الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

خسائر تقديرية.. ما حجم التكلفة الاقتصادية في حال اندلعت حرب بين الهند وباكستان؟

  • مشاركة :
post-title
التوتر بين الهند وباكستان

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

في 22 أبريل الجاري، أطلق مسلحون النار على مجموعة من السائحين في الشطر الهندي من كشمير، وقد وصفت السُلطات الهندية هذا الهجوم الذي استهدف المدنيين بأنه الأسوأ منذ سنوات، حيث ترتب على هذا الهجوم تصاعد التوترات بين الهند وباكستان بشكل كبير، وهو الأمر الذي جعل التساؤلات تدور حول حجم الخسائر الاقتصادية إذا اندلعت حرب مُنظمة بين الهند وباكستان.

وتأسيسًا على ما سبق، يُحاول هذا التحليل الإجابة عن سؤال رئيسي وهو: ماذا لو حدثت الحرب بين الهند وباكستان؟، فضلًا عن معرفة السيناريوهات المُحتملة للوضع الحالي.

الأهمية الاقتصادية لمنطقة جنوب آسيا
خسائر مُحتملة

يُمكن التعرف على حجم الخسائر الاقتصادية إذا قامت حرب بين الهند وباكستان بالقياس على التوترات السابقة، وذلك على النحو التالي:

(-) تدهور العلاقات التجارية: في أعقاب حادثة بلواما الإرهابية في عام 2019، تدهورت العلاقات التجارية بين الهند وباكستان بشكل ملحوظ، إذ أفادت هيئة الاستثمار الهندية أن حجم التجارة انخفض من 3 مليارات دولار في عام 2018 إلى 1.2 مليار دولار في عام 2024.

وبعد هجوم باهالجام في أبريل 2025، توصل اتحاد تجار عموم الهند (CAIT) إلى اتفاق بالإجماع لوقف التجارة تمامًا مع باكستان، وذلك خلال اجتماع مجلس الإدارة الوطني في بوبانسوار، والذي شهد مشاركة أكثر من 200 قائد تجاري مؤثر.

وبالإضافة إلى ذلك، كشف مسؤولو الأعمال الباكستاني (PBF) أن الهند ستتكبد خسائر تجارية تُقدر بحوالي 1.14 مليار دولار أمريكي بسبب القيود المفروضة على استخدام الأراضي الباكستانية للأنشطة التجارية. وبخلاف ذلك، ستتكبد الهند خسائر تجارية إضافية من تعطُّل حركة البضائع العابرة من الهند إلى أفغانستان، التي تُقدر بحوالي 640 مليون دولار أمريكي سنويًا، مما يُفاقم الخسائر التجارية للهند.

وفقًا للشكل (1)، يتضح أن عام 2024 شهد انطلاقة للصادرات الهندية إلى باكستان، إذ بلغت 1.18 مليار دولار، بالمقارنة بـ 523 مليون دولار في عام 2023، ولكن إذا قامت حرب مفتوحة بين باكستان والهند، ستخسر الهند إجمالي قيمة الصادرات إلى باكستان، أي بنسبة 0.03% من الناتج المحلي الإجمالي الهندي.

الشكل (1) يوضح صادرات الهند إلى باكستان خلال الفترة من 2013 إلى 2024- المصدر: منظمة التجارة العالمية

وعلى الجانب الآخر، تنخفض درجة الخسائر التجارية المباشرة لباكستان في علاقتها مع الهند؛ نظرًا لضعف حجم صادراتها إليها. ومنذ عام 2019، انخفض حجم صادرات باكستان إلى الهند بشكل كبير، إذ سجل 66.3 مليون دولار في هذا العام، بالمقارنة بـ 383 مليون دولار في عام 2018.

واستمر هذا الحجم في الانخفاض حتى بلغ 16.6 ألف دولار في عام 2024. ولكن على الجانب الآخر، ستتأثر تجارة باكستان مع الدول الأخرى في ظل عدم الاستقرار الحالي.

وعلى مستوى منطقة جنوب آسيا، يُمكن القول إن المنطقة ستشهد انعدام مستويات التجارة البينية في حالة قيام حرب مُنظمة بين الهند وباكستان، خاصة أن مستوى التجارة كان بطيئًا في العامين الماضيين، إذ سجل نسبًا تتراوح بين 6 إلى 8%، مما جعلها أقل مناطق العالم تكاملًا اقتصاديًا.

(-) خسائر في القطاع السياحي: في ظل موسم الذروة في السياحة، تعرضت منطقة باهالجام إلى إلغاء الحجوزات بنسبة من 80 إلى 90% من رحلات الأيام القادمة، وهو الأمر الذي تكبدت عليه الهند خسائر مالية كبيرة.

الهند تعتمد على السياحة بشكل كبير، فوفقًا لبيانات وزارة السياحة، سجلت الهند 18.89 مليون سائح دولي في عام 2023، بالإضافة إلى 2.5 مليار زيارة سياحية محلية، إذ حققت إيرادات قدرها 2.32 تريليون روبية، فحصتها في المشهد السياحي العالمي تبلغ 1.45%، كما تُساهم بنسبة 2.1% في إيرادات السياحة العالمية.

وفي هذا السياق، ستخسر الهند جزءًا كبيرًا من هذه الإيرادات، إن لم تكن ستخسرها بالكامل في حالة اندلاع حرب مفتوحة مع باكستان، وهو الأمر الذي سيؤثر على ناتجها المحلي الإجمالي بشكل كبير.

