حذر أحد كبار المفاوضين السابقين في عملية السلام، من أن مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بشأن السيطرة على غزة، بعد إعادة توطين سكان القطاع في دول أخرى، يعطي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فرصة للتراجع عن التزامات وقف إطلاق النار في غزة، وقد يعرض إطلاق سراح المحتجزين في المستقبل للخطر، وفق ما نقلته صحيفة "ذا تايمز" البريطانية.
ويعتقد جلعاد شير، الوسيط المخضرم الذي قاد المحادثات مع الفلسطينيين خلال اتفاقيات أوسلو، أن ادعاءات ترامب بأن الولايات المتحدة مستعدة للسيطرة على غزة قد تقدم لبنيامين نتنياهو مخرجًا من اتفاق وقف إطلاق النار الحالي على نحو متزايد.
وينطوي المقترح الذي أعلن عنه ترامب بشكل غير متوقع الأسبوع الماضي، خلال مؤتمر صحفي مع نتنياهو، على نقل الفلسطينيين في غزة إلى دول أخرى، وتحويل القطاع إلى ما وصفه بـ"ريفييرا الشرق الأوسط"، وهو ما أثار إدانة دولية واسعة النطاق، لكنه حظي بإشادة من الائتلاف اليميني المتطرف في إسرائيل الذي يحافظ على نتنياهو في السلطة.
ويرى "شير" أن ترامب عرض طوق نجاة لرئيس الوزراء المحاصر، الذي خرج من زيارته لواشنطن بتطمينات متجددة بأن المصالح الأمريكية في المنطقة تتوافق مع مصالحه، وتم التأكيد على ذلك عندما وقع ترامب على أمر تنفيذي بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، وهي الهيئة التي أصدرت مذكرة اعتقال بحق نتنياهو، لارتكابه جرائم حرب ضد الفلسطينيين في غزة.
واتهم الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب المدعين العامين في المحكمة بالقيام "بأعمال غير مشروعة ولا أساس لها من الصحة"، ولم توقع الولايات المتحدة وإسرائيل على اتفاقية المحكمة.
وقال "شير"، لـ"ذا تايمز": "اهتمامي الأول والأهم هو إطلاق سراح المحتجزين، كل محتجز، سواءً أحياء وأموات، لا يزالون في أيدي حماس". لكن المفاوض المخضرم قال إن مقترح ترامب بشأن غزة يمكن أن يمنح نتنياهو وحماس مخرجًا من الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ في 19 يناير الماضي.
وأضاف "شير" أن ذلك "يعرض إطلاق سراح المحتجزين الـ79 المتبقين للخطر"، لأن تعليقات ترامب بشأن استكمال الاتفاق "كانت غامضة وغير محددة وغير ملتزمة"، ما يترك للجانبين مجالًا للمناورة في المحادثات.
ولكن الهدنة لا تزال قائمة حتى الآن، وتتبادل إسرائيل وحماس، اليوم السبت، الدفعة الخامسة من المحتجزين والأسرى في سجون الاحتلال، في حين تعمل الوفود على المفاوضات لمواصلة عمليات التبادل.
وتركز المرحلة الثانية على التفاوض على وقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح المحتجزين الأحياء المتبقين، وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهي الخطوة التي لن تحدث إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول أوائل مارس.
وتشير "ذا تايمز" إلى أن نتنياهو، على النقيض من رؤساء الوزراء الخمسة السابقين، لم ينخرط في محادثات الوضع النهائي بشأن حل الدولتين، وهو يعارض عملية السلام في أوسلو، فضلًا عن انسحاب إسرائيل من غزة في عام 2005.
ويعتقد شير، رئيس أركان جيش الاحتلال السابق، أن نتنياهو، الذي يواجه محاكمة فساد مستمرة والتهديد المستمر بانهيار حكومته الائتلافية الهشَّة، سيواصل القتال حتى النهاية، قائلًا: "نحن نتحرك نحو الكارثة لأن رئيس الوزراء محاصر بمصالحه الشخصية ومصالحه القانونية ومصالح الائتلاف".
وأكد "شير" (71 عامًا) أن نتنياهو عزز الانقسام بين الفصائل القيادية السياسية الفلسطينية (حماس في غزة وفتح في الضفة الغربية) وهذا كان علامة على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سعى منذ فترة طويلة إلى "تجنب مواجهة حل الدولتين".
واختتم شير، أحد مؤسسي مجموعة المقاومة المؤيدة للديمقراطية التي حاولت الإطاحة بنتنياهو بسبب التعديلات القضائية: "لم يكن نتنياهو مهتما أبدا بالشركاء المتطرفين العنصريين الذين يشكلون ائتلافه".
وعلى الرغم من كل هذا الاستنكار الدولي، لاقى مقترح ترامب بشأن غزة، ترحيبًا من جانب شركاء نتنياهو في الائتلاف اليميني المتطرف، الذين كان العديد منهم يتوقون إلى إعادة احتلال غزة. وقال أحد السفراء الأمريكيين السابقين إن هذا يُظهِر أن ترامب كان يحاول إبقاء شركاء نتنياهو في الائتلاف الحكومي راضين، بعدما استقال العديد منهم أو هددوا بالرحيل إذا لم تستأنف المعارك في الأسابيع المقبلة.
ونقلت "ذا تايمز" عن البروفيسور إيتمار رابينوفيتش، الذي شغل منصب سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة في تسعينيات القرن العشرين: "لقد تم إخفاء قضية استمرار الاتفاق في غزة أثناء المؤتمر الصحفي.. أعتقد أنه كان يساعد نتنياهو في الحفاظ على حكومته".
قال رابينوفيتش، الذي عمل أيضًا رئيسًا للمفاوضات خلال المحاولة الفاشلة للتوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل وسوريا في أوائل التسعينيات: "أعتقد أن جزءًا من استراتيجية ترامب هو البدء بعصا كبيرة، سيحصل على بعض ما يريد، لكن لن يحصل على كل ما يريد.. هذا هو أحد عناصر تكتيكاته في التفاوض أو صنع الصفقات التي يفتخر بها كثيرًا".
وأضاف رابينوفيتش: "بعد أيام قليلة، سيتعين علينا أن نعرف ما إذا كانت العملية في غزة مستمرة أم لا، وقد يعود الأمر برمته إلى نقطة البداية"، موضحًا أن ترامب "مختلف للغاية" عمّا شهده بنفسه في عهد إدارتي كلينتون وبوش، لكنه استطرد: "لكنك لا تصنع السياسة في المؤتمرات الصحفية".
لكن ياريف أوبنهايمر، أحد زعماء معسكر يسار الوسط في إسرائيل، فقال إن ترامب أثبت قدرته على دفع عملية السلام إلى الأمام، وأضاف أن "هذه مجرد خطة لإجبار نتنياهو على الدخول في المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار".
وتابع: "إنها خطوة رائعة في المفاوضات بشأن هذه القضية.. ولكن بالنسبة لاتفاقية الوضع الدائم، أو الحل الدائم لمشكلة غزة، فهي فكرة غير أخلاقية وغير واقعية".
وقال شير، إنه في حين أنه من السابق لأوانه الحكم على مدى رد الولايات المتحدة على تصريحات ترامب في المؤتمر الصحفي، فإن فكرة الاستيلاء على غزة من الفلسطينيين قد "تطلق العنان لاتجاهات ضم الضفة الغربية من قبل إسرائيل".
ووعد ترامب بالكشف عن موقفه بشأن الضفة الغربية المحتلة خلال الشهر المقبل.