرق الكونغو، وتتزايد معاناة المدنيين في مناطق مثل كيفو الشمالية، وسط فشل متكرر للمبادرات السابقة، مثل "اتفاق نيروبي" و"عملية لواندا"، في وضع حد للصراع. 

وفي ظل ضغوط دولية وإقليمية متصاعدة، تبرز تساؤلات مشروعة حول مدى قدرة هذا الاتفاق الجديد على الصمود، وما إذا كانت الظروف الراهنة تتيح فعلاً فرصة حقيقية لتحقيق سلام دائم وشامل بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

تأسيسًا على ما تقدم، يسعى التحليل للإجابة عن سؤال: ما فرص نجاح اتفاق السلام بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية الذي بدأ الطرفان صياغته يوم 2 مايو 2025؟

دواعي الاتفاق

يُبرَم اتفاق السلام بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية مدفوعًا بجملة من الأسباب الجوهرية تُمثل تحديات أيضًا، أبرزها:

(*) تصاعُد العنف في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية: منذ يناير 2025، تصاعَد العنف في شرق الكونغو، خاصة بعد سيطرة حركة "إم 23" على مدن إستراتيجية مثل جوما وكافو، التي أدت إلى انسحاب قوات حفظ السلام من جنوب إفريقيا ومالاوي وتنزانيا بعد خسائر بشرية كبيرة، ما كشف فشل الحل العسكري. كما فاقمت الأزمة الإنسانية معاناة المدنيين، إذ تسبب النزاع في مقتل نحو 3 آلاف شخص وتشريد 7 ملايين، بالإضافة إلى حرمان أكثر من 375 ألف طفل من التعليم في كيفو الشمالية، ما جعلهم عُرضة للتجنيد والاستغلال، وهي ظروف ضاغطة ساهمت في دفع الكونغو ورواندا نحو التفاوض والتوصل إلى اتفاق سلام لتجنب الانهيار الكامل.

(*) أزمة الثقة والاتهامات المتبادلة: يأتي اتفاق السلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية، ليضع حدًا لجملة الاتهامات المتبادلة بين البلدين، فخلال العقدين الماضيين، اتسمت العلاقة بين كينشاسا وكيجالي بالتوتر وعدم الثقة، وبلغ الوضع ذروته باتهام الكونغو لرواندا بدعم من حركة "إم 23"، وهذا الاتهام عززته تقارير أممية. وفي المقابل، تبرر رواندا تدخلها الأمني بوجود جماعات متمردة مثل الهوتو في شرق الكونغو؛ لكونها تمثل تهديدًا لأمنها القومي.

ويهدف الاتفاق المزمع إلى كسر هذه الحلقة المفرغة من الاتهامات عبر آلية أمنية تهدف لتحقيق السلام بين البلدين، وفتح الباب أمام بناء الثقة ولو بالحد الأدنى.

(*) الضغوط الدولية ودور الولايات المتحدة الأمريكية: لعبت العاصمة الأمريكية واشنطن دور الوساطة بين رواندا وجمهورية الكونغو ودخلت بثقلها بدافع إستراتيجي مزدوج، لمنع تفاقم الأزمة الإنسانية التي قد تزعزع استقرار وسط إفريقيا، بجانب رغبتها في حماية مصالحها الاقتصادية بالمعادن الحرجة مثل الكوبالت والكولتان التي تنتجها الكونغو بكميات هائلة.

ومع ربط واشنطن السلام بين الطرفين بإطلاق مشروعات استثمارية كبرى، حفّز ذلك الأطراف على الدخول في مفاوضات جادة.

(*) المصالح الاقتصادية والتنافس الدولي: تسعى كلٌ من الكونغو ورواندا إلى جني مكاسب اقتصادية، فنجد رواندا لا تملك منفذًا بحريًا، وتأمل ربط بنيتها التحتية بطرق تجارية جديدة نحو المحيط الأطلسي، بينما تحتاج الكونغو إلى الاستقرار لجذب الاستثمارات في التعدين والطاقة.

