يترقب العالم هذا الأسبوع لقاءً دبلوماسيًا مصيريًا في البيت الأبيض، إذ يلتقي رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في أول زيارة رسمية له منذ تولي الأخير فترته الرئاسية الثانية.
وفي هذا الصدد كشفت صحيفة "ذا جارديان" البريطانية عن تفاصيل هذا اللقاء المرتقب، الذي يأتي في ظل تحديات عالمية متصاعدة وتوترات دولية متزايدة، خاصة مع حلول الذكرى الثالثة للحرب الروسية الأوكرانية.
خلفيات وتحديات اللقاء
تكشف "ذا جارديان" عن تفاصيل العلاقة بين الزعيمين، إذ يعود تاريخ لقائهما الأول إلى فترة ما قبل تولي ترامب الرئاسة، عندما استضاف المرشح الرئاسي آنذاك رئيس الوزراء البريطاني في شقته الفاخرة بنيويورك.
واستمر ذلك اللقاء لساعتين في أجواء ودية، انتهت بمشهد درامي خافت الأضواء، استعرض خلاله ترامب أفق مانهاتن الخلاب، إلا أن الظروف اليوم تختلف جذريًا، إذ تحمل المحادثات المرتقبة تحديات دبلوماسية وأمنية واقتصادية معقدة.
وتنقل الصحيفة عن مصادر مطلعة في داونينج ستريت، أن الحكومة البريطانية تبنت استراتيجية حذرة في التعامل مع التصريحات المثيرة للجدل، التي صدرت عن البيت الأبيض منذ عودة ترامب للسلطة.
ويقول مسؤول بريطاني رفيع المستوى: "نركز على الأفعال أكثر من الأقوال، حتى الآن، نرى فرقًا واضحًا بين الاثنين، ونحن حريصون على تجنب أي استفزاز قد يضر بمصالحنا ومصالح الأمن الأوروبي ككل".
الملف الأوكراني
يُشكل الملف الأوكراني محور المباحثات الرئيسي بين الزعيمين، خاصة بعد تصريحات ترامب المثيرة للجدل حول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، واتهامه لستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالتقصير في وقف الحرب.
وتكشف المصادر البريطانية للصحيفة أن ستارمر سيقدم رؤية شاملة للحل، تضع أوكرانيا في قلب أي مفاوضات مستقبلية مع روسيا.
وفي السياق ذاته، سيطرح رئيس الوزراء البريطاني حزمة مقترحات طموحة تشمل رفع الإنفاق الدفاعي البريطاني إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، كما سيقدم عرضًا مُفصلًا لمساهمة بريطانية محتملة في قوات حفظ السلام بأوكرانيا، مع تأكيد ضرورة الدعم الأمريكي في مجالات الدعم الجوي والخدمات اللوجستية والاتصالات.
العلاقات الاقتصادية
لا تقتصر أجندة المباحثات على الملف الأمني فقط، إذ تكشف "ذا جارديان" عن ملفات اقتصادية ستكون حاضرة على طاولة المفاوضات، إذ يسعى ستارمر لتجنب فرض رسوم جمركية أمريكية على البضائع البريطانية، مُستندًا في ذلك إلى الفائض التجاري الذي تتمتع به بريطانيا في تجارتها مع الولايات المتحدة.
كما ستشمل المباحثات ملف جزر شاجوس المُعقد وخطط إعادة إعمار غزة.
وفي خطوة استباقية قبل اللقاء، أعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، الذي سيرافق ستارمر في زيارته، أكبر حزمة عقوبات ضد موسكو منذ بداية الحرب، ما يعكس رغبة بريطانية في إظهار موقف قوي وموحد مع الحلفاء الغربيين في مواجهة روسيا.
استراتيجية دبلوماسية دقيقة
تؤكد المصادر البريطانية أن نجاح المحادثات سيعتمد على قدرة ستارمر في إقناع ترامب بأن الولايات المتحدة ستحقق مكاسب ملموسة من أي اتفاقيات يتم التوصل إليها.
وقد يلعب ستارمر على وتر حساس لدى الرئيس الأمريكي، مشيرًا إلى أن التاريخ سيحكم على أي اتفاق يؤدي إلى تقوية بوتين بأنه اتفاق سيئ، وهو ما قد يؤثر على إرث ترامب السياسي.
ومن المتوقع أن تخرج نتائج هذا اللقاء إلى العلن مباشرة، إذ سيعقد الزعيمان مؤتمرًا صحفيًا مشتركًا عقب المحادثات.
وتشير التقديرات إلى أن نجاح أو فشل هذا اللقاء سينعكس بشكل مباشر على مستقبل العلاقات عبر الأطلسية، وقدرة الغرب في التعامل مع التحديات الأمنية والاقتصادية المتزايدة.
وتختتم الصحيفة بالإشارة إلى أن هذا اللقاء يأتي في وقت تشهد فيه العلاقات الدولية تحولات جذرية، إذ يحاول ستارمر الموازنة بين الحفاظ على المصالح البريطانية والأوروبية من جهة، والحفاظ على علاقات متينة مع رئيس أمريكي معروف بمواقفه غير المتوقعة من جهة أخرى.