لم يعد الأمر يقتصر على التغريدات المفاجئة لدونالد ترامب في ساعات الصباح الباكر، بل بات الرئيس الأمريكي يتبع استراتيجية سياسية قائمة على مبدأ "التصعيد المستمر" ضد خصومه، عبر منصات التواصل الاجتماعي وأدوات الدعاية الرقمية.
وحسب تقرير لموقع "أكسيوس" الأمريكي، فمنذ بداية ولايته الثانية، يشهد البيت الأبيض تحولًا غير مسبوق في طبيعة التواصل السياسي، حيث باتت الحملات الانتخابية تبدو وكأنها لن تنتهي أبدًا.
هجوم لا يتوقف
منذ توليه الرئاسة للمرة الثانية، يعتمد ترامب على تكثيف استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لشن هجمات سياسية لا تتوقف، بل أصبحت أكثر تنظيمًا من السابق، ففي فترته الأولى، كان ترامب يستخدم حسابه الشخصي على "إكس" لمهاجمة خصومه، لكن في ولايته الثانية، أصبح لديه فريق متخصص يعمل على مدار الساعة لإيصال رسائله بأسلوب استفزازي وتصعيدي.
أحد أبرز أدوات هذه الحملة هو حساب "الاستجابة السريعة 47" الذي أنشأه البيت الأبيض، بهدف "دعم أجندة أمريكا أولاً"، وفقًا لوصفه الرسمي.
هذا الحساب بات يُستخدم لنشر مقاطع فيديو وهجمات شخصية ضد خصوم ترامب السياسيين، معتمدًا على خطاب لاذع لا يتردد في السخرية أو التهكم.
هجمات على الديمقراطيين
لم يسلم خصوم ترامب من هذه الاستراتيجية، حيث طالت هجماته عددًا من الشخصيات البارزة، ومنهم زعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز، الذي صُوّر في منشور على حساب "الاستجابة السريعة 47" كشخص عنيف بسبب تصريحاته حول مواجهة أجندة ترامب.
أيضا السيناتور كريس مورفي، الذي تعرّض للسخرية بسبب اعتراضه على تعيين أحد مسؤولي إدارة ترامب، وكذلك زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، الذي وصفه فريق ترامب بـ"أغرب رجل في واشنطن".
كما استخدم مسؤولو البيت الأبيض حساباتهم الشخصية لشن هجمات مباشرة على المعارضين، حيث وصف المتحدث باسم البيت الأبيض ستيفن تشيونج عضوة الكونجرس الديمقراطية جاسمين كروكيت بأنها تدعم "إشراك الرجال في الرياضات النسائية"، في سياق هجوم على موقفها من قرار ترامب بحظر مشاركة النساء المتحولات جنسيًا في الرياضات النسائية.
سلاح جديد
إلى جانب التغريدات والمنشورات اللاذعة، يعتمد البيت الأبيض في عهد ترامب على نشر مقاطع فيديو ذات طابع تحريضي تهدف إلى إثارة الجدل بين الليبراليين والمحافظين.
وأحدث هذه المقاطع كان فيديو يحتفل بالأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب حول مشاركة النساء المتحولات جنسيًا في الرياضة، حيث ظهر في المقطع فتيات وأمهات يطالبن بحماية الرياضات النسائية.
فيديو آخر نُشر أخيرًا يسلّط الضوء على معاناة أمهات فقدن أطفالهن بسبب مهاجرين غير مسجلين، في محاولة لتعزيز دعم سياسات ترامب الصارمة بشأن الهجرة.
استراتيجية جديدة أم ضرورة سياسية؟
تاريخيًا، استخدمت الإدارات الأمريكية وسائل التواصل الاجتماعي لنشر رسائلها، لكن بأسلوب أكثر تحفظًا، أما في عهد ترامب، فقد باتت هذه المنصات أداة رئيسية في صراع سياسي مكشوف، حيث يرى مستشارو ترامب أن البيئة السياسية والإعلامية تغيرت، ما يتطلب نهجًا أكثر شراسة.
في المقابل، يرى معارضو ترامب أن هذه الاستراتيجية تعكس حالة من الدفاع السياسي ومحاولة للتغطية على إخفاقات إدارته، وفقًا لأندرو بيتس، المتحدث باسم البيت الأبيض خلال رئاسة جو بايدن، فإن هذا النهج يعكس "شعورًا بالضغط نتيجة الفشل في تحقيق وعود حملة ترامب الانتخابية، وعلى رأسها خفض التكاليف في اليوم الأول".
سواءً كانت هذه الاستراتيجية محسوبة أم مجرد رد فعل، فإنها تؤكد على واقع جديد في السياسة الأمريكية، حيث لم يعد الخطاب الدبلوماسي التقليدي هو السائد، بل حل محله الهجوم المستمر والتصعيد الإعلامي.
وفي ظل استمرار هذه الحملة، يبدو أن الانقسامات السياسية في الولايات المتحدة ستظل تتعمق أكثر فأكثر، ما يطرح تساؤلات حول مستقبل الديمقراطية الأمريكية في ظل هذه الأجواء المشحونة.