الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

أزمة البابا الصحية.. هل تفتح أبواب التقاعد في الفاتيكان؟

  • مشاركة :
post-title
البابا فرانسيس

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

في خضم أزمة صحية هي الأخطر في فترة بابويته، يُواجه البابا فرانسيس، صاحب الـ88 عامًا، تساؤلات مُتزايدة حول مستقبله على رأس الكنيسة الكاثوليكية، إذ إنه وفقًا لصحيفة "واشنطن بوست"، أثارت فترة إقامته في المستشفى التي امتدت لأسبوعين بسبب "مرض تنفسي معقد" نقاشات علنية غير مسبوقة داخل أروقة الفاتيكان وخارجها حول احتمالية تقاعده من منصبه.

تفاصيل الحالة الصحية

أفاد الفاتيكان يوم الجمعة، بأن البابا عانى من مشاكل تنفسية مفاجئة تطلبت "تهوية ميكانيكية غير جراحية"، لكنه ظل "متيقظًا".

وفي تطورٍ لافتٍ، قدم الفاتيكان تفاصيل غير معهودة عن حالة البابا الصحية، موضحًا أنه يُعاني من "التهاب رئوي ثنائي الجانب"، وظهرت عليه في بعض الأوقات علامات "فقر الدم" و"قصور كلوي خفيف"، وذلك بناءً على رغبة البابا نفسه في إطلاع الجمهور على حالته الصحية.

وأوضح مسؤول في الفاتيكان، تحدث للصحيفة شريطة عدم الكشف عن هويته، أن البابا فرانسيس يتلقى حاليًا أعلى معدل لتدفق الأكسجين منذ دخوله المستشفى.

وبدا أنه يستجيب للعلاج وعادت مستويات الأكسجين لديه إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، لكن المسؤول أشار إلى أن الأمر قد يستغرق من 24 إلى 48 ساعة لتحديد ما إذا كانت حالته العامة تدهورت نتيجة لذلك.

رؤية البابا للتقاعد

تشير "واشنطن بوست" إلى أن البابا فرانسيس تحدث في سيرته الذاتية عن فكرة الحياة بعد التقاعد، وهو باب فتحه سلفه البابا بنديكت السادس عشر.

وتخيل فرانسيس أنه قد ينسحب من الكرسي الرسولي إلى كنيسة سانتا ماريا ماجيوري في روما، حيث سيستمع للاعترافات ويقدم القربان المقدس للمرضى، ليس بصفته بابا متقاعدًا، بل "ببساطة كأسقف روما المتقاعد".

لكنه أكد أنه سيتقاعد فقط في حال مواجهته مشاكل صحية قصوى، وكتب في سيرته: "قد يكون البعض قد أمل أنني عاجلًا أم آجلًا، ربما بعد إقامة في المستشفى، سأعلن عن شيء من هذا القبيل، لكن لا خطر من ذلك".

وتوضح الصحيفة أن فرانسيس وضع سقفًا عاليًا للتقاعد دون تحديد بالضبط ما الذي قد يدفعه لاتخاذ هذا الطريق، ففي لقاء مع زملائه من الرهبنة اليسوعية في جمهورية الكونغو الديمقراطية عام 2023، وصف قرار سلفه بنديكت السادس عشر بالشجاع، لكنه أضاف: "هذا لا يعني على الإطلاق أن استقالة البابوات يجب أن تصبح، دعنا نقول، موضة".

البابا فرانسيس وسلفة بنديكت السادس عشر
الكنيسة في مفترق طرق

تباينت تصريحات كبار رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية بشأن مستقبل البابا، إذ صرح الكاردينال تيموثي دولان من نيويورك بصراحة: "علينا أن نكون واقعيين، كما هو.. الوضع لا يبدو جيدًا"، وذلك في يوم أعلن فيه الفاتيكان أن فرانسيس عانى من "أزمة تنفسية ربوية".

من جانبه، رفض المطران فينشينزو باليا، رئيس الأكاديمية البابوية للحياة، فكرة تقاعد البابا في تصريحات لصحيفة "واشنطن بوست"، قائلًا: "من معرفتي به، فإنه سيستسلم ويرحل فقط في الحالات القصوى، إنه ليس خيارًا سهلًا". وعندما سُئل عمّا إذا كان النجاة من الالتهاب الرئوي سيكون أحد هذه الحالات، أجاب: "لا، بالتأكيد، وفقًا لمعرفتي به، مطلقًا لا".

في المقابل، فتح كرادلة آخرون الباب أمام احتمالية التقاعد، إذ صرح الكاردينال فرانشيسكو كوكوباليميريو لصحيفة "كورييري ديلا سيرا": "أقول إن فكرة التقاعد تلقائية، سيكون من المرغوب فيه أن يقول البابا: "لقد قدمت الكثير، والآن قد أتصور بضع سنوات من الراحة"، هذا أمر متصور".

مخاوف ومخاطر

يرى بعض الخبراء، بحسب ما تشير الصحيفة، أن هناك مخاطر كبيرة على مكانة البابوية في حال تقاعد فرانسيس، إذ يبدأ المنصب في فقدان قدسيته إذا تخلى البابوات بانتظام عن تقليد الاستمرار حتى الوفاة.

وبشكل أكثر وضوحًا، كان وجود بنديكت كبابا متقاعد يُنظر إليه غالبًا كقوة مقيدة ومربكة لبابوية فرانسيس.

تشكل الأزمة الصحية الحالية للبابا فرانسيس محطة فاصلة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، خاصة أن مسألة تقاعد البابوات كانت دائمًا استثناءً نادرًا وليس قاعدة، فقبل استقالة البابا بنديكت السادس عشر عام 2013، كان آخر تنازل بابوي قد حدث قبل حوالي 600 عام مع جريجوري الثاني عشر (1415)، الذي استقال لإنهاء الانشقاق الغربي الكبير، وقبله سيلستين الخامس (1294)، الذي استقال بعد خمسة أشهر فقط من توليه المنصب.

وعبر فرانسيس نفسه عن مخاوفه من تحول التقاعد إلى "موضة"، محذرًا من تداعياتها على قدسية المنصب البابوي، خاصة مع احتمالية وجود أكثر من بابا متقاعد في آنٍ واحد، مما قد يؤدي إلى ارتباك داخل الكنيسة ويسمح للكاثوليك بـ"اختيار البابا الذي يريدونه".

وحذّر روبرتو ريجولي، أستاذ التراث الثقافي للكنيسة في الجامعة الجريجورية البابوية في روما، من تداعيات وجود أكثر من بابا متقاعد في وقت واحد قائلًا: "قد يكون لديك اثنان أو ثلاثة في نفس الوقت، يمكن أن يزرع الارتباك، يمكن لكل كاثوليكي أن يختار الذي يريده".

بعض منتقدي البابا من التقليديين دعوا فرانسيس للاستمرار في منصبه، محذرين من أن وجود بابا متقاعد آخر قد يشكل سابقة خطيرة.

وقال الكاردينال جيرهارد لودفيج مولر، أحد منتقدي فرانسيس وحليف لبنديكت لفترة طويلة، لصحيفة "إل ميساجيرو": "لم يتنازل المسيح عن الصليب"، في إشارة إلى أن المسيح لم يتنازل عن الألم، وفي المقابلة نفسها، قال إنه لم يفهم أبدًا بشكل كامل قرار بنديكت بالتقاعد.

مستقبل غامض للكرسي الرسولي

تُشير الصحيفة إلى أنه بينما يواصل الفاتيكان صلوات مسائية من أجل البابا في ساحة القديس بطرس، يظل مستقبل البابا فرانسيس والكرسي الرسولي مُحاطًا بالغموض، فسواء تعافى من أزمته الصحية الحالية أم قرر التقاعد، فإن هذه اللحظة تمثل منعطفًا مهمًا في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، خاصة في عام اليوبيل الكاثوليكي الذي يجلب الملايين من الحجاج إلى روما.

وتوضح "واشنطن بوست" أن مسألة تقاعد البابا ليست مجرد قرار شخصي، بل تحمل تداعيات عميقة على مستقبل الكنيسة الكاثوليكية وطبيعة منصب البابوية نفسه.