أزمة عميقة تواجه النظام الصحي في المملكة المتحدة، إذ بات الاعتماد على الأطباء المهاجرين يُشكل نسبة غير مسبوقة من القوى العاملة في القطاع الطبي، وفي تطور لافت يعكس تحولًا في السياسة الصحية البريطانية، أطلق وزير الصحة البريطاني ويس ستريتنج، تصريحات حادة انتقد فيها اعتماد هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) المفرط على الأطباء الأجانب، مُؤكدًا ضرورة التحول نحو تطوير المواهب المحلية، بحسبصحيفة "التليجراف" البريطانية.
حجم الأزمة في أرقام
كشفت بيانات حصرية حصلت عليها الصحيفة البريطانية عن صورة مقلقة لواقع القطاع الصحي في المملكة المتحدة، فمن بين 28,564 طبيبًا سجلوا للعمل في بريطانيا العام الماضي، تلقى ما يقرب من ثلثيهم تدريبهم خارج البلاد.
وفي تفاصيل هذه الأرقام، يظهر تحول دراماتيكي في مصادر التوظيف الطبي، فبينما استقر عدد الأطباء القادمين من المنطقة الاقتصادية الأوروبية عند حوالي 2,500 طبيب سنويًا منذ عام 2016، شهد عدد الأطباء القادمين من بقية دول العالم زيادة هائلة بلغت 400% خلال نفس الفترة، مرتفعًا من 3,431 إلى رقم قياسي بلغ 16,913 طبيبًا.
وفي المقابل، لم يرتفع عدد الأطباء المتدربين في المملكة المتحدة سوى من 7,180 إلى 9,285 خلال نفس الفترة، مما أدى إلى انخفاض نسبة الأطباء المدربين محليًا من 56.2% إلى 32.5% من إجمالي المسجلين الجدد سنويًا.
مخاوف معايير الكفاءة
تشير الصحيفة البريطانية إلى أن هذه الأرقام تثير مخاوف عميقة حول جودة الرعاية الطبية ومعايير تقييم الكفاءات.
وفي هذا السياق، يكشف البروفيسور كارول سيكورا، المتخصص في علاج السرطان وعميد كلية الطب بجامعة باكنجهام، عن تفاصيل مقلقة حول نظام التقييم المعتمد، فبحسب ما نقلته التليجراف، أشار سيكورا إلى أن "اختبارات المعرفة التي يستخدمها المجلس الطبي العام قد تم تبسيطها بشكل كبير مقارنة بتلك المستخدمة لطلابنا، كما أن وفرة الدورات التدريبية عبر الإنترنت جعلت من السهل اجتياز هذه الاختبارات".
وفي تفاصيل إضافية حول نظام التقييم، يخضع الأطباء القادمون من خارج المنطقة الاقتصادية الأوروبية لاختبار من جزأين للحصول على ترخيص العمل في بريطانيا.
الجزء الأول يتكون من أسئلة اختيار من متعدد، بينما يتضمن الجزء الثاني سيناريوهات سريرية مع توظيف ممثلين للعب دور المرضى، لكن البروفيسور ج. ميريون توماس، الجراح السابق في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، يصف هذه الاختبارات بأنها "مجرد تمرين لوضع علامات الاختيار" ولا ترقى إلى مستوى التقييم المطلوب.
أبعاد أخلاقية وتحديات مستقبلية
تتجاوز هذه القضية البعد التنظيمي والإداري لتثير تساؤلات أخلاقية جوهرية، إذ إن المملكة المتحدة، بصفتها موقعة على مدونة منظمة الصحة العالمية لقواعد الممارسة في التوظيف الدولي للعاملين الصحيين، ملزمة أخلاقيًا بتجنب التوظيف النشط للمهنيين الصحيين من البلدان النامية التي تعاني من نقص حاد في الكوادر الطبية، لكن البيانات تشير إلى أن معظم التوظيف يأتي تحديدًا من هذه البلدان، مما يفاقم أزماتها الصحية.
وتعلق الدكتورة لطيفة باتيل، رئيسة الهيئة التمثيلية للجمعية الطبية البريطانية، على هذا الوضع بقولها: "سنوات من التخطيط غير المسؤول للقوى العاملة تعني أن المملكة المتحدة لا تدرب عددًا كافيًا من الأطباء لتلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان"، مضيفة أنه رغم الدور الحيوي للأطباء الدوليين، إلا أن "النظام بأكمله الذي ينتج الأطباء في المملكة المتحدة معطل".
خطة طموحة
في مواجهة هذه التحديات، أعلنت هيئة الخدمات الصحية الوطنية عن خطة طموحة لمضاعفة عدد المقاعد في كليات الطب البريطانية بحلول عام 2031-2032.
وتؤكد أماندا بريتشارد، الرئيسة التنفيذية للهيئة، أن المؤسسة الصحية ستتبنى نهجًا طموحًا للغاية في زيادة عدد الخريجين المحليين.
وتأتي هذه الخطة استجابة للمخاوف من أن "الاعتماد الكبير على الموظفين من الخارج يعرض هيئة الخدمات الصحية الوطنية للصدمات العالمية المستقبلية والتقلبات في إمداد القوى العاملة الدولية".
وشدد وزير الصحة "ستريتنج" على أنه رغم أن "هيئة الخدمات الصحية الوطنية كانت دائمًا تعتمد على المواهب من جميع أنحاء العالم، وأن الخدمة أقوى بسببها، وملايين المرضى ممتنون للرعاية الماهرة والرحيمة التي تلقوها من الموظفين من الخارج"، إلا أنه "لا شك في أن الهيئة أصبحت في السنوات الأخيرة معتمدة بشكل مفرط على رافعة الهجرة".