يُنظر إلى شرق ألمانيا على أنها الورقة الرابحة في تشكيل البرلمان "البوندستاج"، في الانتخابات الفيدرالية، المقرر إجراؤها 23 فبراير الجاري، وذلك على الرغم من أنهم لا يشكلون سوى أقل من خُمس سكان ألمانيا، بحسب "بوليتيكو".
ولم يختفِ الانقسام بين شرق ألمانيا وغربها بسقوط جدار برلين عام 1989، إذ يُعد الناخبون في شرق ألمانيا محط أنظار، خاصة قبل الانتخابات، بسبب قوة حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف في المنطقة.
وكانت الدوائر الانتخابية في شرق ألمانيا، منذ سقوط جدار برلين، من بين الدوائر الأكثر تقلبًا بالبلاد، إذ كانت تتغير في كثير من الأحيان من حزب إلى آخر، وهذا التقلب يجعلها ساحات معارك مهمة بشكل خاص، نظرًا لأن مساحات شاسعة من جنوب وغرب البلاد كانت تُصوت باستمرار لنفس الحزب منذ تسعينيات القرن العشرين.
دور رئيسي
وباستثناء انتخابات 2005، التي كانت متقاربة للغاية إلى الحد الذي جعل أنجيلا ميركل من الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وجيرهارد شرودر من الحزب الديمقراطي الاجتماعي، يعلنان الفوز بالانتخابات مع ظهور استطلاعات الرأي، ولعبت ألمانيا الشرقية دورًا رئيسيًا في انتخاب كل مستشار منذ إعادة التوحيد.
وتتكون ألمانيا من 16 ولاية، منها 5 ولايات تنتمي إلى ما كان يُعرف سابقًا بـ"ألمانيا الشرقية"، هي: "براندنبورج، مكلنبورج فوربومرن، ساكسونيا، ساكسن أنهالت، وتورينجن".
ويرجع الباحثون عادات التصويت في ألمانيا الشرقية إلى الفوارق الديموغرافية والاقتصادية المستمرة، إلى جانب الاستياء من الافتقار إلى التمثيل لولايات ألمانيا الشرقية السابقة في المناصب العليا بالحكومة.
غياب حزب شولتس وميرز
الأحزاب الرئيسية التي هيمنت لفترة طويلة على السياسة في الغرب، مثل الحزب الديمقراطي الاجتماعي والاتحاد الديمقراطي المسيحي، أقل رسوخًا في ألمانيا الشرقية السابقة، بسبب ماضيها الشيوعي، وهذا يترك المجال مفتوحًا أمام الأحزاب الناشئة مثل حزب البديل من أجل ألمانيا على أقصى اليمين من الطيف السياسي، لكن أيضًا للأحزاب اليسارية مثل حزب اليسار.
وتشير الاستطلاعات أيضًا إلى أن التعاطف مع روسيا أكثر انتشارًا في الشرق، ما يساعد على تفسير سبب نجاح الأحزاب ذات المواقف المؤيدة لروسيا على طرفي الطيف السياسي بشكل غير متناسب هناك.
وتشمل مقاعد البرلمان الألماني 630 مقعدًا، وتبدأ الأغلبية من 198 مقعدًا، والأغلبية المطلقة من 316 مقعدًا، ومن المتوقع أن تحصل الأحزاب المتنافسة على 205 مقاعد لتحالف الاتحاد المسيحي، و149 مقعدًا لحزب البديل من أجل ألمانيا، و113 مقعدًا للحزب الديمقراطي الحر، و95 مقعد لحزب الخضر، و43 مقعدًا لتحالف سارة فاجنكنيشت، و35 مقعدًا لليسار.
ويتقدم الاتحاد المسيحي، الذي يمثله "ميرز"، بوضوح في استطلاعات الرأي بنحو 30%، يليه حزب البديل لألمانيا بنحو 20%، ثم الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر بما يتراوح بين 14 و16%.
صعود البديل من أجل ألمانيا
وإضافة إلى حزب البديل من أجل ألمانيا وحزب اليسار، حقق تحالف ساهرا فاجينكنيشت (BSW) اليساري الشعبوي الذي تَشكَّل حديثًا، وانفصل عن حزب اليسار، نجاحًا في شرق ألمانيا، خلال الانتخابات الأوروبية العام الماضي، وفي الانتخابات المحلية الأخيرة.
ومع فوز حزب البديل من أجل ألمانيا بأغلبية كبيرة في شرق البلاد، هناك مخاوف من أن يتعمق الشعور بالعزلة بين الناخبين في الشرق.
ويتمتع حزب البديل من أجل ألمانيا بقوة خاصة في شرق ألمانيا وفي الانتخابات الفيدرالية الأخيرة، كانت حصتهم من الأصوات هناك في المتوسط أعلى بمرتين من نظيرتها في الغرب، وفي الانتخابات المحلية حقق الحزب 30% من الأصوات، وفي تورينجيا، كان القوة الأقوى بنسبة 32.8%، متقدمًا بنحو تسع نقاط مئوية عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي صاحب المركز الثاني.
سباق على كرسي المستشارية
لأول مرة سيكون هناك 4 مرشحين لمنصب المستشار في حملة انتخابية، ويعد كل من الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي أول من اتخذ القرار مع زعيم المجموعة البرلمانية للاتحاد فريدريش ميرز.
واختار حزب الخضر، وزير الاقتصاد روبرت هابيك، كمرشح له لمنصب المستشار في مؤتمر حزبه، ودفع مجلس إدارة حزب البديل من أجل ألمانيا بزعيمة الحزب أليس فايدل.
وخسر المستشار أولاف شولتس تصويت الثقة في البرلمان الألماني، بعد نزاع طويل الأمد حول الميزانية، إذ حصل شولتس على دعم 207 أعضاء فقط، بينما صوّت 394 ضده، مع امتناع 116 عن التصويت. هذه النتيجة لم تكن مفاجئة، إذ وصفها شولتس نفسه بأنها خطوة نحو تأمين انتخابات وطنية مبكرة للخروج من مأزق الائتلاف الهش الذي حكم البلاد منذ نوفمبر 2021.
والحكومة الائتلافية التي قادها شولتس، والمكونة من الحزب الديمقراطي الاجتماعي، وحزب الخضر، والديمقراطيين الأحرار، عانت اضطرابات مستمرة، ويبدو أن الانتخابات المقبلة ستعيد رسم الخريطة السياسية، مع توقعات بتصدر الاتحاد الديمقراطي المسيحي "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" بقيادة فريدريش ميرز.