(-) تراجع الاستثمارات المختلفة: تظل العلاقة الطردية بين مستوى الاستقرار وحجم الاستثمارات داخل الدولة هي المُحدد الرئيسي لقدرة الدولة على جذبها، فالتوتر القائم بين باكستان والهند سيُلقي بظلاله على معدلات الاستثمار في الدولتين، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة.

بعد اندلاع الهجوم الإرهابي في كشمير، سادت حالة من الحذر التي سيطرت على معنويات المستثمرين، الذين قاموا بعمليات جني الأرباح، الأمر الذي أدى إلى انخفاض مؤشرات البورصة الهندية بشكل حاد، وهو الأمر الذي حدث أيضًا في باكستان، وفي حال استمرار التوترات الهندية الباكستانية وتصاعد المناوشات على الحدود، قد يشهد السوق الاستثماري مزيدًا من التراجع.

سيناريوهات متوقعة

إن السيناريوهات المتوقعة للأزمة بين باكستان والهند، وتكلفة كل سيناريو تتضح في الجدول (1):

الجدول (1) يوضح تكلفة السيناريوهات المختلفة للأزمة بين باكستان والهند

(-) اشتباكات محدودة: يندرج هذا السيناريو تحت مبدأ الحفاظ على المصالح، خاصة المصالح الاقتصادية في المقام الأول، فالهند لديها طموحات اقتصادية كبيرة تسعى إلى تحقيقها في ظل تنافسها الكبير مع الصين باعتبارهما قوى اقتصادية لا يُستهان بها في النظام العالمي، كما أنه وفقًا لأحدث تقرير عن حالة القوى النووية العالمية، فإن الهند تمتلك نحو 80 رأسًا نوويًا، بينما تمتلك باكستان نحو 170 رأسًا نوويًا، فامتلاك الطرفين لسلاح نووي سيجعل قرار الحرب له ضوابط هامة، وهو ما يتضح من الأزمات السابقة بين الطرفين بعد امتلاك هذا السلاح، أنها كانت عابرة لا ترقي إلى مستويات الحرب المنظمة.

وعلى الجانب الآخر، تستفيد باكستان اقتصاديًا بشكل كبير من مبادرة الحزام والطريق (ممر الصين – باكستان)، التي تطلب استقرارها حتى ترتفع درجة استفادتها من هذه المبادرة.

وفي ضوء ذلك ووفقًا للجدول (1)، يُمكن القول إن الخسائر الاقتصادية التي تعود على كل من الهند وباكستان تُقدر بنحو 10 مليارات دولار للهند و5 مليارات دولار لباكستان، كما أن التأثير عالميًا وإقليميًا سيكون محدودًا.

(-) اجتياحات برية: يُعد هذا السيناريو تطورًا تدريجيًا للأزمة بين باكستان والهند، فتعليق الهند مشاركتها في معاهدة مياه نهرا السند يُثير الجانب الباكستاني بشكل كبير، فالقطاع الزراعي في باكستان يعتمد على مياه نهرا السند بنسبة 80% أي قرابة 15 مليون هكتار، كما أن باكستان تواجه تحديات متعددة في ملف المياه بسبب ارتفاع ملوحة الأرض الزراعية والقدرة المحدودة على تخزين المياه، وهو الأمر الذي يوضح أنها ستواجه أزمات غذائية في حالة تعنت الهند في الاتفاقية.

وفي ظل هذا السيناريو، ستتحمل الهند خسائر اقتصادية تتراوح من 100 مليار دولار إلى 250 مليار دولار، كما ستتراوح خسارة باكستان من 50 مليار دولار إلى 100 مليار دولار، وسيتأثر سوق البورصات في منطقة جنوب آسيا بشكل كبير، إذ ستنهار بورصة بومباي في الهند وبورصة كراتشي في باكستان، فقد انخفض مؤشر KSE-100 بنسبة 1.81% بعد اندلاع الهجوم، وبالإضافة إلى ذلك، ستتوقف التجارة بين الهند وباكستان.

(-) ضربات نووية: يُعتبر هذا السيناريو هو الأسوأ للأزمة بين الهند وباكستان، وفي حالة حدوثه، سيُعبر عن عدم رشادة في القرارات الهندية والباكستانية، كما سينم عن فشل النظام الدولي في احتواء الأزمة في منطقة جنوب آسيا، خاصة أن هناك العديد من المصالح التي تتطلب استقرار هذه المنطقة، فالولايات المتحدة الأمريكية لها علاقات كبيرة مع الهند، إذ استوردت ما قيمته 91.2 مليار دولار في عام 2024، كما استوردت 1.45 مليون برميل من النفط الخام في يناير 2025.

وفي هذا الإطار، سيترتب على هذا السيناريو انهيار اقتصادي تام للهند وباكستان، وحدوث مجاعات في منطقة جنوب آسيا، ولجوء عدد كبير من الهنود والباكستانيين إلى الدول المختلفة. هذا فضلًا عن انهيار أسواق الأسهم، والتأثر السلبي الكبير للدول المجاورة، وهو ما يجعله سيناريو مستبعدًا للأزمة.

وفي النهاية، يُمكن القول إن الأزمة الحالية بين الهند وباكستان ستنعكس آثارها على العالم أجمع، وهو الأمر الذي يوحي بخطورة تصاعدها، فتحول هذه المناوشات إلى حرب مفتوحة سيُحمّل كُلًا من الدولتين خسائر اقتصادية هائلة، كما أنه سيزيد من الصدمات التي يتعرض لها النظام الاقتصادي العالمي، ومن هنا يتطلب الأمر مزيدًا من الحكمة السياسية في إدارة الأزمة في منطقة جنوب آسيا، فضلاً عن ضرورة قيام المجتمع الدولي بدور فعال نحو حيلولة تفاقم هذه الأزمة.