نجح رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، في استمالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال زيارته الأولى للبيت الأبيض، رغم الاختلافات السياسية الواضحة بينهما. في هذا الصدد، كشفت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية عن كواليس هذا التقارب غير المتوقع، والذي جاء نتيجة شهور من التحضير المُكثف والحسابات الدقيقة من الجانب البريطاني، في محاولة لضمان مستقبل العلاقات بين البلدين، بعد فوز ترامب في انتخابات نوفمبر 2024 وتوليه السلطة في يناير 2025.
الموعد الأول
"هذه الزيارات تشبه الموعد الأول، تذهب وتأمل أن تتزوج يومًا ما"، هكذا وصف مسؤول بريطاني كبير المحادثات، في إشارة إلى الاستراتيجية التي اتبعها ستارمر لكسب ود الرئيس الأمريكي المعروف بتقلباته. في حين اتسمت هذه الاستراتيجية بشعار واضح: "تصطاد المزيد بالعسل"، في نهج مختلف عن العديد من القادة الأوروبيين في التعامل مع ترامب.
وتشير الصحيفة إلى أن ما لفت انتباه المراقبين هو كيفية خروج ستارمر، المحامي المهووس بالتفاصيل والمعروف بأسلوبه المتحفظ، عن طبيعته المعتادة خلال اللقاء. فقد أشادت "بوليتيكو" بكيفية تعمد رئيس الوزراء البريطاني مجاراة أسلوب ترامب المفضل، متبنيًا لغة مبالغة غير معهودة منه، واصفًا زيارة الدولة المرتقبة لترامب للمملكة المتحدة بأنها "لم تحدث من قبل.. إنها أمر لا يصدق.. ستكون تاريخية".
كما أظهر ستارمر، المعروف بتحفظه الشديد، جانبًا غير معتاد حين ضحك عندما أثنى الرئيس الأمريكي دون مقدمات على زوجته قائلًا إنها "جميلة ورائعة". ولم يكتف بذلك، بل وضع يده على ذراع الرئيس الأمريكي في لفتة ودية، واستخرج من جيب سترته رسالة من الملك تشارلز الثالث تدعو ترامب لزيارة دولة ثانية.
تحضيرات مُكثفة خلف الكواليس
ونقلت "بوليتيكو" عن مصادر حكومية بريطانية، إن هذا النجاح لم يكن وليد الصدفة بل نتيجة استعدادات بدأت مبكرًا. إذ بادر ديفيد لامي، وزير الخارجية البريطاني، بالتواصل مع الجمهوريين؛ رغم علاقاته التاريخية مع الديمقراطيين، والتقى مع جيه دي فانس، الذي أصبح لاحقًا نائب الرئيس ترامب، مستلهمًا نموذج رئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي، الذي نجح في بناء علاقة قوية مع ترامب خلال فترته الرئاسية الأولى.
كما لعبت السفارة البريطانية في واشنطن دورًا محوريًا، خاصة عبر المستشارة السياسية سيناي بلبل، التي بنت روابط وثيقة مع جمهوريي "ماجا" (حركة اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى).
وحتى مورجان ماكسويني، رئيس مكتب ستارمر، والذي حضر المؤتمر الوطني الديمقراطي الصيف الماضي، وأسس "مركز مكافحة الكراهية الرقمية" الذي يخوض معركة مريرة مع إيلون ماسك، قام بزيارة سوزي وايلز، رئيسة مكتب ترامب، في ديسمبر في محاولة لتذليل العقبات.
وقبل أسبوعين من الزيارة، بدأ العد التنازلي الفعلي مع حصول ستارمر على موعد مبدئي للزيارة، تبعته تحركات مُكثفة من كبار مساعديه.
وفي اليوم نفسه، خصص رئيس الوزراء أكثر من ثلاث ساعات في السفارة البريطانية للإحاطة والتحضير، بما في ذلك جلسة في غرفة آمنة، لاستيعاب كافة المعلومات والتوجيهات قبل لقائه مع ترامب.
خطوات استباقية
في خطوة لافتة للاسترضاء، أعلن ستارمر قبل أيام فقط من الزيارة عن زيادة في الإنفاق الدفاعي البريطاني، عبر خفض ميزانية المساعدات الخارجية، في توقيت بدا مصممًا خصيصًا لتلبية مطالب ترامب المتكررة، بأن تتحمل أوروبا نصيبًا أكبر من المسؤولية الدفاعية.
وأوضح أحد الوزراء البريطانيين لصحيفة "بوليتيكو" أن بريطانيا كانت "متجاوبة قدر الإمكان"؛ نظرًا لارتباط الأمن الاقتصادي والقومي البريطاني بشكل وثيق بالولايات المتحدة، مضيفًا: "لا أحد يريد أن يقول شيئًا قد يحرجه أو يُستخدم ضدنا جماعيًا".
ما وراء الابتسامات
وتُشير "بوليتيكو" إلى أنه بالرغم من الأجواء الودية والثناء المُتبادل، بقيت أسئلة حاسمة دون إجابة، خاصة فيما يتعلق بالضمانات الأمنية لأوكرانيا. فبينما حذّر ستارمر من أن الرئيس الروسي بوتين قد "يعود مجددًا" لأوكرانيا، في حال عدم وجود دعم كافٍ، أشار ترامب إلى أنه يعتقد أن بوتين سيفي بكلمته.
كما اختلف الرئيسان حول طبيعة الضمانات الأمنية، إذ سعى ستارمر للحصول على معلومات استخباراتية أمريكية جوية وغطاء جوي في حال هجوم روسي، بينما اقترح ترامب أن صفقة المعادن مع أوكرانيا توفر بحكم الواقع ضمانًا أمنيًا.
وعندما تحدث ترامب عن "صفقة تجارية جيدة جدًا"، أوضح مساعدو ستارمر لاحقًا أنهم لا يعطون الأولوية لاتفاقية تجارة حرة كاملة التي طالما تطلعت إليها لندن بعد البريكست.