شهد العالم تطورًا دبلوماسيًا غير مسبوق عندما التقى وفدان رفيعا المستوى من روسيا والولايات المتحدة في العاصمة السعودية الرياض، لبحث سبل إنهاء الحرب الأوكرانية وتحسين العلاقات الثنائية بين البلدين.
واعتُبرت هذه المحادثات التاريخية، التي جرت وسط أجواء متوترة، تحوّلًا جوهريًا في السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة في عهد الرئيس دونالد ترامب، حيث تضمنت الاتفاق على سلسلة من الخطوات العملية التي قد تُمهّد الطريق لإنهاء النزاع المستمر منذ ثلاث سنوات.
تحسين العلاقات وإنهاء الحرب
في مقابلة مع وكالة "أسوشيتد برس"، قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إن اللقاء كان مثمرًا، حيث توصّل الجانبان إلى اتفاق مبدئي حول ثلاثة أهداف رئيسية، هي: استعادة التمثيل الدبلوماسي الكامل بين البلدين عبر إعادة الموظفين إلى سفارتيهما في واشنطن وموسكو، وتشكيل فريق دبلوماسي رفيع المستوى لدعم جهود السلام في أوكرانيا، واستكشاف مجالات جديدة للتعاون الاقتصادي بين البلدين.
وأكد "روبيو" أن هذه المحادثات، التي حضرها نظيره الروسي سيرجي لافروف ومسؤولون كبار آخرون، لا تزال في مراحلها الأولى، حيث يحتاج الطرفان إلى المزيد من العمل لتعزيز الثقة المتبادلة.
من جانبه، وصف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف المحادثات بأنها "مفيدة للغاية"، مشددًا على أن الحوار كان بناءً، حيث أظهر الطرفان استعدادًا للاستماع إلى وجهات نظر بعضهما البعض والتعامل مع القضايا المطروحة بروح بنّاءة.
غياب أوكرانيا ومخاوف أوروبية
جرت هذه المحادثات دون مشاركة أي مسؤول أوكراني، ما أثار استياء الحكومة الأوكرانية وحلفاءها الأوروبيين، الذين رأوا في ذلك تهميشًا لموقف كييف، وردّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على هذا التطور برفض أي نتائج قد تتمخض عن الاجتماع، مؤكدًا أن بلاده لن تقبل بأي اتفاق لم تشارك فيه.
وتزايدت المخاوف الأوروبية من أن تفضي هذه المفاوضات إلى اتفاق لا يأخذ بعين الاعتبار المصالح الأوكرانية، ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الدعوة لعقد اجتماع طارئ للاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لمناقشة تداعيات هذه المحادثات، مشددًا على ضرورة ضمان سلام دائم في أوكرانيا، يتطلب انسحاب القوات الروسية وتوفير ضمانات أمنية قوية لكييف.
تحوّل الموقف الأمريكي
عكس الاجتماع الأخير تحولًا جذريًا في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه روسيا، فمنذ بداية الصراع، تبنت إدارة الرئيس السابق جو بايدن موقفًا متشددًا ضد موسكو، قادت من خلاله جهودًا دولية لفرض عقوبات صارمة على الاقتصاد الروسي.
لكن مع تولي ترامب الرئاسة، بدا أن هناك رغبة أمريكية في إعادة النظر في العلاقة مع موسكو، حيث أشار "روبيو" إلى أن إنهاء الحرب قد يفتح الباب أمام "فرص غير مسبوقة" للتعاون بين البلدين.
ويُنظر إلى هذا التحوّل على أنه محاولة من إدارة ترامب لإعادة صياغة الاستراتيجية الأمريكية في أوروبا، بما يخدم المصالح الاقتصادية والجيوسياسية للولايات المتحدة، في ظل تراجع الدعم الأمريكي المباشر لكييف.
قمة بين بوتين وترامب
بعد انتهاء المحادثات، كشف كل من مستشار الرئيس الروسي للشؤون الخارجية، يوري أوشاكوف، ومستشار الأمن القومي الأمريكي، مايكل والتز، عن نية البلدين لعقد قمة تجمع بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، إلا أنه لم يتم تحديد موعد رسمي حتى الآن. وأكد والتز أن القمة قد تُعقد خلال الأسابيع المقبلة، فيما أوضح أوشاكوف أن الترتيبات لا تزال قيد الدراسة.
وقد أكد وزير الخارجية الروسي أن الطرفين اتفقا على إجراء "مشاورات منتظمة" بشأن أوكرانيا، ما يشير إلى أن هناك توجهًا حقيقيًا نحو حل دبلوماسي للنزاع.
وساطة دبلوماسية
عُقدت المحادثات في قصر الدرعية بالعاصمة السعودية الرياض، في خطوة تعكس الطموح الدبلوماسي المتزايد للمملكة العربية السعودية، ويأتي هذا الدور في إطار الجهود التي يبذلها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتعزيز مكانة المملكة كوسيط رئيسي في الأزمات الدولية.
وحظيت السعودية بإشادة واسعة لدورها في تسهيل المحادثات، حيث سبق للمملكة أن قامت بوساطات عدة، بما في ذلك المساعدة في التفاوض حول تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، فضلًا عن استضافتها للرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال قمة جامعة الدول العربية عام 2023.
استمرار الحرب وتصاعد العنف
رغم الجهود الدبلوماسية، لا تزال العمليات العسكرية مستمرة على الأرض، حيث أطلقت القوات الروسية وابلًا من الطائرات المسيّرة على المدن الأوكرانية خلال الساعات الأخيرة، ما أسفر عن سقوط ضحايا وأضرار جسيمة في البنية التحتية.
وبحسب الجيش الأوكراني، فإن الدفاعات الجوية تمكنت من إسقاط معظم الطائرات المسيّرة، إلا أن بعضها أصاب أهدافًا مدنية، بما في ذلك مبانٍ سكنية في منطقتي كيروفوهراد وتشيركاسي.
وتمثل هذه المحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا خطوة أولى نحو إنهاء النزاع في أوكرانيا، لكنها لا تزال بعيدة عن تحقيق سلام دائم، خاصة في ظل غياب أوكرانيا عن طاولة المفاوضات.