مع انتشار أخبار حول دخول البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، المستشفى إثر إصابته بالتهاب رئوي في كلتا رئتيه، أصبح العالم الغربي في حالة تأهب قصوى، تحسبًا للحدث غير العادي المحتمل، وهو رحيل راعي الكنيسة الكاثوليكية.
وكان البابا فرنسيس - الذي فقد جزءًا من رئته بسبب عدوى في الجهاز التنفسي في شبابه ويعاني اعتلال صحته مؤخرًا - وافق العام الماضي على إجراء جنازة بسيطة لنفسه "متجنبًا بعض الطقوس والشعائر الأكثر غموضًا التي تقام عندما يموت البابا"، حسب تعبير صحيفة "بوليتيكو".
وفي الواقع، مهما حدث ستؤدي وفاة البابا لإطلاق سلسلة من الأحداث المنظمة بدقة، التي تم صقلها على مدى قرون ومورست عقب رحيل مئات الباباوات السابقين.
وتعود بعض تلك التقاليد الممارسة في الفاتيكان إلى روما القديمة، لكن في نهايتها سيتم اختيار زعيم جديد للكنيسة الكاثوليكية في انتخابات يتنافس فيها الكرادلة التقدميون والمحافظون على السيطرة على المؤسسة الدينية الأكبر بالعالم الغربي، التي تضم مليار كاثوليكي حول العالم.
الحداد
من المعتاد أن يتولى مسؤول رفيع المستوى في الفاتيكان تأكيد وفاة البابا. وفي الوقت الحالي، يتولى هذا المنصب الكاردينال كيفين فاريل - المولود في إيرلندا - ووفقًا لهذا التقليد، سيكون هو الذي يزور جثمان البابا فرانسيس، في مصلى خاص به وينادي باسمه لإيقاظه.
وتشير "بوليتيكو" إلى أنه في الوقت الحاضر، أصبح هذا الأمر احتفاليًا إلى حد كبير "حيث أكد الأطباء وفاة البابا من خلال الوسائل الطبية. وعندما لا يستجيب، وفقًا للتقاليد، يتم تشويه أو تدمير خاتمه الذي يعمل كختم للوثائق البابوية الرسمية، ما يدل على نهاية حكمه، ويتم إغلاق الشقق البابوية".
ويبلغ "الكاميرلينجو" - أمين صندوق كلية الكرادلة في الكنيسة الكاثوليكية - مجمع الكرادلة، وهو الهيئة الحاكمة لكبار مسؤولي الكنيسة، أن البابا قد توفي، قبل إعلان وفاته للعالم في بيان الفاتيكان لوسائل الإعلام.
وبينما تؤدي وفاة البابا إلى حداد لمدة 9 أيام، تُعرف باسم "نوفينديالي" - عادة رومانية قديمة - تعلن إيطاليا بدورها فترة حداد وطني.
بعدها، يتم تبارك جثمان البابا الراحل وإلباسه الثياب البابوية وعرضه في كاتدرائية القديس بطرس للمشاهدة العامة، إذ سيصطف مئات الآلاف لتقديم واجب العزاء، بما في ذلك كبار الشخصيات الأجنبية وقادة العالم.
وفي الماضي، كان جثمان البابا يُعرض على منصة مرتفعة تُسمى "النعش"، لكن طقوس جنازة فرانسيس المبسطة "ستجعله مستلقيًا في نعش مفتوح دون الكثير من البذخ والفخامة"، حسب التقرير.
أيضًا، تاريخيًا، كان يتم تحنيط الباباوات في كثير من الأحيان، وإزالة أعضاء بعضهم قبل دفنهم - تحتوي كنيسة بالقرب من نافورة تريفي في روما على قلوب أكثر من 20 باباوات في جرار رخامية، محفوظة كآثار مقدسة - لكن هذه الممارسات فقدت شعبيتها.
ومع دفن البابا، تقام صلوات يومية وقداديس جنازة في كنيسة القديس بطرس وفي جميع أنحاء العالم الكاثوليكي.
في هذه الأثناء، سيدخل الفاتيكان فترة انتقالية تُسمى "sede vacante"، التي تعني "المقعد شاغر"، وخلالها يتم تسليم حكم الكنيسة مؤقتًا إلى مجمع الكرادلة، دون إمكانية اتخاذ قرارات رئيسية حتى يتم انتخاب بابا جديد.
كهوف الباباوات
من المرجح أن تقام جنازة البابا في ساحة القديس بطرس، إذ سيتوافد المشيعون إلى الفاتيكان، وعندها سيترأس الجنازة عميد مجمع الكرادلة، الإيطالي جيوفاني باتيستا ري، البالغ من العمر 91 عامًا.