كما أن التنافس بين القوى الكبرى، خصوصًا بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، دفَع واشنطن لتسريع جهودها وتقديم تسهيلات اقتصادية مقابل الحل السياسي وإبرام عملية سلام.

أبعاد الاتفاق

يحمل اتفاق السلام بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية أبعادًا استراتيجية متعددة تتجاوز مجرد وقف إطلاق النار، تتمثل في:

مبادئ اتفاق السلام بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية المُعلَن في 25 أبريل 2025

(*) البُعد السياسي والدبلوماسي: يُشكِّل هذا البعد حَجَر الأساس في اتفاق السلام بين البلدين، إذ يؤكد الطرفان الاعتراف المتبادل بالسيادة وسلامة الأراضي، وتُعد هذه الخطوة تحولًا نوعيًا بعد سنوات من الخطاب العدائي والاتهامات المتبادلة، خاصًة في ما يتعلق بدعم الحركات المتمردة، كما أن رعاية الولايات المتحدة الأمريكية لهذا الاتفاق من خلال وزارة خارجيتها منحه شرعية دبلوماسية دولية، كما تظهر مشاركة أطراف إقليمية كالاتحاد الإفريقي ودول مبادرة لواندا ونيروبي رغبة جماعية في نقل الخلاف من ساحة المواجهة إلى مائدة التفاوض، ما يعزز فرص التحول نحو الاستقرار السياسي في منطقة البحيرات العظمى بوساطة أمريكية.

(*) البُعد الأمني: يحمل الاتفاق مضمونًا أمنيًا، كونه يتعامل مع السبب المباشر للنزاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ويسعى الاتفاق لتفكيك تهديد حركة "إم 23"، من خلال تَعهد الطرفين بعدم تقديم أي دعم عسكري مباشر أو غير مباشر للجماعات المسلحة، بالإضافة إلى الالتزام بمكافحة انتشار تلك الجماعات عبر التنسيق الأمني المشترك. 

هذه الإجراءات تمثل محاولة لإعادة فرض السيطرة على المشهد الأمني ومنع انزلاقه إلى حرب إقليمية واسعة، لا سيما أن العديد من الجماعات المسلحة العابرة للحدود تتخذ من شرق الكونغو قاعدة لعملياتها، ما يجعل التنسيق الأمني شرطًا لا غنى عنه لتحقيق الاستقرار والأمن بالمنطقة.

(*) البُعد الاقتصادي والاستثماري: يتجاوز الاتفاق الطابع الأمني ليطرح مقاربة اقتصادية تنموية تُحوِّل مناطق النزاع إلى مساحات إنتاج وربط تجاري، إذ يطرح الاتفاق رؤية شامل لإعادة بناء اقتصادات المنطقة، بالتزام الطرفين بتفعيل أُطر إقليمية قائمة مثل السوق المشتركة لشرق إفريقيا ومجموعة تنمية إفريقيا الجنوبية.

ومن المتوقع أن تُحدِث مشروعات كبرى مثل طريق جوما–كيجالي السريع وخط السكك الحديدية إلى ميناء ماتادي تحولًا في بنية النقل الإقليمي، بخفض التكاليف بنسبة 30% وربط ملايين السكان بالأسواق، وبالنسبة لرواندا، قد يُضاعف المشروع تنافسية صادراتها عبر تسريع الوصول إلى الموانئ. ورغم تَصَدُر شركات صينية لعروض التنفيذ، تثير القروض المرتفعة مخاوف حول استدامة الدين. في المقابل، يشهد القطاع الزراعي انتعاشًا، مع ارتفاع صادرات البن الرواندي وتزايد التبادل الزراعي مع الكونغو بنسبة 25%.

