تتصاعد التوترات الأمنية على الحدود اللبنانية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بسبب الجدل المستمر حول وصول اليهود المتدينين إلى قبر الحاخام آشي، الواقع على تلة الشيخ العباد بجنوب لبنان.
وسلطت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية الضوء على سلسلة من الحوادث الأمنية التي شهدتها المنطقة، حيث نفذ يهود متطرفون، معظمهم من أتباع طائفة بريسلوف الحسيدية، بمحاولات متكررة لدخول الموقع المقدس لديهم، ما أدى إلى وقوع مواجهات واعتقالات.
محاولات غير شرعية لدخول الموقع
قبل أكثر من أسبوعين، كشفت "يديعوت أحرونوت" عن أن مجموعة من 20 شخصًا من الحسيديين تمكنوا من عبور الحدود الإسرائيلية إلى لبنان تحت جنح الظلام، مستغلين وقف إطلاق النار القائم آنذاك، وتسللت المجموعة إلى مجمع القبور الذي يضم قبر الحاخام آشي، وهو أحد كبار حكماء التاريخيين لديهم، حيث تم اعتقال بعضهم لاستجوابهم.
هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، إذ سبق أن شهدت المنطقة توغلات مماثلة نفذها متدينون يهود متطرفون سعوا للوصول إلى القبر لأداء الصلوات، دون الحصول على تصاريح رسمية من سلطات الاحتلال الإسرائيلي أو التنسيق مع الجيش، ووفقًا لمصادر عسكرية إسرائيلية، أثارت هذه الممارسات فوضى أمنية كادت أن تتسبب في تداعيات خطيرة على الوضع الحدودي.
قبر آشي.. موقع ديني أم نقطة نزاع سياسي؟
يعتبر قبر الحاخام آشي نقطة جذب رئيسية لليهود الحسيديم، الذين يؤمنون بأهمية الصلاة عند قبور الصالحين، وبحسب الروايات الدينية اليهودية، فإن الحاخام آشي كان أحد محرري التلمود البابلي، ويقال إن أبناءه دُفنوا بجواره في الموقع ذاته، ومنذ سنوات، يسعى أتباع بريسلوف إلى تحويل القبر إلى موقع دائم للصلاة.
لكن هذا الموقع يكتسب بعدًا آخر، إذ يُعد أيضًا مقامًا مقدسًا للمسلمين، حيث يُعرف باسم مقام الشيخ العباد، ويضم رفات رجل دين إسلامي يحمل الاسم نفسه، وعلى مر العقود، ظل المكان محل نزاع بين لبنان وإسرائيل، إلى أن تقرر عام 2000 تقسيمه إلى قسمين، أحدهما يخضع للسيطرة الإسرائيلية والآخر يقع ضمن الأراضي اللبنانية، وذلك وفقًا لاتفاق أُبرم بوساطة مبعوث الأمم المتحدة تيري رود لارسن.
تداعيات أمنية خطيرة
خلال الشهر الماضي، وقعت حادثة جديدة عندما حاول العشرات من المتدينين اليهود الوصول إلى القبر خلال الليل، ووفقًا لما أوردته "يديعوت أحرونوت"، تطورت المواجهات إلى اشتباكات بعد أن قام بعض المتسللين برشق الجنود الإسرائيليين بالحجارة عندما حاولوا تفريق التجمع غير المرخص، وأسفرت هذه المواجهات عن إصابة جنديين بجروح طفيفة، فيما تم اعتقال أربعة أشخاص من المجموعة.
كما كشف التقرير أن بعض هؤلاء المتسللين تمكنوا بالفعل من اجتياز الحدود الإسرائيلية إلى داخل لبنان، وهو ما استدعى تدخلًا عسكريًا لإعادتهم، وبحسب مصادر أمنية، فإن هذه الحوادث تكررت مرارًا، ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى تعزيز الإجراءات الأمنية في المنطقة.
الجيش الاحتلال ينظم زيارات
في ظل تصاعد التوترات، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه سيسمح بدخول منظم وآمن للمصلين إلى القبر يوم الجمعة، ولكن تحت إشراف عسكري صارم، وضمن حدود الجانب الإسرائيلي فقط، وأوضح مسؤول عسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أن "الدخول إلى القبر سيتم بموجب ترتيبات محددة تهدف إلى ضمان عدم حدوث أي خرق أمني أو تجاوز للحدود".
ومع ذلك، فإن القرار لا يلقى إجماعًا داخل المؤسسة الأمنية، إذ يرى بعض المسؤولين أن السماح بهذه الزيارات قد يشكل خطرًا أمنيًا إضافيًا، في ظل التوترات المستمرة على الجبهة الشمالية.
لا يقتصر اهتمام الحسيديم على قبر الحاخام آشي، بل تشمل زياراتهم مقامات أخرى داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها، فعلى سبيل المثال، تعتبر زيارة قبر يوسف في نابلس من الطقوس الدينية الهامة لدى اليهود المتدينين، وغالبًا ما تتم تحت حماية عسكرية إسرائيلية.
لم تتوقف زيارات الحسيديم على المواقع الدينية داخل إسرائيل والمناطق الفلسطينية، بل امتدت إلى دول عربية أخرى مثل المغرب، وخلال السنوات الأخيرة، شهدت البلاد تزايدًا في أعداد اليهود الذين يزورون قبور الحاخامات هناك، رغم الحساسيات السياسية المحيطة بهذه الأنشطة.