الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

أبعاد جولة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في الشرق الأوسط

  • مشاركة :
post-title
وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

بدأ وزير الخارجية الأمريكية ماركو روبيو، أول جولة له في الشرق الأوسط، 15 فبراير 2025، ليزور خلالها كلًا من إسرائيل والسعودية والإمارات، في إطار ترجمة توجهات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورؤيته لمستقبل تفاعلات الشرق الأوسط، لا سيما وأن أبعاد الجولة تعكس حدود التقارب أو التباعد في رؤية دول المنطقة مع تلك التوجهات، سواء ما يتعلق منها بما يثيره ترامب حول مسألة تهجير الفلسطينيين من غزة - وهو المقترح الذي يلاقي رفضًا عربيًا ودوليًا باعتباره يمثل خرقًا لقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني - أو ما يتعلق بالموقف الأمريكي من المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، ومدى ضمان الهدنة بين إسرائيل ولبنان وتنفيذ الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، 18 فبراير 2025، ومستقبل الصراع الروسي الأوكراني، فضلًا عن الموقف الأمريكي من إيران بعد أن عاد ترامب لممارسة سياسة الضغوط القصوى عليها، وهي السياسة التي اتبعها خلال ولايته الأولى.

متغيرات مؤثرة

تزامنت جولة ماركو روبيو الأولى في الشرق الأوسط مع عدد من المتغيرات المؤثرة التي يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:

(*) تسويف الانسحاب الإسرائيلي من لبنان: تزامنت الجولة من اتجاه إسرائيل نحو التسويف من انسحاب جيش الاحتلال إلى خط الحدود الدولية مع لبنان، وهو ما يشكل انتهاكًا لقرار مجلس الأمن 1701، والهدنة التي دخلت حيز التنفيذ بين لبنان وإسرائيل، أواخر نوفمبر 2024، التي منحت لإسرائيل 60 يومًا للانسحاب من جنوب لبنان، وتم تمديد موعد الانسحاب النهائي إلى 18 فبراير 2025، إلا أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أعلن أن قواته ستبقى في خمسة مواقع بجنوب لبنان لمدة غير محددة بعد هذا الموعد، وهو الأمر الذي دفع لبنان لإصدار بيان عقب اجتماع ثلاثي بين الرئيس جوزيف عون ورئيس مجلس الوزراء نواف سلام، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، 18 فبراير 2025، يعتبر أن أي استمرار للوجود الإسرائيلي على أراضيه احتلالًا، مع تأكيد حق لبنان باعتماد كل الوسائل لضمان الانسحاب الإسرائيلي. منها عزم المجتمعين على توجه لبنان إلى مجلس الأمن الدولي الذي أقر القرار 1701، لمطالبته باتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة الخروقات الإسرائيلية وإلزام إسرائيل بالانسحاب الفوري حتى الحدود الدولية، كما أشار البيان إلى دور الجيش اللبناني، وجهوزيته الكاملة لتسلم مهامه على الحدود الدولية المعترف بها، بما يحفظ السيادة الوطنية.

(*) جولة زيلينسكي الشرق أوسطية: أعلن الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، زيارته إلى الإمارات 16 فبراير 2025، التي تتضمن برنامجًا إنسانيًا كبيرًا وفق تصريحاته، كما أعلن اعتزامه زيارة السعودية. وبرغم أن جولة زيلينسكي تأتي بالتزامن مع جولة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، في الشرق الأوسط، إلا أن زيلينسكى لديه تصورًا رافضًا للمقترحات الأمريكية بشأن خطة السلام التي يطرحها ترامب في أوكرانيا، التي بدت ملامحها خلال انعقاد مؤتمر ميونخ للأمن - ألمح إليها خلال زيارته إلى تركيا 18 فبراير الجاري - مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة ليس لديها خطة للسلام في أوكرانيا حتى الآن، ومخاطبًا أوروبا بأن عليها أن تتحد حول أوكرانيا حتى تتمكن من حماية نفسها.

(*) تبلور موقف أوروبي بشأن خطة السلام الأمريكية في أوكرانيا: على الرغم من تزايد المخاوف الأوروبية بشأن خطة السلام التي يطرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إذ تعتقد دول الاتحاد الأوروبي، وأوكرانيا بإمكانية توصل الولايات المتحدة وروسيا إلى تسوية سلمية بصورة ثنائية، تقوم ملامحها على استبعاد أوكرانيا من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" ومنح روسيا أراضٍ أوكرانية، إلا أن اللقاءات الأوروبية المكثفة مع مسؤولين أمريكيين، منها لقاء رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، مع المبعوث الأمريكي الخاص لأوكرانيا وروسيا كيث كيلوج، 18 فبراير 2025، في بروكسيل، جاء لدعم بناء إجراءات الثقة بين الجانبين وتأكيد دعم الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا، إذ أكدت فون دير لاين أن أي قرار يجب أن يحترم استقلال أوكرانيا وسيادتها ووحدة أراضيها، وأن يكون مدعومًا بضمانات أمنية، فضلًا عن إشارتها إلى "استعداد الاتحاد الأوروبي للعمل جنبًا إلى جنب مع الولايات المتحدة، لإنهاء إراقة الدماء والمساعدة في تأمين السلام العادل والدائم الذي تستحقه أوكرانيا وشعبها عن حق".

