الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

هجمات متصاعدة.. لماذا تنشط "تحريك طالبان" في الأراضي الباكستانية؟

  • مشاركة :
post-title
نشاط "تحريك طالبان" في الأراضي الباكستانية

القاهرة الإخبارية - نورا فايد

منذ مطلع العام 2023، تصاعدت الهجمات الإرهابية بالأراضي الباكستانية، وأعلنت حركة "طالبان باكستان" المعروفة باسم "تحريك إي طالبان باكستان" (TTP)، مسؤوليتها عن بعضها، وهو ما يُؤكد استمرار الجماعة الإرهابية في المضي قدمًا بمخططها الهادف للإطاحة بالحكومة الباكستانية الحالية برئاسة "شهباز شريف"، والسيطرة على الحكم بالدولة الآسيوية، لإقامة نظام مُتشدد؛ أسوة بنظيرتها "طالبان الأفغانية" التي تحكم أفغانستان، الأمر الذي يُفسر سبب تركيز تلك الحركة في هجماتها على استهداف رجال الشرطة والعسكريين في باكستان.

تصعيد ملحوظ

تجدر الإشارة إلى أنه منذ سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان في أغسطس 2021، و"تحريك طالبان" ترفع من حدة هجماتها الإرهابية، ولعل آخر الأعمال التي شنتها تلك الحركة في باكستان، منذ مطلع العام الجاري، ما يلي:

(*) هجوم إرهابي على مسجد بيشاور شمال باكستان: صباح 30 يناير 2023، وقع تفجير انتحاري وصف بأنه "الأكثر دموية بهذه المنطقة" منذ سنوات، على مسجد بمدينة بيشاور، الواقعة شمال غرب باكستان والحدودية مع أفغانستان، ونجم عنه مقتل 101 شخص وإصابة 225 على الأقل، معظمهم من رجال الشرطة، نظرًا لأن المسجد يقع بـ"مجمع المنطقة الحمراء" الذي يضم (مقر الشرطة، وإدارة لمكافحة الإرهاب، وبعض المباني الحكومية والسكنية)، وعقب دقائق من الهجوم، خرج أحد قادة حركة طالبان الباكستانية "سربكاف مهمند"؛ ليعلن مسؤولية الحركة عن هذه العملية الإرهابية، كاشفًا أن منفذ العملية الإرهابية الذي فجر حزامًا ناسفًا كان يرتديه وسط المصلين يدعي "حذيفة"، ومع ذلك فإن المُتحدث باسم الحركة "خراساني" نفى مسؤولية "طالبان باكستان" عن الهجوم، قائلًا، "ليس من سياستنا استهداف المساجد والمدارس الدينية، أو أي أماكن دينية"، إلا أن الشرطة الباكستانية أكدت مسؤولية الحركة المُتشددة عن هذا الهجوم مُعلنة أن "جماعة الأحرار" هي من نفذته (فصيل أشد عنفًا وتطرفًا منشق عن طالبان باكستان).

(*) استهداف العسكريين بإقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان: في 6 فبراير الجاري، وقع انفجار بالقرب من سيارة تقل قوات باكستانية شبه عسكرية، ومتجهة إلى نقطة تفتيش موسى خان في كويتا، عاصمة إقليم بلوشستان جنوب غرب البلاد، ونجم عنه مقتل جندي وإصابة 11 آخرين، وفقًا لما أعلنه مسؤول الشرطة المحلية "محمد خان"، وأعلنت "طالبان باكستان" مسؤوليتها عن الهجوم، وبعد أقل من أسبوع، استهدف تفجير بعبوة ناسفة سيارة تقل فرقة عسكرية، كانت تقوم بعملية تمشيط أمني في منطقة "كوهلو" بإقليم بلوشستان في 11 فبراير الجاري، وهو ما نجم عنه مقتل ضابط برتبة رائد وآخر برتبة نقيب، كانا على متنها، وفقًا لبيان الجيش الباكستاني.

