شهدت العاصمة الفرنسية باريس اليوم الجمعة 7 مارس حالة من الارتباك والفوضى بعد اكتشاف قنبلة ضخمة غير منفجرة تعود للحرب العالمية الثانية، ما أدى إلى توقف كامل لحركة القطارات في محطة "جار دو نور"، التي تعد إحدى أكبر محطات القطارات في أوروبا، وتسبب في اضطراب كبير لحركة المسافرين والنقل العام.
وفي هذا الصدد، ذكرت وسائل إعلام أن القنبلة التي يبلغ وزنها 500 كيلوجرام اكتُشفت "في منتصف مسارات القطارات" خلال أعمال صيانة ليلية في ضاحية سان دوني، على بعد نحو 2.5 كيلومتر من محطة القطار، وتم إرسال خبراء إزالة المتفجرات على الفور إلى الموقع لتأمين المنطقة والتعامل مع هذا الوضع الاستثنائي.
منطقة خطر
وفقًا لصحيفة "لوموند" الفرنسية، تم اكتشاف القنبلة في نحو الساعة 3:30 صباحًا أثناء أعمال استبدال جسر سكة حديد (جسر الكاتدرائيات)، ووصل فريق إزالة الألغام إلى الموقع في الساعة 4:30 صباحًا، وأنشأوا محيطًا أمنيًا بنصف قطر 200 متر، ثم تم توسيعه لاحقًا إلى 500 متر.
وأفادت شركة السكك الحديدية الفرنسية (SNCF) أن القذيفة تم العثور عليها على عمق مترين بواسطة آلة حفر.
يبلغ وزن القنبلة 500 كيلوجرام، منها 200 كيلوجرام من المتفجرات، ويبلغ طولها مترًا واحدًا.
وتعتبر المنطقة معروفة بمخلفات الحرب العالمية الثانية، ولهذا كان خبير متفجرات موجودًا في موقع العمل، واتبعت أعمال الحفر بروتوكولًا خاصًا مناسبًا للمناطق الحساسة.
أمر استثنائي
قال ماتيو شابانيل، رئيس وحدة إدارة البنية التحتية للسكك الحديدية، للصحفيين، إن العثور على قنبلة بهذا الحجم يعد "أمراً استثنائياً للغاية".
وأضاف: "نعلم أن شبكة السكك الحديدية تعرضت لقصف مكثف خلال الحرب العالمية الثانية، خاصة هنا في شمال باريس، حيث كان هناك أيضًا العديد من المصانع، لذلك نكون حذرين بشكل خاص عندما ننفذ أعمال في هذه المنطقة ونكتشف وضعًا غير طبيعي، وهذا ما حدث الليلة الماضية".
وذكرت السلطات المحلية في سان دوني أنه تم إجلاء السكان من بعض المباني التي تطل نوافذها على الموقع الذي كانت فيه عملية تعطيل القنبلة، كما تم إغلاق ست مدارس ودار رعاية في المنطقة لمدة ساعة، على الرغم من تأكيد السلطات المحلية أنه "لا يوجد خطر" عليهم.
وتم إغلاق جزء من الطريق الدائري لباريس وطريق A1 السريع أمام حركة المرور بسبب عمليات إزالة الألغام، وفقًا لما ذكرته الشرطة.
وفي وقت لاحق من اليوم، أكد محافظ منطقة سين سان دوني أنه تم إجلاء 200 مواطن بواسطة الشرطة، كما طلب من سكان سان دوني وسان أوين الذين يعيشون على بعد أقل من 500 متر من موقع القنبلة البقاء في منازلهم.
توقف قطارات يوروستار
وفقًا للصحيفة الفرنسية، أدى الحادث إلى اضطراب كبير في حركة النقل والمواصلات، حيث تم إيقاف جميع رحلات قطارات يوروستار من وإلى باريس اليوم الجمعة، ما أثر على السفر من وإلى محطة لندن سانت بانكراس.
ونصحت شركة يوروستار المسافرين بتغيير تذاكرهم للسفر في يوم آخر، ومع ذلك، كانت الخدمات من لندن إلى بروكسل ومن لندن إلى أمستردام، التي لا تمر عبر باريس، تعمل بشكل طبيعي.
ووفقًا لما ذكرته وزارة النقل الفرنسية، تأثر ما يقرب من 500 قطار بهذه الحالة الاستثنائية، كما تم إلغاء جميع قطارات TGV عالية السرعة المغادرة من وإلى محطة "جار دو نور"، مع تحويل بعضها إلى محطة جار دو ليون، كما تأثرت خدمات قطارات RER والمترو بشكل كبير، مع تحويل مسارات ووقف للخدمات في بعض المناطق.
جهود الاستجابة
من جهته، صرح وزير النقل الفرنسي، فيليب تاباروت، خلال مؤتمر صحفي قائلًا: "تم تعبئة الفرق بشكل مكثف للتعامل مع هذا الوضع.. لا يوجد ما يدعو للخوف، لكن هناك إجراءات يجب علينا احترامها".
وأضاف "تاباروت" أن الفرق كانت تعمل بأقصى سرعة ممكنة ضمن محيط أمني واسع، متوقعاً استمرار الاضطرابات طوال اليوم، لكنه أعرب عن أمله في استئناف بعض الرحلات في فترة ما بعد الظهر.
وقال: "جزء من الخدمة يمكن، وأؤكد على كلمة (يمكن)، أن يُستأنف اعتبارًا من الساعة 4 مساءً، وإذا كانت عمليات إزالة الألغام أطول وأكثر تعقيدًا، فسيتعين علينا الانتظار على الأرجح حتى المساء، وعلى الأرجح حتى صباح الغد.. سنعرف ذلك خلال بضع ساعات القادمة".
وأعلنت شركة يوروستار في وقت لاحق عن استئناف حركة القطارات بين باريس ولندن، وكذلك بين باريس وبروكسل غدًا السبت، مع تشغيل رحلتين إضافيتين، هما: قطار من لندن إلى باريس صباحًا، وقطار من باريس إلى لندن بعد الظهر.
تأثيرات الاضطراب
فيما أشارت صحيفة "ذا جارديان" البريطانية إلى أن محطة "جار دو نور" تعد مركزًا رئيسيًا للنقل الأوروبي، وتخدم وجهات دولية مثل بلجيكا وهولندا، بالإضافة إلى مطار باريس الرئيسي والعديد من الوجهات الإقليمية.
ووفقاً لشركة السكك الحديدية الوطنية الفرنسية (SNCF)، تخدم المحطة الواقعة في شمال العاصمة الفرنسية نحو 700 ألف شخص يوميًا، وبلغ عدد المسافرين عبرها أكثر من 226 مليون مسافر في عام 2023.
ونتيجة لهذا الاضطراب، شهدت شركات النقل البديلة طلبًا متزايدًا، إذ أفادت شركة "فليكسبوس" للحافلات أنها شهدت "هجومًا" من المسافرين منذ توقف حركة القطارات، مع امتلاء جميع مقاعدها على خطوط الحافلات بين باريس وبروكسل ولندن وأمستردام.
كما سجل موقع إدارة طرق منطقة إيل دو فرانس "سيتادين" أكثر من 200 كيلومتر من الاختناقات المرورية على طرق المنطقة في نحو الساعة 2 ظهرًا، وهو مستوى وصفه الموقع بأنه "استثنائي" مقارنة بالمعدل الطبيعي.