الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

دلالات صعود مكانة الهند دوليًا

  • مشاركة :
post-title
رئيس وزراء الهند في اجتماعات قمة العشرين

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

نجحت الهند منذ بداية عام 2023 في تحقيق العديد من الإنجازات الكاشفة عن تنامي مكانتها على المستوى الدولي، كان أبرزها ما يمكن وصفه بالثلاثية الهندية وهي: وصول مركبتها الفضائية لأول مرة إلى سطح القمر أغسطس 2023، وتجاوز عدد سكانها في إبريل 2023 عدد سكان الصين لتصبح بذلك أكبر دولة من حيث عدد السكان على مستوى العالم، ونجاح الاقتصاد الهندي في إزاحة الاقتصاد البريطاني ليحتل مكانه المرتبة الخامسة، ولتصبح الهند من أقوى خمسة اقتصادات على المستوى الدولي.

مؤشرات كاشفة

هناك العديد من المؤشرات التي تعكس صعود مكانة الهند على المستوى الدولي، التي يمكن الإشارة إلى أبرزها في العناصر التالية:

(*) المقومات البشرية: أضحت الهند منذ إبريل 2023 الدولة الأكبر على مستوى العالم من حيث عدد السكان، ليصل تعدادها إلى 1.427 مليار نسمة لتحتل المرتبة الأولى عالميًا وتتخطى الصين التي يقدر عدد سكانها بـ1.425 مليار نسمة، كما تمتلك الهند أكبر جالية منتشرة في جميع دول العالم تقدر بنحو 25 مليون صيني. وتشكل تحويلات الهنود المنتشرين في جميع أنحاء العالم دعمًا للاقتصاد الهندي، ووفقًا لتقرير البنك الدولي عن الهجرة والتنمية خلال عام 2022، فإن الهند نجحت في تحقيق رقم قياسي من تحويلات العاملين بالخارج بلغ 100 مليار دولار جعل ترتيبها الأول عالميًا، وزادت تحويلات عامليها في الخارج لتقترب من 12% مقارنة بنمو 7.5% في عام 2021 عندما بلغت تحويلات المهاجرين إلى وطنهم 89.4 مليار دولار.

(*) صعود الاقتصاد الهندي: تشير التوقعات الاقتصادية للنمو العالمي إلى أن الهند في عام 2050 ستكون قطبًا مؤثرًا على الساحة الاقتصادية الدولية، لكنها ستظل بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين والاتحاد الأوروبي مع احتمالية تفوقها على اليابان والبرازيل وروسيا، ومن المحتمل أن تتخطى ألمانيا في الناتج المحلي الإجمالي عام 2025 واليابان 2027 لتصبح ثالث أكبر اقتصاد بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين.

(*) وصول الهند إلى سطح القمر: بعد أربع سنوات من المحاولات المستمرة نجحت مركبة فضائية هندية في أغسطس 2023 في الوصول لسطح القمر، لتنضم إلى صفوف الدول المتقدمة التي نجحت في الوصول إلى سطح القمر وهي: الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا والصين، الأمر الذي وصفه رئيس الوزراء ناريندرا مودي بأنه "حدث تاريخي"، فيما وصفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال تهنئته لمودي بـ"خطوة كبيرة إلى الأمام في استكشاف الفضاء الخارجي، وبالطبع شهادة على التقدم المثير للإعجاب الذي حققته الهند في مجالات العلوم والتكنولوجيا"، كما أشادت الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الإنجاز، ووصفه مستشار الأمن القومي جاك سوليفان بأنه "هبوط تاريخي على سطح القمر".

(*) تبني قضايا الجنوب العالمي: سعت الهند إلى تعزيز مكانتها الدولية من خلال تبنيها لقضايا الجنوب العالمي، وذلك من خلال دعم أصوات دول الجنوب فى المحافل الدولية، وقد عقدت الهند مطلع عام 2023 قمة لهذا الغرض جاءت تحت عنوان قمة "صوت الجنوب العالمي"، شاركت فيها أكثر من 120 دولة، كما أيدت الهند خلال قمة بريكس توسيع عضوية المجموعة التي انضمت إليها ست دول هي: مصر، والسعودية، والإمارات، وإيران، والأرجنتين، وإثيوبيا، بهدف تبني المجموعة لسياسات اقتصاية على المستوى الدولي أكثر عدلًا وتمثيلًا لكافة الدول بدلًا من الهيمنة الاقتصادية للمنظومة الغربية على مراكز صنع القرار الاقتصادي على المستوى العالمي، وهو ما عبّر عنه رئيس الوزراء بأن الهند اختارت شعار "أرض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد" عنوانًا لفترة رئاستها لمجموعة العشرين خلال عام 2023 وهو ما يمكنها من التعبير عن صوت الجنوب العالمي، ودعا قادة دول الجنوب إلى إعادة صياغة النظام السياسي والمالي العالمي من خلال التعاون المتبادل والجهود المشتركة لضمان ألا تظل ثمار التنمية بعيدة عن متناول المواطنين في البلدان النامية.

