الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

"مفتاح الإيقاف" والاستقلالية.. أزمة الثقة تهدد صفقات الأسلحة الأمريكية في أوروبا

  • مشاركة :
post-title
تتزايد المخاوف الأوربية من عدم الاستقلالية بامتلاك الأسلحة الأمريكية بعد عودة دونالد ترامب - أرشيفية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

تواجه أوروبا معضلة استراتيجية غير مسبوقة بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2024 وتوليه السلطة في يناير 2025، إذ أصبح الاعتماد المفرط على السلاح الأمريكي محل تساؤل جدي بين العواصم الأوروبية في ظل تصريحات ترامب وسياساته المتقلبة تجاه حلفائه التقليديين.

عدم موثوقية واشنطن

وأشارت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية إلى أن الميزة التسويقية الرئيسية التي اعتمدت عليها صناعة الأسلحة الأمريكية طوال عقود "أن شراء المعدات العسكرية الأمريكية يصاحبه ضمان الحماية الأمريكية" لم تعد مقنعة، إذ بدأت بعض الدول في إعادة النظر في صفقاتها العسكرية مع واشنطن، في ما شبهه أحد المسؤولين الأوروبيين الدفاعيين بالقول: "إذا واصلت لكْم وجوه حلفائك، فسيتوقفون في النهاية عن شراء الأسلحة منك".

وتتجلى هذه المخاوف بشكل واضح في موقف البرتغال وكندا، اللتين أبدتا ترددًا في المضي قدمًا في طلبات شراء مقاتلات F-35 من شركة لوكهيد مارتن الأمريكية، إذ صرح وزير الدفاع البرتغالي نونو ميلو مؤخرًا قائلًا: "لا يمكننا تجاهل البيئة الجيوسياسية في خياراتنا"، في إشارة إلى التشكيك في موثوقية واشنطن كشريك استراتيجي.

إعادة تقييم العلاقة

في كندا، التي يهددها ترامب بشكل متكرر، قال رئيس الوزراء الجديد مارك كارني إن بلاده تراجع خيارات شراء مقاتلات F-35 في ضوء الوضع الجيوسياسي الحالي، وقد تم بالفعل دفع ثمن 16 طائرة فقط من أصل 88 طائرة طلبتها أوتاوا، ما يعني أنها قد تتجه لشراء الباقي من مصادر أخرى، ولا سيما من شركة ساب السويدية.

أما في الدانمارك، التي تعرضت لتهديدات ترامب المتكررة بضم جزيرة جرينلاند، فستشكل صفقة اختيار نظام دفاع جوي جديد، بين النظام الفرنسي الإيطالي SAMP/T NG أو نظام باتريوت الأمريكي، اختبارًا حقيقيًا لمدى استعداد الأوروبيين للتخلي عن الاعتماد على الأسلحة الأمريكية.

هاجس التبعية التكنولوجية

برزت مخاوف أوروبية في الآونة الأخيرة حول ما يُعرف بـ"مفتاح الإيقاف"، وهو احتمالية امتلاك واشنطن للقدرة على تعطيل الأنظمة العسكرية الأمريكية الصنع في حال نشوب خلاف سياسي مع المستخدم.

ورغم تقليل المسؤولين الأوروبيين من هذه المخاوف، إلا أن الواقع يشير إلى أن السيطرة لا تتطلب بالضرورة زرًا فعليًا للإيقاف.

نقلت "بوليتيكو" عن مسؤول في الصناعة الأوروبية قوله: "هناك 24 مليون سطر من الشفرة البرمجية في نظام F-35، والتحديث المستمر أمر ضروري".

وأضاف: "بالنسبة لأنظمة هيمارس HIMARS وباتريوت، فإن المشكلة الحقيقية ليست في البرمجيات، بل في الذخيرة، إذ يتم تحقيق السيطرة من خلال تسليم الذخيرة وقطع الغيار".

الاستقلالية العسكرية

استجابة لهذه التحديات، قدمت المفوضية الأوروبية خطة طموحة لشراء أسلحة بقيمة 150 مليار يورو، تستبعد في معظمها الولايات المتحدة.

وتشرف المفوضية حاليًا على جهود لتمويل وتعزيز صناعة الدفاع الأوروبية، بهدف تقليل الاعتماد على واشنطن.

وأعرب إريك بيرانجير، الرئيس التنفيذي لشركة MBDA الأوروبية لصناعة الصواريخ، عن ثقته بأن القارة الأوروبية تمتلك "القدرات التقنية" و"العقول" اللازمة للمنافسة مع الولايات المتحدة في مجال صناعة الأسلحة المتطورة.

تهديد الصناعة الدفاعية الأمريكية

فيما حذر خبراء من أن تحول أوروبا عن الأسلحة الأمريكية قد يؤثر سلبًا على الصناعة الدفاعية الأمريكية، التي تعتمد بشكل كبير على المبيعات الخارجية، إذ بلغ إجمالي مبيعات الأسلحة العسكرية الأجنبية والمبيعات التجارية المباشرة للولايات المتحدة 317 مليار دولار في عام 2024.

ووصف جريج ديلاوي، السفير الأمريكي السابق، مخاوف البرتغال وكندا بشأن F-35 بأنها "علامة حمراء سياسية واقتصادية ضخمة لبلادنا"، كما حذر بايرون كالان من شركة "كابيتال ألفا بارتنرز" من نقطة تحول محتملة في أنماط تجارة الدفاع العالمية.

الواقع المر

رغم الجهود الأوروبية للاستقلال، إلا أن الواقع يشير إلى صعوبة التخلص من الاعتماد على الأسلحة الأمريكية في المستقبل المنظور، ونقلت "بوليتيكو" عن مسؤول تنفيذي في صناعة الدفاع الأمريكية قوله: "حتى لو ضخ ترامب الكثير من عدم اليقين في العلاقات، فإن المنصات الأمريكية لا تزال الخيار الأفضل ولا يمكن للأوروبيين تجاوز هذه الحقيقة الآن".

وتبرز هذه المعضلة بشكل خاص في دول مثل بولندا ورومانيا ودول البلطيق، التي تتسابق لتعزيز ترساناتها ضد التهديد الروسي، وتحتاج إلى أنظمة متطورة جاهزة للاستخدام لا توفرها الصناعة الأوروبية حاليًا.

وصرح وزير الدفاع البولندي فوادزيساف كوسينياك-كاميش للصحفيين في باريس: "نريد تعزيز العلاقة عبر الأطلسي".