(*) البُعد الاجتماعي: يُولي الاتفاق أهمية خاصة لملف اللاجئين والنازحين داخليًا الذين تجاوز عددهم المليون في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، إذ يلتزم الطرفان بتسهيل عودة آمنة بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، كما يشمل الاتفاق تعاونًا مشتركًا في تطوير الزراعة، ودعم المجتمعات المحلية، وإدارة الموارد الطبيعية؛ بهدف إعادة الحياة إلى المناطق التي دمرتها الحرب. فالاتفاق ينص على دعم عودة السكان النازحين، دون تحديد واضح للمسؤولين عن تهجيرهم، وهو ما يثير الشكوك حول إمكانية التنفيذ الفعلي.

فرص النجاح

رغم التحديات الراهنة، فإن الاتفاق يحمل فرصًا حقيقية للتحول الجيوسياسي والاقتصادي، سواء للبلدين أو لمنطقة البحيرات العظمى، إذا ما تم تنفيذه بإرادة سياسية حقيقية وإشراف دولي جاد، ففي حال التزمت رواندا فعليًا بسحب دعمها لأي جماعات مسلحة، وتفكيك حركة "إم 23" أو دمجها في عملية سياسية، قد يؤدي ذلك إلى خفض التصعيد، ما يسمح بإعادة اللاجئين وعودة الحياة الاقتصادية إلى المناطق المنكوبة.

ومن المتوقع أن تضع الكونغو الديمقراطية ورواندا اللمسات الأخيرة على اتفاقية سلام بوساطة أمريكية في أواخر مايو 2025، بعد تقديم مسودات أولية مطلع الشهر، وتشترط واشنطن إنهاء الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية قبل توقيع السلام، في ظل التزامات استثمارية غربية ضخمة، وتضغط على رواندا لسحب قواتها من شرق الكونغو، مقابل تعهد كينشاسا بمعالجة المخاوف الأمنية الرواندية، تمهيدًا لقمة توقيع محتملة في يونيو 2025 بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

لذا، يُعد اتفاق السلام بين الكونغو ورواندا نقطة تحول تاريخية في منطقة عانت طويلًا من الحروب والتدخلات الخارجية، لكنه ليس نهاية للصراع، بل بداية لمسار معقد يتطلب شفافية، والتزامًا سياسيًا، وشراكة عادلة في تقاسم العوائد الاقتصادية، فالمعادلة واضحة: إذا تم احترام السيادة، ووقف دعم الجماعات المسلحة تحديدًا حركة "إم 23"، وتم إشراك السكان المحليين في التنمية، فإن المنطقة قد تدخل أخيرًا مرحلة الاستقرار والازدهار، أما إذا استمرت التجاوزات، فسيبقى هذا الاتفاق مجرد "وثيقة نوايا" أخرى في أرشيف القارة الإفريقية المضطرب.

ختامًا، يمكن القول إن مستقبل اتفاق السلام بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية مُحاطٌ بالتحديات والآمال في آنٍ واحد، فنجاح هذا الاتفاق يعتمد بشكل كبير على التنفيذ الفعلي للالتزامات من الطرفين، فضلًا عن قدرة المجتمع الدولي -تحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية- على مراقبة ودعم عملية السلام، فبينما تُعد هذه المبادرة خطوة إيجابية نحو إنهاء عقود من الصراع الدامي بين كينشاسا وكيجالي، لا يزال الطريق إلى السلام محفوفًا بالمخاطر، إذ لا تقتصر الصعوبات على التوترات التاريخية العميقة بين البلدين، بل تشمل أيضًا المسائل الأمنية المتعلقة بالجماعات المتمردة والتأثيرات الإقليمية التي قد تعرقل تنفيذ بنود الاتفاق، لكن يبقى إحياء النسيج الاجتماعي والاقتصادي في شرق الكونغو بمساعدة رواندية دولية، اختبارًا حقيقيًا لصدق النوايا في ترجمة الاتفاق من بنود مكتوبة إلى واقع ملموس.