وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمرًا تنفيذيًا يوقف بموجبه تطبيق قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة (FCPA) الذي ظل لأكثر من 45 عامًا حجر الزاوية في جهود الولايات المتحدة لمكافحة الرشوة في المعاملات التجارية الدولية، في قرارٍ أثار عاصفة من الجدل في الأوساط السياسية والاقتصادية، كونه يُمثل تحولًا جوهريًا في النهج الأمريكي تجاه الأعمال الدولية والعلاقات التجارية العالمية.
مبررات القرار وتداعياته
في خطوة وصفها المراقبون بالجريئة، أعلن ترامب من المكتب البيضاوي،حسب صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، عن توجيهه لوزيرة العدل بام بوندي بتعليق تنفيذ القانون الذي يعود تاريخه إلى عام 1977.
وفي تصريحات مباشرة، أوضح ترامب أن القانون يشكل عائقًا حقيقيًا أمام الشركات الأمريكية في الأسواق العالمية.
وأشار إلى أن مجرد دخول رجل أعمال أمريكي إلى سوق أجنبية يجعله عرضة للتحقيقات والملاحقات القانونية، مما يخلق مناخًا طاردًا للاستثمارات الأمريكية في الخارج.
ويكتسب هذا القرار أهمية خاصة في ظل المنافسة الدولية المتزايدة، حيث أكد مسؤول رفيع المستوى في البيت الأبيض أن الأمن القومي الأمريكي يعتمد بشكل مباشر على قدرة الشركات الأمريكية على تحقيق مزايا تجارية استراتيجية في الأسواق العالمية.
وأضاف المسؤول، وفقًا لما نقلته الصحيفة البريطانية، أن التطبيق المفرط وغير المتوقع للقانون أضر بشكل كبير بالقدرة التنافسية للشركات الأمريكية، خاصة في المناطق الاستراتيجية مثل الموانئ العميقة والمعادن الحيوية.
تاريخ حافل بالقضايا البارزة
يمثل قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة أداة رئيسية في مكافحة الفساد العابر للحدود، وقد شكل الأساس القانوني لعدد من القضايا البارزة التي هزت عالم المال والأعمال، إذ كشفت فاينانشال تايمز عن سلسلة من القضايا المهمة التي تم التحقيق فيها بموجب هذا القانون، من بينها قضية شركة "ترافيجورا" التي توصلت إلى اتفاق تسوية مع وزارة العدل بشأن رشاوى قدمتها في البرازيل للاحتفاظ بأعمالها مع شركة النفط الحكومية بتروبراس.
وفي عام 2022، شهدت الساحة القانونية تطورًا مهمًا، عندما أقر أحد كبار الشركاء السابقين في شركة "ماكينزي" العالمية للاستشارات بالذنب في المشاركة في مؤامرة لانتهاك القانون، في قضية فساد واسعة النطاق خلال فترة حكم الرئيس الجنوب إفريقي السابق جاكوب زوما.
وفي تطورٍ لافتٍ في أكتوبر الماضي، وافقت شركة "RTX" للدفاع على دفع غرامة تجاوزت 950 مليون دولار لتسوية مزاعم تتعلق برشوة مسؤول لتسهيل مبيعات الأسلحة وخداع البنتاجون في تسعير الأسلحة، بما في ذلك أنظمة صواريخ باتريوت.
مستقبل التحقيقات الجارية
تشير فاينانشال تايمز إلى أن قرار ترامب يأتي في وقت حساس، إذ تشير الإحصاءات التي كشفت عنها الصحيفة إلى وجود 31 شركة تخضع حاليًا لتحقيقات تتعلق بقانون مكافحة الفساد.
وشهد العام الماضي وحده 26 إجراء تنفيذيًا متعلقًا بالقانون من قبل وزارة العدل ولجنة الأوراق المالية والبورصات.
وفي هذا السياق، أشار مسؤولو البيت الأبيض إلى أن كثرة الإجراءات التنفيذية سنويًا تستنزف موارد الشركات وأجهزة إنفاذ القانون على حدٍ سواءٍ.
وتكتسب هذه القضية أهمية خاصة في ضوء التحقيقات الأخيرة التي شملت شركة "Azure Power Global" للطاقة المتجددة، حيث وجهت لجنة الأوراق المالية والبورصات اتهامات لمسؤول تنفيذي سابق في الشركة في قضية تتعلق بمزاعم رشوة تورط فيها الملياردير الهندي، جوتام أداني.
وقد نفت مجموعة أداني هذه الاتهامات ووصفتها بأنها "لا أساس لها من الصحة"، في حين أكدت شركة Azure أن الموظفين السابقين المذكورين في الاتهامات، تم فصلهم من الشركة منذ أكثر من عام.
وفي هذا الإطار، يرى خبراء قانونيون أن مصير هذه القضية، التي رُفعت قبل عودة ترامب إلى البيت الأبيض، قد يتأثر بشكل مباشر برئاسته.
ويأتي هذا في وقت تتزايد فيه المخاوف من تأثير تعليق تنفيذ القانون على جهود مكافحة الفساد العالمي والشفافية في المعاملات التجارية الدولية.