تقليديًا، يتم دفن البابا في "كهوف الفاتيكان"، وهي المقابر التي تقع تحت كنيسة القديس بطرس. وهناك دفن ما يقرب من 100 باباوات، بما في ذلك البابا بنديكت السادس عشر - سلف فرانسيس - الذي استقال عام 2013 وتوفي عام 2022.
لكن في مقابلة أجريت معه عام 2023، ذكر البابا فرنسيس، أنه اختار كنيسة سانتا "ماريا ماجوري" في روما، إحدى كنائسه المفضلة والأكثر زيارة، كمكان راحة أخير له، ما يجعله أول بابا منذ قرن من الزمان يتم دفنه خارج الفاتيكان.
وبينما كان الباباوات السابقون يدفنون في ثلاثة توابيت، واحد مصنوع من خشب السرو، وواحد من الزنك وثالث من الدردار، متداخلة داخل بعضها البعض، أمر البابا فرانسيس بدفنه في تابوت واحد مصنوع من الخشب والزنك.
أيضًا، عندما دفن بنديكت السادس عشر، احتوى نعشه على عملات معدنية تم سكها في أثناء حكمه، إضافة إلى أنبوب معدني يحيط بمخطوطة ورقية ملفوفة، تُسمى "روجيتو"، وهي وثيقة مكونة من 1000 كلمة تروي حياته وحكمه، ومن المرجح أن يُدفن فرانسيس مع مخطوطته الخاصة.
البابا الجديد
بعد أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع من جنازة البابا، سيعقد مجمع الكرادلة اجتماعًا في كنيسة "سيستين" لعقد اجتماع سري، وهي عملية سرية للغاية لانتخاب بابا جديد.
من الناحية النظرية، يحق لأي رجل كاثوليكي روماني مُعمد أن يتولى منصب البابوية، لكن على مدى السبعمائة عام الماضية، كان البابا يُختار دائمًا من مجمع الكرادلة؛ وكانت الغالبية العظمى من الباباوات الـ266 الذين انتُخِبوا عبر التاريخ من الأوروبيين. والبابا فرنسيس، الذي ولد باسم خورخي ماريو بيرجوليو في الأرجنتين، هو أول بابا غير أوروبي، منذ 1300 عام.
وعلى عكس ما يحدث في عالم السياسة، لا يقوم المرشحون لمنصب البابا بحملات علنية من أجل المنصب.
وفي يوم التصويت، يتم إغلاق كنيسة "سيستين"، وحبس الكرادلة - الذين أقسموا يمين السرية - في الداخل. بينما لا يحق سوى للكرادلة الذين تقل أعمارهم عن 80 عامًا الإدلاء بأصواتهم، ويصوت نحو 120 منهم سرًا لصالح المرشح الذي اختاروه، إذ يكتبون أسماءهم على ورقة اقتراع ويضعونها في كأس فوق المذبح.
وإذا لم يحصل أي مرشح على أغلبية الثلثين المطلوبة، تُعقد جولة أخرى من التصويت، ويمكن أن يكون هناك ما يصل إلى أربع جولات في اليوم الواحد.
واستغرق المجمع الذي انتخب البابا فرنسيس، عام 2013، نحو 24 ساعة وخمسة اقتراعات، لكن العملية يمكن أن تستغرق وقتًا أطول، إذ استغرق المجمع في القرن الثالث عشر نحو ثلاث سنوات، بينما استغرق آخر في القرن الثامن عشر أربعة أشهر.
وبمجرد فرز الأصوات، يتم حرقها في موقد داخل كنيسة "سيستين"، الذي تم تركيبه مسبقًا من قبل رجال الإطفاء في الفاتيكان، بينما يحرق موقد ثانٍ مادة كيميائية ترسل إشارة دخان عبر مدخنة إلى العالم الخارجي. الدخان الأسود يعني أنه لم يتم اختيار بابا جديد، والدخان الأبيض يعني أنه تم اختياره.
بمجرد اختيار البابا، يقرأ ممثل عن مجمع الكرادلة الإعلان اللاتيني "Habemus papam"، الذي يعني "لدينا بابا"، من الشرفة الرئيسية لكاتدرائية القديس بطرس المطلة على آلاف المؤمنين المتحمسين.
بعدها، يخرج البابا المنتخب حديثًا، بعد أن اختار اسمًا بابويًا - على الأرجح يكون اسمًا تكريمًا لقديس أو سلف له - وقد ارتدى رداءً أبيض اللون، إلى الشرفة ليلقي خطابه الأول على الجمهور.