أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خططًا لفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب والألومنيوم، في إطار تغيير هيكلي شامل للنظام التجاري الأمريكي، وسط جدل قانوني ودستوري حول صلاحياته في فرض مثل هذه الرسوم.
رسوم جمركية جديدة
كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أن قرار ترامب بفرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألومنيوم يأتي كجزء من استراتيجية أوسع لإعادة هيكلة النظام التجاري الأمريكي.
وأوضح ترامب، خلال حديثه مع الصحفيين على متن طائرة الرئاسة، في طريقه من فلوريدا إلى لويزيانا، أن "الرسوم الجمركية ستجعل الأمر ناجحًا للغاية"، حيث ستطبق على جميع الدول المصدرة للمعادن إلى الولايات المتحدة دون استثناء.
وتتجاوز خطط ترامب الرسوم على الصلب والألومنيوم، إذ تعهد أيضًا بفرض جمارك أخرى على واردات الرقائق الإلكترونية والمستحضرات الصيدلانية والنحاس والنفط والغاز، بحلول منتصف فبراير الجاري.
وأعلن خطته لفرض "رسوم متبادلة" على أي دولة تفرض رسومًا على المنتجات الأمريكية، قائلًا: "الأمر بسيط للغاية، إذا فرضوا علينا رسومًا، سنفرض عليهم رسومًا مماثلة"، مؤكدًا أن هذه الرسوم ستدخل حيز التنفيذ "بشكل شبه فوري".
ويرى السيناتور بيرني مورينو، حليف ترامب في مجلس الشيوخ، أن هناك نوعين من الرسوم، هما "الرسوم العقابية" التي تستهدف دولًا محددة مثل كندا والمكسيك والصين وكولومبيا، بسبب قضايا الهجرة وتهريب المخدرات، وأخرى هيكلية طويلة الأجل تستهدف قطاعات استراتيجية.
معركة قانونية ودستورية
ويثير استخدام ترامب لقانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية "IEEPA" لفرض الرسوم الجمركية جدلًا قانونيًا واسعًا، في هذا الصدد، تكشف صحيفة "بوليتيكو" أن هذه المرة تختلف عن فترة ولايته الأولى، إذ يستند ترامب الآن إلى قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية "IEEPA"، وهو قانون لم يُستخدم من قبل لفرض رسوم جمركية.
وفي ولايته الأولى، كان ترامب يعتمد على قوانين تجارية تقليدية مثل قانون التجارة لعام 1974، وقانون توسيع التجارة لعام 1962، التي كانت تتطلب تحقيقات مطولة من قبل وكالات مختلفة ومشاورات مع الكونجرس، أما القانون الجديد فيمنحه سلطات أوسع وأكثر مرونة لفرض رسوم جمركية دون الحاجة لهذه الإجراءات.
ويقول تيموثي ماير، أستاذ القانون وخبير قانون التجارة الدولية: "من الصعب جدًا رؤية كيف كان واضعو الدستور يعتقدون أنه من الدستوري أن يكون للرئيس ببساطة سلطة فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على شركائنا التجاريين الرئيسيين".
ويشير الخبراء إلى أن الدستور يمنح الكونجرس صلاحية "فرض وتحصيل الضرائب والرسوم والجمارك والمكوس"، ما يجعل قرارات ترامب محل تساؤل دستوري.
ويمكن أن تواجه هذه الرسوم تحديات قانونية في المحاكم، خاصة في محكمة التجارة الدولية، مع إمكانية وصول الاستئنافات إلى المحكمة العليا.
ويتوقع الخبراء أن تأتي هذه التحديات من الشركات الأمريكية، التي ستضطر لدفع الرسوم الجمركية.
ردود فعل عالمية
وعالميًا؛ اتخذت الصين إجراءات سريعة ردًا على القرارات الأمريكية، إذ أعلنت حزمة من الإجراءات المضادة تشمل فرض رسوم جمركية بنسبة 15% على واردات الطاقة الأمريكية، التي تقل قيمتها عن 5 مليارات دولار، ورسوم 10% على واردات النفط والمعدات الزراعية الأمريكية.
وفرضت بكين قيودًا استراتيجية على تصدير المعادن الحيوية المستخدمة في الصناعات الإلكترونية والطيران والدفاع.
وكشفت ويندي كتلر، نائب رئيس معهد سياسات آسيا والمفاوض التجاري السابق لـ"وول ستريت جورنال"، أن الصين حققت تقدمًا في تقليل اعتمادها على المنتجات الأمريكية مثل الأجهزة الطبية، ما يعزز نفوذها في هذه المواجهة.
وأضافت: "رد الصين يُظهر مدى استعدادها للمواجهة، لديهم الكثير من الأدوات في ترسانتهم".
أما الاتحاد الأوروبي، فيواجه تهديدات مباشرة من إدارة ترامب، بسبب الضرائب والعقوبات التي يفرضها على شركات التكنولوجيا الأمريكية.
وحذّر روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي السابق، من أن "أوروبا مُقبلة على حرب تجارية ضخمة"، مضيفًا "أن الرئيس لن يتسامح مع الإجراءات الأوروبية ضد كبرى الشركات الأمريكية، خاصة شركات التكنولوجيا مثل جوجل".
تداعيات اقتصادية عميقة
وفي تقييم للتأثيرات الاقتصادية المحتملة، كشفت بيتر نافارو، المستشار التجاري للرئيس ترامب، عن رؤية طموحة لتغيير هيكلي في الاقتصاد الأمريكي.
وقال في حديث لصحيفة "بوليتيكو": "إذا نجح الرئيس ترامب كما يريد، فسنقوم بتحويل هيكلي للاقتصاد الأمريكي من اقتصاد يعتمد بشكل مفرط على ضرائب الدخل إلى اقتصاد يعتمد أيضًا على إيرادات التعريفات الجمركية".
وتشير التقديرات إلى أن هذه الرسوم قد تؤثر بشكل كبير على سلاسل التوريد العالمية وتكاليف الإنتاج في مختلف القطاعات الصناعية.
توسيع نطاق الرسوم ليشمل قطاعات حيوية مثل الرقائق الإلكترونية والمستحضرات الصيدلانية، قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات الاستهلاكية وزيادة التضخم.
ويواجه الكونجرس خيارات محدودة للتصدي لهذه القرارات، فرغم وجود آلية قانونية في قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية تسمح للكونجرس بإلغاء رسوم ترامب، فإن ذلك يتطلب أغلبية كافية لتجاوز حق النقض الرئاسي، وهو أمر يبدو شبه مستحيل في ظل سيطرة ترامب على الجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ.