مع قرب انطلاق الانتخابات الألمانية، يواجه اقتصاد البلاد انكماشًا للعام الثاني على التوالي، لتبرز الحاجة إلى نموذج أعمال جديد، فالنموذج القديم، الذي يعتمد على الغاز الطبيعي الرخيص من روسيا والصادرات المربحة إلى الصين، أصبح معطلًا، الأمر الذي ترك أكبر اقتصاد في أوروبا غارقًا في الركود والقلق بشأن المستقبل.
التحدي الأكبر
وترى وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، أن تنفيذ استراتيجية النمو الجديدة هذه سوف يشكل التحدي الأكبر للحكومة التي ستتولى السلطة بعد الانتخابات الوطنية المقرر إجراؤها في 23 فبراير، أي قبل سبعة أشهر من الموعد المحدد، فالأمة التي اشتهرت بجودة منتجاتها لم تشهد نموًا اقتصاديًا حقيقيًا لمدة خمس سنوات.
ومنذ تفشي وباء كورونا، تضافرت عوامل متعددة لتحويل ألمانيا من قوة صناعية إلى دولة متأخرة، كالبيروقراطية المفرطة، ونقص العمال المهرة، والبطء في نشر التكنولوجيا، والافتقار إلى التوجيه الواضح من جانب الحكومة الائتلافية المنتهية ولايتها.
كما كانت المنافسة المتزايدة من الصين وارتفاع أسعار الطاقة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية من بين العوامل الأخرى التي أدت إلى ذلك.
وفي هذا الصدد، قال كلاوس جايسدويرفر، الرئيس التنفيذي لشركة تصنيع المراوح الصناعية إي بي إم بابست: "نحن في احتياج حقيقي إلى سياسات أكثر ملاءمة للشركات والمؤسسات. لدينا مواهب لامعة في ألمانيا. ولدينا شركات جيدة، ولكن في الوقت الحالي لا نمتلك الوعي على المستوى السياسي".
غضب روسي واكتفاء صيني
وتقول شركة ميكانيندوس فوجيلسانج جروب المتخصصة في تصنيع الأجزاء المعدنية، والتي تصنع أجزاء دقيقة لشركات صناعة السيارات وغيرها من الشركات المصنعة، إنها تدفع ضعف ما تدفعه لكل كيلووات ساعة من الكهرباء التي تستخدمها مصانعها الألمانية مقارنة بما تدفعه لمواقعها في الولايات المتحدة.
أما الصين، التي كانت طيلة العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بمثابة سوق مربحة للآلات والسيارات المصنوعة في ألمانيا، بدأت شركاتها في تصنيع نفس هذه المنتجات، بدعم من الحكومة، تاركة ألمانية في ضرر كبير.
"الاكتئاب العقلي"
ويرى مارسيل فراتشير، رئيس المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية، أن الرضا عن الذات كان سائدًا خلال سنوات ازدهار الصادرات إلى الصين. وقال إن الشركات الألمانية لم تكن سريعة بما يكفي للاستجابة للاتجاهات التكنولوجية، مثل الانتقال إلى السيارات الكهربائية.
وأوضح: "لقد استمتعوا بالنجاح الذي حققوه في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، لكنهم كانوا بطيئين للغاية في فهم أنهم بحاجة إلى التغيير والتكيف".
وقال إنه مع استمرار المصاعب الاقتصادية، بدأ "الاكتئاب العقلي" يتسلل إلى الناس، مضيفا أن "التشاؤم هائل بين الشركات والمواطنين، وهذا تفسير مهم لعدم استثمار الشركات".
ويزعم العديد من رجال الأعمال والاقتصاديين أن الحكومة الألمانية المقبلة لابد وأن تعمل على تخفيف القيود الدستورية المفروضة على الديون حتى يتسنى لها زيادة الإنفاق العام على البنية الأساسية والتعليم.
ويتساءل فراتشير عما إذا كان الزعماء السياسيون، مثلهم كمثل الزعماء الاقتصاديين، سوف يترددون في تبني أساليب جديدة في التعامل مع الأمور.
وقال "على مدى السنوات الخمس والسبعين الماضية، تم بناء ألمانيا بشكل كبير على أساس الإجماع، والتوجه نحو الاستقرار، وهذا يجعل التغيير السريع صعبًا للغاية. نحن بحاجة إلى تغيير العقلية، لفهم أننا بحاجة إلى أن نكون أسرع بكثير في التحولات الاقتصادية".