قضايا الجولة

تنوعت القضايا التي طرحها وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، خلال محطات الجولة، التي يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:

(&) الهدنة في غزة: على الرغم من طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لمقترح تهجير الفلسطينيين من غزة، الذي يلقى رفضًا عربيًا ودوليًا لأنه يتنافى مع القواعد القانونية والإنسانية، إلا أن الإدارة الأمريكية تبدو أنها حريصة على الدفع قدمًا نحو الحفاظ على الهدنة في غزة وتنقيذ مراحل الاتفاق بين إسرائيل وحماس، لذلك جاءت المحطة الأولى من جولة ماركو روبيو، لتكون إسرائيل ولقاء رئيس الوزراء بينيامين نتنياهو، 16 فبراير 2025، في ظل رغبة أمريكية إسرائيلية عكستها التصريحات الصادرة عن نتنياهو وروبيو، خلال المؤنمر الصحفي المشترك، تقوم على إنهاء وجود حماس في القطاع.

(&) تحييد قدرات إيران: أشار وزير الخارجية الأمريكي خلال لقائه مع بنيامين نتنياهو، 16 فبراير 2025، إلى أن إيران لن تكون أبدًا قوة نووية، وأنها غير محصنة ضد الضغوط والعقوبات، مشيرًا إلى أنها تمثل أكبر سبب لانعدام الاستقرار بالمنطقة، وتأتي تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، لتتماشى مع توجهات الرئيس الأمريكي ترامب، التي تتجه نحو إعادة استخدام سياسة الضغوط القصوى على إيران، التي مارسها خلال ولايته الأولى وارتبطت بزيادة العقوبات على إيران، وخروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي مع إيران.

(&) نزع سلاح "حزب الله": أعلن وزير الخارجية الأمريكي خلال لقائه مع بنيامين نتنياهو، أن الولايات المتحدة وإسرائيل تتوقعان أن تعمل الدولة اللبنانية على نزع سلاح "حزب الله" المدعوم من إيران، مؤكدًا اتفاق أهداف الجانبين الأمريكي والإسرائيلي، التي تقوم على دولة لبنانية قوية قادرة على مواجهة "حزب الله" ونزع سلاحه. وبرغم تماهي الأهداف الأمريكية والإسرائيلية في لبنان إلا هناك انتقادات متزايدة للموقف الأمريكي والضامن لاتفاق الهدنة بين إسرائيل ولبنان وعدم تنفيذ إسرائيل لبنود الهدنة والمرتبطة بالانسحاب من الجنوب اللبناني حتى الخط الأزرق، 18 فبراير 2025، وإعلان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، بقاء القوات الإسرائيلية في خمسة مواقع بالجنوب اللبناني.

(&) تسوية الصراع الروسي الأوكراني: شكل الدور الإنساني لدول الخليج، لا سيما السعودية والإمارات في عمليات تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا منذ اندلاع الصراع الروسي الأوكراني، 24 فبراير 2022، الذي يدخل عامه الرابع متغيرًا داعمًا لاستضافة السعودية لجهود تسوية الصراع، إذ استضاف قصر الدرعية بالعاصمة السعودية الرياض، 18 فبراير 2025، محادثات للوفدين الروسي والأمريكي، بمشاركة وزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي مايك والتز، ومبعوث الرئيس للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، عن الجانب الأمريكي، كما شارك من الجانب الروسي مستشار الرئيس يوري أوشاكوف، ووزير الخارجية سيرجي لافروف، بحضور وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ومستشار الأمن الوطني مساعد العيبان. ووفقًا لبيان الخارجية الأمريكية، فإن الجانبين اتفقا على تعيين فرق رفيعة المستوى للتفاوض على إنهاء الحرب في أوكرانيا، في أقرب وقت ممكن بطريقة دائمة ومستدامة ومقبولة من جميع الأطراف. وأكد وزير الخارجية الأمريكي، ضرورة أن يكون الاتحاد الأوروبي حاضرًا على طاولة المفاوضات "في مرحلة ما".

مجمل القول تُشكل الجولة الأولى لوزير الخارجية الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط ترجمةً لتوجهات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فيما يتعلق بأزمات المنطقة، سواء في غزة أو لبنان، ومواجهة الدور الإيراني من خلال العودة لاستئناف سياسة الضغوط القصوى، التي مارسها ترامب في ولايته الأولى، فضلًا عن المساعي الأمريكية لتسوية الصراع الروسي الأوكراني.