(*) استهداف مركز للشرطة في كراتشي جنوب باكستان: مساء 17 فبراير الجاري، هاجم ما يزيد على ثمانية إرهابيين متنكرين بزي قوات الشرطة ومسلحين بأسلحة متطورة، مبنى الشرطة الواقع في مدينة كراتشي جنوب باكستان، والمكون من 5 طوابق، ونجم عنه مقتل 7 أشخاص وإصابة 11 آخرين، وأعلن المُتحدث باسم الحركة الباكستانية "محمد خراساني" مسؤوليتهم عن هذا الهجوم الإرهابي، وبعد ساعات من الهجوم نجحت الشرطة الباكستانية في السيطرة عليه وتطهير أربع طوابق من المبنى، وقتل نحو 3 مسلحين، وفقًا لما أعلنته وسائل إعلام باكستانية، نقلًا عن مسؤولين بالشرطة، ولكن حتى الآن لم تكشف عن مصير باقي المسلحين، إلا أنه تم التأكيد على التعامل مع الإرهابيين بصرامة.

دوافع متعددة

عقب يوم من الهجوم على مركز كراتشي، فإن "طالبان الباكستانية" أصدرت بيانًا في 18 فبراير الجاري، للتهديد بشن مزيد من الهجمات، قائلة، "على الشرطيين النأي بأنفسهم عن الحرب التي نخوضها ضد الجيش.. وإلا فإن الهجمات ضد مقار كبار مسؤولي الشرطة ستستمر"، وعليه فإن هذا التهديد وأعمال التصعيد السالف ذكرها، تحمل جملة من الأهداف تسعى تلك الجماعة لتحقيقها، يأتي من أبرزها ما يلي:

(&) دحر جهود الحكومة الباكستانية للقضاء على الإرهابين: إن الهدف الرئيسي الذي يدفع "تحريك طالبان" إلى تصعيد هجماتها وتركيزها بشكل خاص على قوات الأمن؛ عرقلة أية محاولات تقوم بها الأجهزة الأمنية الباكستانية للقضاء على الإرهاب في البلد الآسيوي، خاصة أن رئيس الوزراء "شهباز شريف" تعهد خلال الفترة الماضية، بأن حكومته لن تُوقف جهودها حتى تتمكن من دحر الإرهاب بالبلاد، قائلًا في تغريدة له على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، عقب تفجير مسجد بيشاور، "لن تكتفي باكستان باجتثاث الإرهاب، بل ستقتل الإرهابيين وستسوقهم إلى القضاء.. هذه الأمة العظيمة مصمّمة على وضع حد نهائي لهذا الشر".

ومن جهتها؛ فإن الجماعة الإرهابية تريد من جراء تلك الهجمات إيصال رسالة للحكومة ومسؤوليها، مفادها أن الاتصالات التي تجريها مع دول خارجية؛ للضغط على "تحريك طالبان" وإجبارها على وضع حد لهجماتها لن تجدي نفعًا، وهذا يُعد ردًا على ما أعلنه "فيصل كريم كوندي"، مستشار رئيس الوزراء الباكستاني في 4 فبراير الجاري، بإرسال وفود إلى كل من العاصمة الإيرانية طهران والعاصمة الأفغانية كابول، لإجراء مباحثات مع المسؤولين هناك، ومطالبتهم بضمان عدم استخدام الإرهابيين لأراضيهما ضد باكستان.

(&) عرقلة التعاون الباكستاني - الأمريكي لمواجهة الإرهاب: تسعى "طالبان باكستان" من جراء تلك الهجمات إلى الضغط على واشنطن، لثنيها عن عقد أية مفاوضات مع الحكومة الباكستانية للقضاء على الإرهاب بالبلاد، إذ لم تخف تلك الحركة غضبها المتواصل من تلك المحادثات التي تنامت مع تولي شهباز شريف رئاسة الوزراء في أبريل الماضي، وكان آخرها في 14 فبراير الجاري، إذ أرسلت واشنطن التي أدانت بشدة الهجوم الإرهابي على "مسجد بيشاور"، وفدًا أمريكيًا برئاسة المستشار بالخارجية الأمريكية، ديريك شوليت، لإجراء مباحثات مع مسؤولي الحكومة والقيادات الأمنية، لإصلاح العلاقات بين البلدين التي توترت في عهد رئيس الوزراء السابق، عمران خان، وذلك بالمجالات كافة، وخاصة الاقتصادي والأمني، إذ أكد الوفد على ضرورة تعزيز التعاون الأمني بين البلدين، خاصة أن واشنطن سبق أن وضعت عددًا من قادة "طالبان باكستان" في ديسمبر الماضي، ضمن قائمة "الإرهابيين العالميين"؛ استجابة لدعوة حكومة آباد للضغط على هذه الحركة الإرهابية وهجماتها بالبلاد.