عوامل داعمة

هناك العديد من العوامل التي أسهمت في دعم التجربة الهندية لتصل إلى تلك المكانة على المستوى الدولي لعل أبرزها:

بروز إسم "بهارات" البديل للهند

(&) زعامة مودي: قبل توليه رئاسة وزراء الهند، شغل ناريندرا مودي منصب رئيس وزراء ولاية جوجارات (من 2001 حتى 2014)، وقدم نفسه بوصفه مخلصًا للفقراء ونموذجًا للشباب الهندي الطامح إلى تحسين أوضاعه المعيشية، فهو يتمتع بفنون الخطابة، ويقدم نفسه بوصفه السياسي العصامي الذي تحول من فتى فقير يساعد والده بائع الشاي إلى أحد أبرز القيادات الهندية شعبيةً بعدما نجح حزب "بهاراتيا جاناتا" الذي يقوده في عام 2014 في الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان، لينهي هيمنة حزب المؤتمر على الساحة السياسية الهندية منذ الاستقلال في عام 1947، واتبع ذلك سيطرته على المجالس المحلية حتى مايو 2018 من خلال هيمنته على 21 ولاية من أصل 29 ولاية هندية تراجعت فى انتخابات المحليات التي أجريت في 2018 ، التي شهدت تقلص سيطرة الحزب الحاكم إلى 16 ولاية .

(&) تبني الدبلوماسية المتوازنة: تماشيًا مع خدمة التنمية الهندية ارتكزت سياسة مودي الخارجية على إقامة شراكات اقتصادية مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وروسيا، فضلًا عن تبني سياسة العمل تجاه الشرق مع دول جنوب شرق آسيا في ظل الروابط الثقافية والمصالح المشتركة الداعمة لتجنب النزاعات الإقليمية، للحفاظ على استقرار المنطقة.

ونجحت الهند في صياغة مكانتها الدولية من خلال إقامة علاقات متوازنة مع القوى الكبرى والمتنافسة على إعادة صياغة النظام الدولي، والتحول من النظام أحادي القطبية إلى نظام متعدد الأقطاب، وإذا كانت دبلوماسيتها أقرب إلى تبني نهج النظام متعدد الاقطاب، إلا أنها نجحت في صياغة علاقاتها على أسس أكثر توازنًا تجلى في موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية، وذلك من خلال الحفاظ على علاقات شراكة اقتصادية مع روسيا التي تمدها بالسلاح والطاقة، مع الاستمرار في علاقات تحالف استراتيجي مع الدول الغربية في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى من خلال توثيق علاقاتها بالهند، لمحاصرة واحتواء الصعود الصيني، وتحويل الهند إلى مصنع العالم بدلًا من الصين.

(&) الإصلاح الاقتصادي: ساهمت الإصلاحات الاقتصادية التي تبنتها حكومة مودي في تعزيز النمو الاقتصادي تجعل من الهند ثالث أكبر اقتصاد في آسيا بعد الصين واليابان، بحسب بيانات صندوق النقد الدولي. وقامت استراتيجية مودي على التحول في ولايته الأولى منذ 2014 من مناصر لاقتصاد السوق الحر إلى داعم لتأسيس قطاع عام حكومي في ولايته الثانية التي بدأت منذ 2019 مع التوسع في مشاريع البني التحتية مثل توصيل الغاز الطبيعي ورصف الطرق وتطوير شبكات المياه والكهرباء. كما تبنت الحكومة برئاسة مودي برنامج الهند الرقمية، الذي يهدف إلى تحويل الهند إلى اقتصاد المعرفة. وانعكس ذلك بشكل مباشر على نمو مطرد في سوق البرمجيات الهندي الذي أضحى ينافس في أسواق الدول المتقدمة، لا سيما وأن قطاع تكنولوجيا المعلومات نمى بنسبة 2% لتصل قيمته 194 مليار دولار واستقطب 138 ألف موظف خلال عام 2020، فضلًا عن تولي عدد من ذوي الأصول الهندية لمناصب رفيعة في كبرى الشركات التكنولوجية العالمية مثل جوجل ومايكروسوفت وأي بي إم، يضاف إلى ذلك إطلاق مبادرات لتطوير قطاع التصنيع في الهند، الذي يسهم بنسبة 14% من الناتج المحلي الإجمالي.

(&) القوة الناعمة الهندية: تعد الهند من أوائل الدول التي أنشأت مراكز ثقافية في دول العالم المختلفة لنشر ثقافتها، بدءًا من رياضة اليوجا التي تعود أصولها للهند، بما جعل الأمم المتحدة تحتفل في 21 يونيو من كل عام بيوم اليوجا العالمي، مرورًا بالمطبخ الهندي، وصولًا إلى سينما بوليوود التي نجحت في تعزيز القوة الناعمة للهند برغم ما أصابها من تراجع في الآونة الأخيرة.

مجمل القول؛ إن الصعود الهندي على المستوى الدولي يعكس القدرات الاقتصادية التي نجحت الهند في تطويرها، واستلهام روح التقدم والإنجاز من خلال الإصلاحات الاقتصادية والاهتمام بالتصنيع والتحول إلى اقتصاد المعرفة، فضلًا عن تبني سياسة خارجية متوازنة بين أقطاب متباينة الأهداف تقوم على الشراكة الاقتصادية مع القوى الكبرى لخدمة أهداف التنمية الهندية، وهو ما جعل الهند تجني ثلاثية الإنجاز هذا العام، التي تجلت في الصعود الاقتصادي على المستوى الدولي لتحتل المرتبة الخامسة عالميًا، وأن تصبح الهند أكبر دولة من حيث عدد السكان، وأن تصل مركبتها الفضائية إلى سطح القمر، لتصبح الدولة الرابعة بعد روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والصين، وهي دلالة تعكس التطور التكنولوجي الذي وصلت إليه الهند، وما ينتظرها من مستقبل واعد على الساحة الدولية.