الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

لماذا تستهدف ميليشيا "كوديكو" المدنيين في الكونغو الديمقراطية؟

  • مشاركة :
post-title
أكثر من 51 قتيلاً على يد ميليشيا كوديكو في جمهورية الكونغو الديمقراطية

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

في تطور مأساوي هزَّ شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، كشف زعيم قرية ومشروع ومسؤول في جمعية مدنية يوم الثلاثاء 11 فبراير 2025 عن ارتكاب ميليشيا "كوديكو" المتشددة مجزرة وحشية في عدة قرى بمنطقة دجيبة، ما أسفر عن مقتل أكثر من 51 مدنيًا مع توقعات بارتفاع حصيلة الضحايا، وتُعَدُّ "كوديكو" جزءًا من الصراع الدموي المستمر منذ عام 2017، حيث تسعى الميليشيا إلى الدفاع عن مصلحة مجموعة "ليندو" ضد "هيما" الرعوية، في إطار صراع قَبَلي معقد. ولم تكن الهجمات الأخيرة مجرد اعتداء عشوائي، بل تأتي ضمن استراتيجية أوسع تستهدف تعزيز نفوذ "كوديكو" وتوسيع سيطرتها على الأراضي والموارد الطبيعية في إقليم إيتوري. ومع تصاعُد المواجهات بين ميليشيا "كوديكو" وميليشيا "زائير" ووجود تداخُل مع حركة 23 مارس (M23)، تزداد حدة الفوضى وتنغمس المنطقة في المزيد من انعدام الأمن، ما يساهم في تعميق الأزمة إنسانيًا واقتصاديًا في المنطقة برمتها.

يطرح هذا التصعيد تساؤلًا: هل تنبع هذه الهجمات الممنهجة من منطلقات فكرية حقيقية، أم أن ميليشيا "كوديكو" تستخف بشعارات الدفاع عن "ليندو" لتبرير القتل العشوائي المروع؟

ميليشيا "كوديكو" في جمهورية الكونغو الديمقراطية
دلالات متعددة

تزايد استهداف ميليشيا "كوديكو" المدنيين في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية من خلال تنفيذ عمليات وهجمات عنيفة -تشمل القتل الجماعي، وحرق المنازل، وقطع الرؤوس- ومن المُلاحَظ تشابُه العمليات المرتكبة في أسلوب التنفيذ، إذ تتركز على المناطق السكنية المكتظة بالمدنيين، مثل القرى ومخيمات النازحين بالداخل، ما يثير القلق من إمكانية توسع هذه العمليات لتشمل مناطق استراتيجية أخرى، وأهم هذه الدلالات:

سلسلة عمليات ميليشيا كوديكو ضد المدنيين في جمهورية الكونغو الديمقراطية

(&) تراجع دور الدولة: يكشف الهجوم عن الفجوة الكبيرة بين القوات العسكرية المحلية -بما في ذلك الجنود الكونغوليون، والقوات الأمنية- عن تراجع دور الدولة في التعامل الأمني مع الميليشيات، وهذا ما يعكس عدم توفير الحماية الكاملة للمدنيين وفرض الأمن بالمناطق النائية، ومن ثم السماح لـ"كوديكو" بفرض ما يتماشى مع مصالحها، حتى وإن كانت على حساب المدنيين الكونغوليين.

فعلى سبيل المثال، منذ إعلان حالة الحصار في إيتوري في مايو 2021، حاولت إدارة "جوني لوبويا" التأثير على "كوديكو" لوقف الهجمات، إلا أن هذا أدى إلى انقسامها إلى فصائل متطرفة، ما زاد تعقيد الوضع الأمني، ورغم موافقة بعض الفصائل على نزع السلاح، استمرت الفصائل المتطرفة في هجماتها الوحشية ضد المدنيين، متحديةً سلطة الدولة، وفي وقت كانت الحكومة تنظم محادثات سلام في نيروبي عام 2022، استمرت "كوديكو" في عملياتها التخريبية بلا هوادة دون أن تظهر الحكومة أي ردَّ فعل حازم.

(&) تراجع دور المجتمع الدولي في مناطق الصراع وعدم التدخُل الفوري بين المتنازعين : تكشف الهجمات عن تراجع دور القوات الدولية، مثل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (مونوسكو)، في حماية المدنيين بشكل فعّال وسريع، ما يعكس عوائق لوجستية أو سياسية قد تمنع القوات الدولة من اتخاذ إجراءات فورية، ويتضح التناقض بين التصريحات الدولية الداعية لحماية المدنيين والواقع على الأرض الكونغولية، ما يؤدي لزيادة الانتقادات من قِبَل المنظمات الإنسانية والدول الغربية، ويضع المزيد من الضغط على الأمم المتحدة وحلفائها لتقديم حلول فعالة لمواجهة هذه الأزمة.

ففي يوم الخميس 13 فبراير 2025، صرَّحت بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية (MONUSCO)، خلال بيان رسمي لها، بأنه على الرغم من نشر قوات حفظ السلام لمواجهة الهجوم، إلا أن تأخر استجابة هذه القوات كان نتيجة استخدام المسلحين للأسلحة البيضاء بدلًا من الأسلحة النارية، ما أتاح لهم تنفيذ هجومهم دون مواجهة فورية من قبل القوات الدولية.

