لا يزال الحديث عن صفقة المعادن النادرة بين الولايات والمتحدة وأوكرانيا يشغل الأوساط السياسية والإعلامية، خاصة بعد ما شهدته الصفقة، المزعم عقدها، من شد وجذب بين الطرفين، وفي تقرير لصحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، قالت فيه إن الثروات الطبيعية في أوكرانيا بحاجة إلى مليارات الدولارات لاستخراجها، وأنها ستستغرق عقودا لإتمامها.
ووصفت "بوليتيكو" صفقة المعادن بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، لإغراء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بمواصلة دعم بلاده لكييف، بـ"الناجحة".
وقال مسؤول كبير مطلع على المفاوضات، طلب عدم الكشف عن هويته: "شكّلت صفقة المعادن لحظة أمنية واضحة لأوكرانيا، فهي تمتلك موارد بالغة الأهمية مثل التيتانيوم واليورانيوم وغيرهما، وإذا استولت روسيا على هذه الموارد، فسيكون ذلك بمثابة كارثة على حلفاء كييف".
بحسب ما يقوله المسؤولون الأوكرانيون، تُعدّ بلادهم من أبرز المواقع في العالم للمعادن النادرة الحيوية وغيرها من المعادن اللازمة لدعم اقتصاد حديث، وتحقيق ثروة طائلة.
تستغرق عقودًا
وبحسب الصحيفة الأمريكية، تحولت صفقة المعادن منذ ذلك الحين إلى كارثة سياسية، وقد لا تمتلك أوكرانيا حتى كل ثرواتها الهائلة من الموارد التي وعدت بها، إضافةً إلى ذلك، سيكلف استخراج أي معادن من باطن الأرض مليارات الدولارات، وقد يستغرق عقودًا، وهو ما لا يقترب من الجدول الزمني الذي بدا أن ترامب يتصوره.
في الأصل، كانت المعادن جزءًا من اتفاق سلام دفع به الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي العام الماضي. كما تضمنت الحزمة دعوة للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) والتزامًا من الغرب بمواصلة تسليح أوكرانيا. لم يتبقَّ من هذا الجهد سوى المعادن، وهي تتحول إلى مشكلة وجودية لأوكرانيا.
أوكرانيا مضطرة
أُصيبت كييف بالذهول عندما زار وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت أوكرانيا في فبراير الماضي حاملًا مسودة اتفاقية لتسليم نصف المعادن الأرضية النادرة في البلاد إلى شركات أمريكية. وقد أثار ذلك رد فعل زيلينسكي بغضب شديد.
وبعد رفض أوكرانيا، تفاوض الجانبان على اتفاقية أكثر إنصافًا، كان من المفترض أن يوقعها زيلينسكي في البيت الأبيض في 28 فبراير. لكن ذلك الاجتماع تحول إلى مشاجرة، حيث هاجم ترامب ونائب الرئيس جيه دي فانس الرئيس الأوكراني، الذي طُرد من المكتب البيضاوي دون التوصل إلى اتفاق.
ثم عادت الولايات المتحدة بمقترح آخر، ولا يُقدّم الاتفاق أي ضمانات أمنية أو أي مساعدات أو استثمارات إضافية، بل يمنح واشنطن وصولاً تفضيلياً إلى جميع موارد أوكرانيا الطبيعية.
اتفاق يخالف التشريعات
صرّح فولوديمير لاندا، كبير المحللين في مركز الاستراتيجية الاقتصادية في كييف، قائلًا: "إنّ المسودة الحالية تُقوّض التوازن الاستراتيجي بشكل كبير، وتحدّ من استقلالية أوكرانيا التنظيمية والضريبية".
وأضاف "لاندا" أن "الاتفاق يُعرّض فرص أوكرانيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي للخطر أيضًا لأنه يُخالف تشريعات المنافسة والبيئة في الاتحاد الأوروبي".
إرضاء ترامب
في غضون ذلك، من المُرجّح أن يُثير دفع مليارات الدولارات للولايات المتحدة قلق المستثمرين الذين قد يكونون مهتمين بمساعدة أوكرانيا في إعادة الإعمار. وقال "لاندا": "من غير المرجح أن يقبل الشركاء الآخرون ضخّ مساعداتهم من أوكرانيا لصالح طرف ثالث".
لكن الحكومة الأوكرانية لا تريد إثارة غضب ترامب مرة أخرى، لذا يمتنع المسؤولون عن الانتقاد. وبدلًا من ذلك، تحاول كييف تعديل الاتفاق المقترح بدقة دون إثارة غضب ترامب.
وقال المسؤول الكبير: "في المرة السابقة، اضطر الأوكرانيون إلى توضيح أن بعض الأمور التي تريدها الولايات المتحدة من أوكرانيا لن تتحقق، لأنها تتعارض مع قانوننا ودستورنا"، مضيفا: "لذا دعونا نغير الاتفاق حتى ينجح. والآن علينا إعادة هذه المحادثات".