الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

من قاطرة أوروبا إلى الانكماش.. رحلة الاقتصاد الألماني نحو المجهول

  • مشاركة :
post-title
صورة تعبيرية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

يمر الاقتصاد الألماني بمرحلة حرجة غير مسبوقة في تاريخه الحديث، إذ تتضافر مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية لتضع أكبر اقتصاد أوروبي في موقف صعب، وسط مخاوف متزايدة من تداعيات فوز الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في انتخابات 5 نوفمبر، وتوقعات بعامٍ ثانٍ من النمو الصفري في اقتصاد كان حتى وقتٍ قريبٍ قاطرة النمو الأوروبي، بحسب تعبير صحيفة نيويورك تايمز .

أزمة هيكلية متفاقمة

ويعيش الشارع الألماني حالة من القلق غير المسبوق مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل، والتي جاءت بعد انهيار الائتلاف الحكومي برئاسة المستشار أولاف شولتس، إذ تكشف الأرقام الاقتصادية عن وضع مقلق، حيث سجل الاقتصاد نموًا هزيلًا لم يتجاوز 0.1% في الربع الثالث من العام الجاري، مع توقعات بانكماش شامل على مدار العام.

ويُشير خبراء الاقتصاد، وفقًا لنيويورك تايمز، إلى أن عودة النمو في 2025 تبدو مستبعدة ما لم تتخذ الحكومة المقبلة إجراءات جذرية وسريعة تشمل تغييرات في السياسات الضريبية والرفاه الاجتماعي، إلى جانب خفض القيود التنظيمية والاستثمار في البنية التحتية.

وفي هذا السياق، يؤكد سالومون فيدلر، الخبير الاقتصادي في بنك بيرنبرج، أن إمكانات النمو طويلة المدى للاقتصاد الألماني محدودة للغاية دون تغييرات سياسية كبرى.

وانعكس هذا الوضع بشكل مباشر على القطاع الصناعي، إذ شهد الإنتاج الصناعي انكماشًا بنسبة تجاوزت 12% منذ عام 2018، في ظل غياب إشارات واضحة من برلين حول توجهات الاستثمار المستقبلية.

تحديات القطاع الصناعي 

تواجه الصناعة الألمانية، التي طالما كانت العمود الفقري للاقتصاد، سلسلة من التحديات المتداخلة التي تهدد مستقبلها، إذ أعلنت شركة بوش، أكبر مورد لقطع السيارات في ألمانيا، عن خطط لتسريح 5,500 موظف بدءًا من 2027، مع تركيز معظم هذه التخفيضات في المصانع الألمانية.

ولم تكن بوش وحدها في هذا المسار، إذ أعلنت شركة فورد موتور عن إلغاء 4,000 وظيفة في أوروبا، معظمها في ألمانيا، بينما تهدد فولكس فاجن بإغلاق ما يصل إلى ثلاثة من مصانعها العشرة في ألمانيا كجزء من إعادة الهيكلة اللازمة لاستعادة ربحية العلامة التجارية.

وتفاقمت هذه المشكلات مع ارتفاع تكاليف الطاقة بنسبة 40% مقارنة بالعام السابق، بعد فقدان إمدادات الغاز الطبيعي الروسي عقب الحرب الأوكرانية في 2022.

ورغم نجاح الحكومة في تأمين واردات الغاز الطبيعي المسال، إلا أن الأسعار المرتفعة، مقترنة بقرار إغلاق آخر مفاعل نووي في البلاد، أضافت أعباءً جديدة على القطاع الصناعي.

هجرة المواهب

أوضحت الصحيفة أن الاقتصاد الألماني يواجه تحديًا هيكليًا يتمثل في ضعف قدرته على الاحتفاظ بالشركات الناشئة والمبتكرة.

وفي هذا السياق، يطرح دانيال باياز، وزير المالية في ولاية بادن-فورتمبرج، سؤالًا جوهريًا: "لماذا يعود تاريخ آخر شركة ناشئة ألمانية ناجحة إلى 50 عامًا مضت؟" فرغم توفر التمويل الحكومي الأولى لرواد الأعمال، تنتقل العديد من الشركات الناشئة إلى الولايات المتحدة، عندما يحين وقت التوسع، مستفيدة من توفر رأس المال المغامر بشكل أوسع والنظام الضريبي الأكثر تنافسية.

تأثيرات عودة ترامب

تضيف عودة ترامب المرتقبة إلى البيت الأبيض بعدًا جديدًا للتحديات التي تواجه الاقتصاد الألماني، إذ تطورت العلاقات التجارية بين البلدين بشكل كبير، حيث حلت الولايات المتحدة محل الصين كأهم شريك تجاري لألمانيا العام الماضي، بصادرات بلغت 157.9 مليار يورو.

غير أن وعود ترامب بفرض رسوم جمركية شاملة، بما في ذلك رسوم قد تتجاوز 60% على البضائع الصينية، تثير مخاوف من نشوب حرب تجارية واسعة النطاق.

ويزيد من تعقيد المشهد أن الشركات الألمانية استثمرت نحو 15.7 مليار يورو في الولايات المتحدة العام الماضي، مستفيدة من انخفاض أسعار الطاقة والضرائب وحوافز قانون خفض التضخم الذي وعد ترامب بإلغائه.

وفي تقييم للوضع، يحذر كارستن برزيسكي، الخبير الاقتصادي في بنك ING، من أن السياسات الاقتصادية الأمريكية المرتقبة ستكون سلبية حتمًا على الاقتصاد الألماني، سواء من خلال التهديد بالرسوم الجمركية أو التخفيضات الضريبية التي قد تقوض القدرة التنافسية الألمانية بشكل غير مباشر.