أثارت المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين قلقًا واسعًا في أوروبا، وسط مخاوف من إمكانية إبرام صفقة وُصِفت بـ"القذرة" تمنح موسكو امتيازات على حساب أوكرانيا ودون مشاركتها في المفاوضات.
ووفقًا لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، يزيد هذا السيناريو من الضبابية حول مستقبل الصراع الروسي الأوكراني، ما يثير التساؤلات حول مصير دعم الغرب لكييف، ومستقبل حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وإعادة رسم المشهد الجيوسياسي في أوروبا.
مخاوف من تهميش أوكرانيا
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن بلاده لن تقبل اتفاق سلام يتم التفاوض عليه بين الولايات المتحدة وروسيا فقط، مشيرًا إلى أن عدم الاتصال المسبق مع كييف يثير شكوكًا حول استمرار سياسة "لا شيء عن أوكرانيا بدون أوكرانيا"، والتي التزم بها الغرب منذ بدء الحرب.
وصرحت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، بأن أوروبا وأوكرانيا يجب أن تكونا على طاولة المحادثات، محذرةً من أن "الحل السريع" و"الصفقة القذرة" لإنهاء الحرب لن تكون قابلة للتنفيذ دون مشاركة فعلية لأوكرانيا والدول الأوروبية.
ولطالما اعتمدت أوروبا على المظلة النووية الأمريكية، ونشر قوات أمريكية ضخمة في القارة، إضافةً إلى الميزانية الدفاعية الضخمة وخطوط إمداد الأسلحة التي توفرها واشنطن، ولكن إعلان ترامب بدء المفاوضات مع بوتين فور التوصل إلى اتفاق في أوكرانيا أثار مخاوف الأوروبيين بشأن دورهم المستقبلي في ضمان استقرار المنطقة.
ووفقًا لشبكة "سي إن إن"، يزداد القلق حول مسؤولية أوروبا عن تمويل وإدارة أي تسوية يتم الاتفاق عليها بين واشنطن وموسكو، إذ يُتوقَّع أن تتحمل القارة الجزء الأكبر من التكلفة دون دور أساسي في التفاوض.
وصرح وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث بأن القوات الأوروبية -وليست الأمريكية- ستكون مسؤولة عن مراقبة أي اتفاق بين أوكرانيا وروسيا، كما أضاف أن واشنطن لا ترى أن انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو "نتيجة واقعية" في المستقبل القريب.
ومع ذلك، أكدت مصادر من داخل الناتو لشبكة "سي إن إن" أن قرار انضمام أوكرانيا إلى الحلف لا يخضع للتفاوض مع روسيا، بل هو قرار يتخذه الأعضاء الحلفاء.
الرد الأوروبي على خطط ترامب
يحاول القادة الأوروبيون جاهدين ضمان عدم تهميشهم في أي اتفاق محتمل، وأصدرت ست دول أوروبية كبرى، بما في ذلك فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا، بيانًا مشتركًا شددت فيه على ضرورة أن تكون أوروبا وأوكرانيا جزءًا من أي مفاوضات مستقبلية.
وفي حديثه مع "سي إن إن"، قال وزير الدفاع الليتواني دوفيلي شاكاليني إن أوروبا قدمت مساعدات لأوكرانيا بقيمة 125 مليار دولار العام الماضي، مقارنة بـ88 مليار دولار من الولايات المتحدة، مشددًا على أن "هذا يمنحنا الحق في أن نكون على الطاولة".
وأعربت دول البلطيق، التي تشترك في حدود مباشرة مع روسيا، عن مخاوفها من أن تتسبب أي صفقة بين ترامب وبوتين في تقويض أمن المنطقة. وأكد وزير الدفاع الإستوني هانو بيفكور أن أوروبا بحاجة إلى تعزيز قدراتها الدفاعية وعدم الاعتماد الكلي على الدعم الأمريكي.
على الرغم من الحديث المتزايد حول تعزيز الصناعات الدفاعية الأوروبية، إلا أن المسؤولين العسكريين وخبراء الدفاع يؤكدون أن هذا الهدف قد يستغرق سنوات طويلة لتحقيقه. ووفقًا لإريك ترابييه، رئيس شركة داسو الفرنسية للصناعات الدفاعية، فإن بناء صناعة دفاع أوروبية قوية سيستغرق عقودًا.
من جهته، صرح الأمين العام لحلف الناتو مارك روته بأن الناتو يواجه مشكلة خطيرة تتعلق بعدم كفاية إنتاج الذخيرة، إذ تنتج روسيا في ثلاثة أشهر كمية الذخيرة التي ينتجها الحلف بأكمله خلال عام كامل.
وحذر زيلينسكي من أن أي تسوية سلام دون ضمانات أمنية فعلية لن تكون كافية لضمان الاستقرار في أوكرانيا، وقال لشبكة "سي إن إن" إنه بدلاً من إرسال قوة حفظ سلام صغيرة، ستكون هناك حاجة إلى ما لا يقل عن 100 ألف جندي لضمان تنفيذ أي اتفاق.
وقال وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس إن سحب واشنطن دعمها لأوكرانيا قد يؤدي إلى تداعيات كارثية، مشيرًا إلى أن بوتين "يستفز الغرب باستمرار، وسيكون من السذاجة الاعتقاد بأن التهديد سينخفض بعد أي اتفاق سلام".
تفاخر روسي بتهميش أوروبا
فيما قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في تصريح لشبكة "سي إن إن"، إن "العديد من الزعماء الأوروبيين أصيبوا بالصدمة عندما رأوا مجرد محادثة عادية بين زعيمين"، في إشارة إلى الاتصال بين ترامب وبوتين.
وفي ظل الجدل الدائر حول الصفقة المحتملة بين ترامب وبوتين، تجد أوروبا نفسها أمام تحديات استراتيجية غير مسبوقة، وتسعى للحفاظ على دورها في المفاوضات ومنع تهميش أوكرانيا.
كما تواجه القارة ضغوطًا متزايدة لتعزيز قدراتها الدفاعية، خصوصًا في ظل تصريحات ترامب المتكررة حول ضرورة زيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي.