ضمن دائرة نصف قطرها ستة أميال من محطة تشارينج كروس، المركز التقليدي للعاصمة البريطانية لندن، يوجد حوالي 25,000 شارع. بعضها شوارع واسعة وتُشكل جزءًا من الطرق الرئيسية، والبعض الآخر عبارة عن ممرات ضيقة من العصور الوسطى، قليل منها ذو طابع روماني مستقيم، وبعضها الآخر يبدو منطقيًا؛ لكن الغالبية العظمى، في مدينة عريقة كلندن -خالية من التخطيط- هي مجرد خطوط إسفلتية.
في المعتاد، معرفة كل هذه المعالم شبه مستحيلة، لكن سائقي سيارات الأجرة السوداء التقليدية يعرفونها. إن معرفة لندن هي الاختبار الصعب الذي يُفترض أن يجتازه جميع سائقي سيارات الأجرة السوداء.
وحسب المعلوم، تستغرق معرفة مدينة معقدة كالعاصمة البريطانية ثلاث أو أربع سنوات للدراسة، حيث تتطلب حفظ جميع المسارات والمعالم المهمة.
مع هذا، يشير تقرير لصحيفة "ذا تليجراف" إلى أن هذه الفترة تشهد ركودًا كبيرًا لسيارات الأجرة السوداء.
صعوبات متعددة
تُظهر الأرقام الأخيرة أن عدد السيارات المرخصة من قِبل هيئة النقل في لندن (TfL) انخفض من 22,810 سيارة في الفترة 2013-2014 إلى 14,470 سيارة فقط في الفترة 2023-2024، بينما لم يحصل سوى 104 سائقين جدد على تراخيص العام الماضي - أي ما يعادل 10% من عددهم في عام 2016.
وتقول "ذا تليجراف" إنه إذا استمرت هذه الأرقام على هذا المعدل، فلن تكون هناك سيارات أجرة سوداء على الطرق الإنجليزية على الإطلاق في عام 2045.
وفي لندن، نجد أن أسباب ذلك متعددة، بدءًا من صعود شركات تأجير السيارات الخاصة، وصولًا إلى مسارات الدراجات، وانتشار السيارات ذاتية القيادة، وصعوبة الحصول على المعرفة.
كما يشير السائقون دائمًا إلى ارتفاع تكلفة سيارات الأجرة عديمة الانبعاثات. والآن، بعد أن أصبحت الطراز الوحيد الذي يمكن ترخيصه هناك، ارتفع سعرها بنسبة 40% ليصل إلى 75,000 جنيه إسترليني في السنوات الثماني الماضية.
أيضا، هناك عزوف كبير بين السائقين الشباب عن العمل على سيارات الأجرة السوداء. تُظهر إحصائيات هيئة النقل في لندن أن 62% من سائقي سيارات الأجرة تتجاوز أعمارهم 53 عامًا.
سمات مميزة
بدأت خدمة سيارات الأجرة بشكل نظامي في لندن منذ عام 1654 على الأقل، عندما أمرت حكومة أوليفر كرومويل بأن يخضع سائقو عربات الأجرة (الهاكني) وعرباتها في مدينتي لندن ووستمنستر وما حولهما لتنظيم محكمة ألدرمان مدينة لندن. وتذكر "ذا تليجراف" عددا من أشهر سمات سائقي سيارات الأجرة السوداء في لندن.
أشارت الدراسات إلى أن حُصين (أحد أجزاء المخ) سائقي سيارات الأجرة السوداء يتضخم بسبب كثرة الأسماء والأماكن والطرق التي يتعرفون عليها.
كما أنه من التقاليد ألا يتقاضى سائقي سيارات الأجرة السوداء في لندن أجرةً على رحلاتهم الأولى والأخيرة، ويقدّم الكثيرون منهم رحلاتٍ مجانيةً للمحاربين القدامى في يوم ذكرى الانتصار.
أيضًا، على عكس العديد من شركات سيارات الأجرة، لا ترفض سيارات الأجرة السوداء أبدًا امرأةً في المخاض.
ولا يبدو أن عمدة المدينة صادق خان لديه شعبية بين هؤلاء السائقين، حيث يشعرون أنه ليس في صفهم، وأن لندن تحت إدارة خان "أصبحت مكانًا أسوأ للسائقين".
كذلك من المعروف أن سيارات الأجرة السوداء في لندن يجب أن يكون لها دائرة دوران تبلغ 25 قدمًا، مما يسمح لها بأداء انعطافات سريعة في المدينة ذات الشوارع الضيقة بشكل لا يُصدق "لا حاجة للتوقف، ولا حاجة للرجوع للخلف. على مر العقود، أصبحت هذه سمة سائقي الأجرة. فهم لا يحبون الجلوس ساكنين، ويكرهون الرجوع للخلف".