(&) دفع السلطة الباكستانية للعودة لطاولة المفاوضات: رغم أن "تحريك طالبان" هي من أنهت قرار وقف إطلاق النار، الذي وقعته مع الحكومة في نوفمبر الماضي بعد أشهر من محادثات استضافتها حركة طالبان أفغانستان بالعاصمة كابول، فإنها اتجهت إلى تصعيد هجماتها مجددًا، في محاولة منها لتحقيق مكاسب على الأرض، تمكنها من دفع الحكومة لدعوتها أو إدخال وسيط للتفاوض مجددًا مع الحركة الإرهابية، وفي هذه الحالة تفرض الأخيرة أية شروط تريدها عند الجلوس على طاولة المفاوضات، والتهديد بأن عدم الاستجابة لها سيعيد التصعيد مرة أخرى، وسيكون أكثر عنفًا وشدة، والهدف من ذلك أن "طالبان باكستان" تحاول منح نفسها "صفة شرعية"، بأنها طرف رئيسي بالسُلطة، مُعتبرة أن ذلك أولى الخطوات التي قد تمكنها فيما بعد من السيطرة على حكم البلاد، على غرار ما فعلته طالبان أفغانستان.

(&) الضغط على إسلام آباد للإفراج عن معتقلي "تحريك طالبان": إن من أهداف تصاعد أعمال العنف في الأراضي الباكستانية، هو رغبة "تحريك طالبان" في الضغط على الأجهزة الأمنية الباكستانية؛ لوقف ملاحقة عناصرها من جهة، والإفراج عن معتقليها من جهة أخرى، خاصة بعد إطلاق تعهد إسلام آباد بمعاقبة جميع المسؤولين عن تفجير مسجد بيشاور، بل وإعلان ضابط الشرطة الإقليمية، محمد علي غندابور، عقب الهجوم الإرهابي على مركز للشرطة في كراتشي، عن مكافأة مالية قدرها 7259 دولارًا لمن يرشد عن أي من مقاتلي حركة باكستان المتهمين في هذا الهجوم الإرهابي، وذلك بعدما نجحت الأجهزة الأمنية في اعتقال أربعة من مقاتلي الحركة، إضافة لذلك فإن "طالبان باكستان" تصعد من هجماتها بالأقاليم المتاخمة للحدود مع أفغانستان؛ لدفع القوات العسكرية الباكستانية للتراجع عن شن هجمات بهذه الأقاليم، والتي تختبئ بها عناصر الحركة الإرهابية، كأقليمي "خيبر بختونخوا" و"بلوشستان".

تأسيسًا على ما سبق؛ يمكن القول أن "تحريك طالبان" لن توقف هجماتها خلال الفترة المُقبلة، بل سترفع من حدتها؛ لتحقيق المطالب السالف ذكرها والتي ترتكز جميعها في نهاية الأمر على هدف واحد، يكمن في رغبة تلك الحركة الإرهابية في الوصول إلى سُدة الحكم؛ أسوة بطالبان أفغانستان، إلا أن هذا الهدف يُعد "صعب المنال" إلى حد كبير في الأراضي الباكستانية، خاصة في ظل وجود حكومة "شهباز شريف" التي تعمل على تعزيز أجهزة الدولة العسكرية والأمنية، وتركز هدفها على مكافحة الإرهاب، وفي الخارج، تكثف تعاونها مع الدول الخارجية، خاصة واشنطن، لمساندتها في حربها على الإرهاب، فضلًا عن أن الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة "جو بايدن" لن تكرر ما فعلته الإدارة السابقة، بالسماح لحركة إرهابية بالوصول للحكم.