(&) استدامة العنف في المنطقة: يعزز الهجوم من استمرار دورة العنف في المنطقة، وتتسبب الهجمات التي تستهدف المدنيين في مزيد من الاحتقان، وتؤدي إلى ردود فعل عنيفة من الأطراف المتضررة، ما يساهم في تصعيد الصراع وصعوبة إيجاد حلول سليمة للأزمة، وقد تُشجِّع "كوديكو" الجماعات المسلحة الأخرى على اتباع نفس الأسلوب، فعندما يرى مقاتلو الجماعات الأخرى أنه لا يوجد ردع كافٍ أو محاسبة على مثل هذه الأعمال، قد يأخذون الهجوم على المدنيين كتكتيك فعّال في صراعاتهم.

دوافع الاستهداف

تتعدد وتتنوع دوافع استهداف ميليشيا "كوديكو" المدنيين في شرق الكونغو الديمقراطية، ويمكن توضيحها على النحو التالي:

(&) استعراض القوة: تسعى "كوديكو" لتحقيق نوع من الضغط السياسي على الحكومة الكونغولية وتحديها، لاعتبارات منها عدم قدرة الحكومة على حماية المواطنين أو تنفيذ سياسات تناسب مصالح "كوديكو"، ويُعد استهداف المدنيين بمثابة استعراض لقوة وقدرة "كوديكو" على السيطرة على مناطق معينة لزيادة نفوذها السياسي، ومن ثم جذب الانتباه الدولي إلى نزاعها؛ حتى تتيح فرصة حدوث تدخلات دبلوماسية أو سياسية تساهم في تحسين موقفها في المفاوضات المستقبلية.

(&) توسيع سيطرة الميليشيا على الأرض: تسعى "كوديكو" إلى توسيع المساحة التي تسيطر عليها وتتحرك فيها، وهو ما يؤدي إلى صعوبة عمل المنظمات الإنسانية التي تحاول تقديم يد العون للمدنيين الكونغوليين، فالهجوم على مخيمات النازحين جزء من استراتيجية "كوديكو" لإضعاف وجود المخيمات الإنسانية، ومن ثم توسيع دائرة النفوذ الناجم عنه التشتت والتمزق المجتمعي، مما يسهل على الميليشيا السيطرة على مناطق جديدة بزيادة حجم النزوح باستسلام المدنيين لأوامر المدنيين بدلًا من المقاومة، نتيجة زرع الفتنة والاضطرابات الاجتماعية التي تضعف الروح المعنوية للكونغوليين.

(&) دافع أيديولوجي: هناك دافع ديني تتبناه ميليشيا "كوديكو"، يقودها إلى تنفيذ هجمات ضد المدنيين المختلفين معها في المعتقدات والقيم، فتحقيق تلك الأهداف العقائدية يتم عبر الاستهداف المنهجي للمجتمعات التي لا تتبنى هذه العقيدة، مما يعزز من الاستقطاب الاجتماعي ويعمق الفجوات بين الجماعات المختلفة، مثل زائير، ما يزيد من تعقيد جهود المصالحة والسلامة بالمنطقة.

(&) التحَكُّم في الموارد الطبيعية: تسعى "كوديكو" للسيطرة على الموارد الطبيعية مثل الذهب والنفط تحديدًا في منطقة إيتوري الاستراتيجية شرقي الكونغو، وتصبح الهجمات على المدنيين جزءًا من استراتيجيتها، ناهيك عن رغبتها في تفكيك المجتمع الكونغولي المحلي، وتحقيق السيطرة على الأراضي دون معارضة، ما يخلق نوعًا من تفكيك الروابط بين السكان المحليين، ومن ثم سهولة بسط النفوذ والسيطرة.

(&) الانتقام الإثني: تشهد منطقة إيتوري جملة توترات بين جماعات إثنية مختلفة، حيث تعمل أكثر من 120 ميليشيا وجماعة مسلحة بنشاط في مقاطعات إيتوري وشمال كيفو وجنوب كيفو وتنجانيقا، ما يدفع "كوديكو" لاستهداف المدنيين المنتمين إلى مجموعات إثنية منافسة، فالهجمات قد تكون مدفوعة برغبة في الانتقام من جماعات بعينها على خلفية تاريخ طويل من النزاعات الإثنية، بما يضر المجتمعات برمتها.

ختامًا، يمكن القول إن الهجوم الأخير لميليشيا "كوديكو" الواقع شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية ليس مجرد حادث فردي، بل هو تجسيد لعنف مروع يهدد أُسس الإنسانية والأمن الإقليمي. وتفضح هذه الهجمات الوحشية عجز الدولة الكونغولية والمجتمع الدولي عن تقديم الحماية الفعّالة للمجتمعات المحلية، فيما تزداد معاناة المدنيين وتتصاعد دائرة العنف، ما يجعل الاستقرار الإقليمي في مَهَب الريح. فالهجمات الممنهجة التي تشنها ميليشيا "كوديكو" لا تنبع من منطلقات فكرية حقيقية، بل تُستخدم شعارات الدفاع عن "ليندو" لتبرير القتل العشوائي والتدمير. هذه الهجمات تعكس سعيًا لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية على حساب أرواح المدنيين الأبرياء، دون أي اعتبار للمبادئ الإنسانية.