في مئة يوم فقط، أعاد دونالد ترامب رسم خطوط السياسة الأمريكية تجاه الحرب في أوكرانيا، لكن ليس كما كان يأمل كثيرون، ففي الوقت الذي كان يُنتظر فيه من واشنطن أن تقود جهود التسوية، فاجأ الرئيس العائد الجميع بتقارب مع موسكو، وتنافر غير مسبوق مع كييف، وبينما تتساقط القنابل في أوكرانيا، بدا أن ترامب يخلط الأوراق أكثر من أن يرتبها، من دون أن يحقق أي تقدم ملموس.
تقارب أمريكي روسي
منذ عودته إلى البيت الأبيض، أجرى دونالد ترامب وفريقه جولات من المباحثات مع نظرائهم الروس، بحثًا عن تسوية تنهي الحرب التي اندلعت في أوائل عام 2022 بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. إلا أن هذه الجهود لم تسفر عن نتائج ملموسة.
وفي حين تبنّت إدارة بايدن السابقة نهج الدعم غير المشروط لكييف، دخل ترامب في سجالات علنية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وصلت إلى حد وصفه بـ"الديكتاتور"، بل وتبادل كلمات حادة معه داخل المكتب البيضاوي، في سابقة في العلاقات الأمريكية-الأوكرانية.
وحسب "فرانس24"، فإن هذه التغيرات أثارت استياء الأوكرانيين وحلفائهم الغربيين، خصوصًا بعد أن كسر ترامب العزلة الدولية التي فرضت على فلاديمير بوتين خلال السنوات الماضية، الأمر الذي عُدّ في كييف "ضوء أخضر" لموسكو لمواصلة التصعيد.
الميدان يحكم
ورغم التصريحات التي صدرت عن البيت الأبيض بشأن هدنة مؤقتة مدتها 30 يومًا، إلا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رفض المقترح في مارس الماضي، رغم موافقة أوكرانيا عليه، ولم يتحول الاتفاق غير الرسمي على عدم استهداف منشآت الطاقة إلى واقع فعلي، إذ استمر الطرفان في تبادل الاتهامات بخرق هذا التعهد.
ميدانيًا، واصلت القوات الروسية تقدمها في شرق أوكرانيا بوتيرة أبطأ من نهاية 2024، لكنها أحرزت مكاسب لافتة، أبرزها إخراج القوات الأوكرانية بشكل شبه كامل من منطقة كورسك الحدودية غرب روسيا، والتي كانت ورقة المساومة الوحيدة لدى كييف بعد أن توغلت فيها خلال صيف 2024.
وفي 13 أبريل قُتل 35 شخصًا وأُصيب أكثر من 100 آخرين في مدينة سومي جراء ضربتين روسيتين بصواريخ باليستية، في واحد من أكثر الهجمات دموية منذ أشهر.
زيلينسكي تحت نيران ترامب
لم تتوقف الضغوط الأمريكية عند حدود الخطاب، بل وصلت إلى تعليق المساعدات العسكرية لأوكرانيا بشكل مؤقت في مارس، وهو قرار فاجأ كييف، وقطع بشكل حاد مع سياسة الدعم الواسع التي اتبعتها إدارة بايدن.
وفي تصريحات مثيرة للجدل، لمح ترامب إلى ضرورة إجراء انتخابات رئاسية جديدة في أوكرانيا، مشيرًا إلى انتهاء ولاية زيلينسكي خلال الحرب، وزاعمًا أن نسبة التأييد الشعبي له لا تتجاوز 4% فقط.
ذروة التوتر بين الزعيمين كانت في فبراير، حينما وقعت مشادة كلامية أمام الصحافة داخل البيت الأبيض، ترامب اتهم زيلينسكي بعدم تقدير جهود الولايات المتحدة، وهو ما أثار صدمة في أوساط الحلفاء الغربيين.
وفي تكرار لانتقاداته، وبعد الهجوم الروسي على سومي، قال ترامب إن "زيلينسكي أخطأ حين دخل حربًا ضد طرف يفوقه بعشرين مرة في الحجم"، في إشارة إلى الفارق الجغرافي الشاسع بين روسيا وأوكرانيا.
روسيا لا تُستثنى من الانتقاد
رغم تقاربه الظاهر مع بوتين، لم يمتنع ترامب عن توجيه انتقادات مباشرة إلى موسكو، بل أعرب عن "غضبه" من بوتين في تصريحات لوسائل إعلام أمريكية، داعيًا روسيا إلى "التحرك" نحو تسوية تضع حدًا للحرب.
غير أن نبرته التصالحية تبقى سائدة، وتلقى قبولًا متزايدًا في موسكو، حيث اعتبر الكرملين في مارس أن تغير الموقف الأمريكي "يجعل واشنطن أقرب إلى فهم وجهة نظر روسيا"، بحسب تصريحات رسمية.
حتى الآن، لم يحقق الرئيس ترامب أي اختراق في تسوية الحرب، لا عبر اللقاءات ولا من خلال التصريحات، وقد باتت الصورة قاتمة في كييف، كما يصفها تيموفي ميلوفانوف، مدير كلية كييف للاقتصاد، في حديثه لوكالة الأنباء الفرنسية: "لا شيء يحدث، في واقع الأمر، يسمع الناس صفارات الإنذار كل يوم، يرون القنابل، والناس يموتون.. بوتين يخدع الجميع فعليًا".
في المقابل، يشعر كثيرون في موسكو بالرضا عن الوضع الراهن، وسط غياب ضغوط حقيقية من الإدارة الأمريكية الجديدة.