الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

لإفلات إسرائيل من "العدالة".. الجنائية الدولية في مرمى عقاب ترامب

  • مشاركة :
post-title
دونالد ترامب خلال لقائه نتنياهو في واشنطن

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

في خطوة مثيرة للجدل، أقدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على توقيع أمر تنفيذي يفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، مستهدفًا بذلك تحقيقاتها بشأن دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وأثارت هذه العقوبات موجة واسعة من الجدل، إذ يرى معارضوها أنها تُقوِّض جهود العدالة الدولية، بينما يصفها مؤيدوها بأنها ضرورة لحماية السيادة الوطنية، بحسب تقرير لوكالة "أسوشيتد برس".

أمر تنفيذي مثير للجدل

في 2023، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت، على خلفية الحرب على قطاع غزة التي شنها الاحتلال في أكتوبر من العام ذاته، والذي أسفر عن استشهاد وإصابة أكثر من 150 ألف فلسطيني، أغلبهم من الأطفال والنساء.

وردًا على ذلك، وقع ترامب أمرًا تنفيذيًا يفرض عقوبات على المحكمة، متهمًا إياها بإساءة استخدام سلطتها واستهداف الولايات المتحدة وحلفائها، ويشير الأمر التنفيذي إلى أن المحكمة "ليس لها سلطة قضائية على الولايات المتحدة أو دولة الاحتلال"، واعتبر أن إصدار مذكرات الاعتقال يمثل "سابقة خطيرة"، إذ لا تُعد دولة الاحتلال أو الولايات المتحدة أعضاءً في المحكمة ولا تعترفان بولايتها القضائية.

زيارة نتنياهو

جاءت خطوة ترامب في الوقت الذي كان يزور نتنياهو واشنطن، حيث التقى بالرئيس الأمريكي وأجريا محادثات في البيت الأبيض، إضافة إلى اجتماعاته مع المشرعين في مبنى الكابيتول، واعتبر القرار تعزيزًا للدعم الأمريكي لدولة الاحتلال، لا سيما في ظل تصاعد التوترات في الشرق الأوسط.

ونصَّ الأمر التنفيذي على فرض "عواقب ملموسة ومهمة" ضد المحكمة الجنائية الدولية، والتي قد تشمل: حجب الممتلكات والأصول، ومنع دخول مسؤولي المحكمة وموظفيها وعائلاتهم إلى الولايات المتحدة، وتقويض عمل المحكمة عبر عرقلة سفر محققيها وصعوبة وصولهم إلى الأدلة.

وأثار القرار انتقادات واسعة من نشطاء حقوق الإنسان، الذين رأوا أنه يقوض الجهود الرامية إلى تحقيق العدالة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.

من جهته، أكد تشارلي هوجل، المحامي في مشروع الأمن القومي التابع للاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، أن القرار "يمثل هجومًا على المساءلة وحرية التعبير"، موضحًا أن الضحايا يعتمدون على المحكمة الجنائية الدولية عندما تكون أنظمتهم القضائية غير قادرة أو غير راغبة في التحقيق في الجرائم.

تاريخ من الصراع

لم تكن الولايات المتحدة يومًا عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، إذ صوتت ضد نظام روما الأساسي في 1998، وفي عام 2000، وقع الرئيس الأسبق بيل كلينتون على النظام، لكنه لم يرسله إلى مجلس الشيوخ للتصديق عليه، وعندما تولى جورج دبليو بوش الرئاسة في 2001، ألغى التوقيع الأمريكي وقاد حملة ضغط لمنع تسليم الأمريكيين إلى المحكمة.

وفي 2020، فرض ترامب عقوبات على المدعية العامة السابقة فاتو بنسودا بسبب فتحها تحقيقًا حول جرائم حرب مزعومة ارتكبتها جميع الأطراف، بما فيها الولايات المتحدة، في أفغانستان، لكن إدارة بايدن رفعت هذه العقوبات لاحقًا، وبدأت في التعاون مع المحكمة، خاصة بعد إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 2023.

تحديات تواجه المحكمة

لعب السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام دورًا بارزًا في تعزيز التعاون الأمريكي مع المحكمة الجنائية الدولية، لكنه سرعان ما انقلب عليها بعد استهدافها لدولة الاحتلال، ووصفها بأنها "مارقة وصورية"، مشددًا على أن مذكرات الاعتقال الصادرة ضد نتنياهو تشكل خطرًا على الولايات المتحدة نفسها.

أما إدارة بايدن، فوصفت أوامر الاعتقال بأنها "عمل بغيض"، فيما اتهم مستشار ترامب للأمن القومي، مايك والتز، المحكمة بالتحيز ضد إسرائيل.

إضافة إلى القيود الدبلوماسية والمالية، تعرضت المحكمة الجنائية الدولية لهجوم إلكتروني كبير في 2023، أدى إلى تعطيل الوصول إلى الملفات لأسابيع، وهو ما فسره البعض على أنه محاولة لتقويض عمل المحكمة، كما أن العقوبات الأمريكية قد تعرقل عملها عبر التأثير على قدرتها في الوصول إلى التكنولوجيا والأدلة التي طورتها الولايات المتحدة لحماية التحقيقات.

الموقف الأوروبي من العقوبات

على الرغم من الضغوط الأمريكية، رفضت بعض الدول الأوروبية هذه العقوبات، ففي أواخر 2023، أصدرت هولندا بيانًا دعت فيه الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية إلى التعاون لتخفيف آثار العقوبات المحتملة، بهدف تمكين المحكمة من متابعة مهامها دون عراقيل.

وتعكس العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على المحكمة الجنائية الدولية تناقضًا جوهريًا في الموقف الأمريكي تجاه العدالة الدولية، ففي حين دعمت الولايات المتحدة المحكمة في قضايا مثل ملاحقة المسؤولين الروس، فإنها سعت إلى تقويضها عند استهدافها لحلفائها.