يعيش القصر الجمهوري الفرنسي على وقع أزمة سياسية متصاعدة هذا الأسبوع، إذ يواجه رئيس الوزراء فرانسوا بايرو تحديًا دستوريًا غير مسبوق يتمثل في أربعة تصويتات محتملة لحجب الثقة عن حكومته، في حين تأتي هذه التطورات في خضم محاولاته المستميتة لتمرير ميزانية 2025 المتأخرة، في مشهد يعكس عمق الانقسامات السياسية التي تعصف بالجمهورية الفرنسية الخامسة.
سلاح الحكومة الأخير
في خطوة وصفتها صحيفة "بوليتيكو" بالجريئة، لجأ بايرو، يوم الاثنين، إلى تفعيل المادة 49.3 من الدستور الفرنسي مرتين متتاليتين، وهي مناورة دستورية تتيح للحكومة تمرير التشريعات دون الحاجة إلى تصويت برلماني.
وكشفت "ذا جارديان" أن رئيس الوزراء يعتزم استخدام نفس الآلية مرتين إضافيتين خلال الأسبوع المقبل؛ لضمان تمرير جميع بنود الميزانية المتبقية، غير أن هذا الإجراء الاستثنائي يمنح المعارضة الحق في التقدم باقتراحات لحجب الثقة عن الحكومة، مما يضع مصير الحكومة على المحك.
وفي خطابه أمام الجمعية الوطنية، الذي نقلته صحيفة "لوموند" الفرنسية، قال بايرو: "إنها ساعة الحقيقة، هذا أسبوع الحقيقة والمسؤولية، لا يمكن لأي بلد أن يستمر بدون ميزانية، وفرنسا ليست أقل من غيرها.. هل هذه الميزانية مثالية؟ لا. لا أحد يجدها مثالية، إنها توازن، نحن نواجه واجبنا والقرار في أيديكم".
معركة التحالفات السياسية
وكشفت "لوموند" عن قرار الحزب الاشتراكي الفرنسي بعدم دعم اقتراح حجب الثقة عن حكومة بايرو فيما يتعلق بالميزانية، في خطوة تمنح رئيس الوزراء متنفسًا سياسيًا مهمًا.
وأوضح الحزب في بيان رسمي، أن "فرنسا تحتاج إلى ميزانية"، مؤكدًا أنه لن يصوت لصالح مقترح حجب الثقة المرتبط بخطط الإنفاق الحكومية.
ورغم ذلك، هذا الموقف لا يعني منح بايرو صكًا على بياض، إذ أشارت "بوليتيكو" إلى أن الاشتراكيين يعتزمون تقديم مقترح لفت نظر منفصل للحكومة؛ احتجاجًا على ما يرونه تجاهلًا من جانب رئيس الوزراء لـ"القيم الجمهورية"، خاصة بعد تصريحاته المثيرة للجدل حول قضية الهجرة الأسبوع الماضي.
وتبقى فرص نجاح هذا المقترح مرهونة بموقف حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان، الذي لم يعلن بعد موقفه النهائي من التصويت.
جذور الأزمة وتداعياتها المستقبلية
وتعود جذور الأزمة الحالية، وفقًا للجارديان، إلى قرار الرئيس إيمانويل ماكرون بحل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في يونيو الماضي، عقب هزيمة حزبه الوسطي الحاكم في الانتخابات الأوروبية.
وقد أفرزت هذه الانتخابات برلمانًا منقسمًا إلى ثلاث كتل متقاربة في الحجم، يسار ووسط ويمين متطرف، لا تتمتع أي منها بأغلبية مطلقة، مما خلق حالة من الجمود السياسي غير المسبوق.
ويزيد من تعقيد المشهد السياسي أن بايرو هو رئيس الوزراء السادس في عهد ماكرون منذ 2017، وأن القانون الفرنسي لا يسمح بإجراء انتخابات تشريعية جديدة قبل يونيو المقبل.
وقد سبق أن شهدت فرنسا سقوط حكومة ميشيل بارنييه في ديسمبر الماضي، بعد لجوئه إلى نفس المادة الدستورية لتمرير ميزانية الضمان الاجتماعي.
التداعيات الاقتصادية للأزمة
وفي ظل هذه التطورات المتسارعة، حذر محافظ البنك المركزي الفرنسي، فرانسوا فيلوروا دي جالهاو، في تصريحات نقلتها لوموند، من تداعيات الأزمة على الاقتصاد الفرنسي.
وأكد أن تبني مشروع قانون الميزانية يمثل "خطوة أولى ضرورية في الاتجاه الصحيح" لإنهاء حالة عدم اليقين الاقتصادي، مشددًا على أن الأولوية يجب أن تكون للسيطرة على الإنفاق العام وخفض العجز.
وتكشف الصحيفة الفرنسية، أن ميزانية بايرو، رغم كونها أقل طموحًا في خفض العجز مقارنة بخطط سلفه بارنييه، إلا أنها تظل محل خلاف سياسي حاد.
ويرى إريك كوكريل، نائب حزب فرنسا الأبية ورئيس لجنة المالية في البرلمان، أن "هذه الميزانية أسوأ من تلك التي اقترحها ميشيل بارنييه".